آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

خيارات أميركية غير إيرانية في الحرب على إيران

 

د. وفيق إبراهيم 
يعكف الأميركيون على البحث عن آليات جديدة تبتعد عن فكرة الحرب العسكرية المباشرة على إيران. لكنها تستهدفها بأشكال غير مباشرة في مناطق تحالفاتها وخصوصاً في اليمن وسورية.

هذه الأشكال غير المباشرة هي السعودية وقوات «قسد الكردية» و«إسرائيل» وقوات هادي اليمنية بالاسم فقط والأممية الانتماء بما يشمل قوات باكستانية وسودانية وعربية مختلفة ومستشارين أميركيين وبريطانيين مع إسناد بحري وجوي أميركي وإسرائيلي.

فماذا يجري؟

التزام إيران وتحالفاتها في اليمن والعراق وسورية ولبنان في تطوير مفهوم الحرب الإقليمية، التي تعتبر أن أي اعتداء على أي طرف من حلقاتها، هو هجوم على الحلف بكامله.. بالإضافة إلى قوة الردع الإيرانية المستعدة لحرب طويلة، فرضوا على الأميركيين «إرجاء» الهجوم المباشر عليها حتى تتوفر ظروف دولية أميركية وشرق أوسطية تتلاءم مع متطلبات الحرب الأميركية الخاطفة والمدمرة.. وقد لا تتوفر، الأمر الذي حضّ الأميركيين على التنقيب عن أهداف مفيدة لسياساتهم تضرب علاقة إيران بالمنطقة العربية وتعيد لحلفاء أميركا ثقتهم بها. وبسرعة اكتشف الأميركيون ميدانين هامين يعتقدون ان ادواتهم الاقليمية للتغيير فيهما موجودة وقوية ورنانة، وهما شرق الفرات في سورية والساحل العربي عند مدينة الحديدة في اليمن.

لجهة شرق الفرات، أناط الأميركيون بالسعوديين مهمة دفع الأمور نحو تشكيل دولة كردية فيها تنفصل عن الدولة السورية وتناصب تركيا العداء. وهما هدفان يشكلان جزءاً أساسياً في سياسات آل سعود المعادية لسورية والرافضة للمشروع التركي الذي يقود الاخوان المسلمين.

لقد تعهّد السعوديون لـ «أكراد قسد» بتمويل كامل لدولتهم المنتظرة، وتوفير تأييد العشائر العربية لهم في المنطقة في مراحل لاحقة.

بذلك يكسب مشروع الدويلة الكردية شرقي الفرات السوري الأرض الواسعة والتمويل السعودي والمياه والأراضي الزراعية وآبار الغاز والنفط الغزيرة، والتغطية الأميركية الكاملة، مع امكانية توفير دعم جوي إسرائيلي عند اللزوم.

هذا ما عرضه منذ أيام عدة الوزير السعودي لشؤون الخليج تامر السبهان الذي نقلته طائرات أميركية إلى مركز قسد شرقي سورية مع وفد كبير من مخابرات بلاده.

وتتمة لهذا العرض، ينتقل بعد أيام عدة أيضاً مدير المخابرات السعودية إلى «إسرائيل» لتقديم عرض بتمويل هجمات إسرائيلية على مواقع سورية وإيرانية وأخرى لحزب الله في سورية، وإذا تطلبت تطورات المعارك قصفاً في لبنان، فإن السعودية مستعدة للتغطية السياسية والتمويلية الكاملة بالاتفاق مع الأميركيين.

بالمقابل يدفع السعوديون بتكليف أميركي نحو إعداد حملة عسكرية لاحتلال الساحل الغربي بما فيه مدينة الحديدة.. وردهم هذا الإيعاز من المندوب الأميركي لشؤون الخليج الذي زارهم منذ يومين، مؤكداً لهم بأن بلاده لن تسمح لأنصار الله بالتموضع قرب باب المندب.

ما يعني رفضاً أميركياً فعلياً وعلنياً لاتفاق ستوكهولم السويدي والكشف العلني عن أميركية الحرب السعودية على اليمن ومدى أهمية هذا البلد للجيوبولتيك الأميركي في الأطر الاقتصادية والتغطية والاستراتيجية.

هنا يقول بعض الخبراء إن التمويل السعودي معروض منذ بداية الحرب ومتواصل إلى حدود الاستبداد للإنفاق على حروب كونية تؤمن مصلحة الأميركيين واستمرار آل سعود بحوار يمني مستتبع لهم بالكامل.

فالحرب على الحديدة، مشروع لتطويق منطقة الوسط، صنعاء، صعدة لدرجة منع الطيور من الوصول إليها، بما يؤدي إلى إسقاطها بسرعة وإعادة تشكيل يمن بكانتونات متعددة، للسعودية حق الهيمنة الداخلية وللأميركيين السيطرة على الممرات البحرية والسواحل.

لعل هذا الاتفاق هو الذي أصاب دولة الإمارات بجنون جعلها تدفع حلفاءها اليمنيين وقواتها إلى التصادم العسكري مع قوات هادي السعودية، تحت شعارات الخلاف على إدارة جزر ومدن فيما الأساس هو الصراع السعودي الإماراتي على اليمن بأسره.

إنما ما هي القوات التي يريد الأميركي السعودي السيطرة من خلالها على الحديدة؟

أولاً هناك قوات هادي الوهميّة وكتائب سعودية إماراتية وعشرات الآلاف من باكستان والسودان ودول عربية متنوعة ترسل مرتزقة منها بالأجرة ومعهم آلاف من شركات أميركية وبريطانية متخصصة تتلقى أجراً بالساعة على الطريقة الغربية بلاك ووترز مثلا مع مستشارين بالمئات من الأميركيين والغربيين.

أما المستويان الجوي والبحري، فتتولى الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» وبريطانيا، تشديد الحصار على الحديدة وقطع كل أنواع المؤن الغذائية والمساعدات، وتنظيم غارات جوية مكثفة بأسراب من أسلحة الجو الغربية، والإسرائيلية المموّهة بأعلام السعودية والإمارات على اجنحتها للزوم التضليل.

بذلك يستطيع الرئيس الأميركي ترامب الزعم بأنه مقابل الطائرة الأميركية المسيرة التي اسقطتها إيران مؤخراً، يضرب موازين القوى بإنتاج سورية ضعيفة مقسمة ومشرذمة، ويمن قابل للاستسلام والهزيمة على المستوى السعودي المحيط فيصبح بوسع حكامه العودة إلى الميدان السوري المطرودين منه بعد انهيار حلفائهم من إرهابيي داعش والقاعدة.

والعودة إلى مقاتلة الدولة السورية من ناحية، والمشروع التركي المتكئ على الإخوان المسلمين من جهة ثانية.

فدولة «قسد» تستفز الأتراك وقد تؤسس لأربع دول كردية مستقلة، في كردستان والعراق وشرقي تركيا وشرقي سورية وإيران. وهذا مشروع أميركي خطير لتفتيت المنطقة بأسرها من بوابة تلبية المشاعر الكردية.

إن مثل هذا المخطط، لن يؤدي إلا إلى ابتزاز جديد للمال السعودي وأحلام الأكراد وجنون هادي وآل سعود وزايد. فمشروع قسد هي أرض مقفلة من دون سواحل وطرق برية أو جوية. وهذا حال كل مشاريع الدويلات الكردية في تركيا وسورية والعراق وإيران، أي دول غير قابلة للحياة. وهذا يؤكد أنها وسائل مؤقتة للنفوذ الأميركي يتخلى عنها عند وجود وسائل أقوى.

والأمر نفسه ينطبق على اليمن الذي استعمل المحور الأميركي ـ السعودي ـ الإماراتي كل آلياته ولم ينجح، فكيف ينجح اليوم؟ هذا بالإضافة إلى أن الهجوم على اي محور من حلف المقاومة من شأنه تفجير المنطقة بأسرها، وهذا يحوي رسالة علنية حذر فيها الرئيس الروسي بوتين الأميركيين من انهم يدفعون المنطقة إلى انفجار إقليمي كبير، فصدقوه قبل فوات الأوان.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد