آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

نحن في مرحلة انتقالية بين مشروعين: مشروع النظام الرسمي العربي ومشروع نهضة كبرى

 

د. عبد الحي زلوم

مما يبعث على الأسى أن وصل الأمر برموز النظام الرسمي العربي الذي أنشأه الاستعمار وبعد انكشاف المستور عنهم إلى صفاقة وتخبط فوصلوا إلى سن اليأس دون أن يمروا بسن البلوغ والنضوج، فتعلقوا بحبال الهواء من دون طائل وبدأوا التصرف بعصبية وبشكل مشين خصوصاً في مرحلة انتقالهم في تحالفهم مع العدو من حالة السر إلى العلن في ما يسمى بالتطبيع.

هل أتاك حديث دولة كانت تقود الأمة لِتقاد اليوم من دولة عدد سكانها نصف عدد سكان المقابر في عاصمتها؟ هل كنت تصدق انك ستعيش يوما لترى دولة عربية تنسق مع عدو الله والأمة لحصار مليوني لاجئ في سجن كبير اسمه غزة والتي تم احتلالها وهي تحت إدارته؟ هل ظننت انك ستسمع يوما مسؤولا عربيًا يقول أن لليهود الحق في إنشاء دولتهم على أرضهم في فلسطين؟ هل ظننت انك ستسمع دولة عربية تُسمي مقاومة الاحتلال إرهابا؟ مرحبا بك في نظام رسمي عربي يصارع سكرات الموت. هل كنت تصدق أن نفراً من الفلسطينيين أنفسهم نصّبهم هذا النظام الرسمي العربي في مؤتمر قمة الرباط سنة 1974 ممثلين وحيدين عن الشعب الفلسطيني ليصبح هؤلاء جزءا من النظام الرسمي ومتآمرا معه للاعتراف بشرعية الاحتلال ل78% من فلسطين مقابل ورقة يعترف الاحتلال بها بأنهم الممثلون الوحيدون للفلسطينيين ليشرعنوا سلسلة التنازلات بما فيها أوسلو وليصبحوا حماة للمحتل ومستوطنيه؟

بعد نكبة أوسلو الكبرى مباشرةً اعترفت أكثر من نصف دول العالم بما فيها الصين والهند بالكيان الصهيوني الذي لم تكن تعترف به ورأت بعض الأنظمة العربية أن تبدأ بالتطبيع العلني مع العدو بإعتبار أنهم ليسوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. (وممثلهم الشرعي الوحيد) والذي أعطوه (الوحدانية) ليصبح جزءاً من نظامهم الرسمي.

تتساقط مكونات النظام الرسمي العربي غير المأسوف عليه في وقت نجد أن ماردا اسمه المقاومة قد أفاق من غيبوبة ليقود تحولاً تاريخياً جذرياً متصاعداً ينمو ويترعرع في مقاومة نهضوية هي اليوم المشروع الحقيقي والوحيد والواعد في المنطقة.


من المفارقات أن الدول التي قامت بالاعتراف بالكيان المحتل لتحسين أحوالها الاقتصادية لأن الحروب قد انهكتها وقيل لها بأنها ستصبح جنة الله في أرضه بعد السلام مع العدو قد حصدت غير ما زرعت فتراكمت عليها الديون وانكمش اقتصادها وتم تهميشها بل وتكاد أن تصبح دولاً فاشلة. وسينضم المطبعين الجدد إلى قافلة الدول الفاشلة ضماناً لبقاءهم تحت الهيمنة الصهيونية تحت اسم التطبيع والسلام.

كان لبنان اضعف واصغر بلد في المشرق العربي. كان البلد منقسم بين الطوائف والمذاهب وكان مرتعاً للجواسيس والمخابرات وكازينوهات القمار ونوادي الليل. أو هكذا كانت صورته عند البعض. في عالم الطوائف كانت الشيعة هي الأقل حظاً في كل شيء. جاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان ومعه كانت بدايات حزب الله بداية ثمانيات القرن الماضي. في عمليات استشهادية قتل فيها ما يزيد عن 240 من مشاة البحرية الأمريكية قرب مطار بيروت قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من لبنان. بدأ هذا الحزب الصغير بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وخصوصاً في جنوب لبنان فدمر قيادة جيشه مخلفاً عشرات بل مئات القتلى. في الوقت الذي كان أبناء ديناصورات منظمة التحرير يعملون في (البزنس) كان أبناء قادة المقاومة اللبنانية يقاومون الاحتلال فقدم رئيس الحزب ابنه الفتى شهيداً. اشتدت المقاومة إلى أن أجبرت العدو المحتل إلى الانسحاب من لبنان في ليلة ظلماء دون قيد أو شرط تاركاً وراءه جيش عملاءه لمصيرهم. وبذلك كان هذا أول انسحاب دون قيد أو شرط. حاول الاحتلال وداعميه من الولايات المتحدة ووكلائهم اجتثاث هذه الظاهرة الخطرة عليهم من جذورها في تموز 2006 في أطول حرب في المنطقة حينئذٍ دامت 33 يوماً. وبهت الذي كفر! كيف يمكن لقوة لا تزيد عن بضعة آلاف أن تهزم أقوى جيش في المنطقة هزم 3 جيوش عربية في 6 ساعات؟ اعترف العدو قبل غيره بالهزيمة. حققت المقاومة في لبنان توازن ردع مع الدولة المحتلة والذي يقال أنه أقوى جيش في الشرق الأوسط واستطاعت تحقيق ما لم تستطيع جميع جيوش الدول العربية فرادى أو مجتمعين. طورت المقاومة نفسها بحيث أنها تهدد اليوم أن أي معركة قادمة سيتم احتلال شمال فلسطين وتدمير البنية التحتية للكيان المحتل. ويصدق العدو المحتل نفسه ذلك قبل غيره. بينت المقاومة كيف يمكن لقيادة حكيمة قوية الشكيمة تستطيع أن تحول الفئة الأكثر تهميشاً في مكونات المجتمع اللبناني إلى الرقم الصعب الذي يؤثر على كافة قرارات المنطقة الجيوسياسية. بالله عليكم ما رأيكم بمن يسمون هؤلاء إرهابيون؟

ماكنة إعلام الدول قيد السقوط بدأت تردح بأن قوة هذه الجماعة تأتي من خارج الحدود أي من إيران، بالله عليكم كيف يحكمون؟ هم يستمدون شرعيتهم كلها من وراء البحار، فما مشكلة التعاون مع من تتقاطع المصالح معهم؟ ففلسطين والقدس ليست للفلسطينيين فقط ولا للعرب فقط وإنما للمسلمين أيضاً وإيران منهم وأهلا وسهلا بكل من يريد أن يساعد في تحرير فلسطين.

نحن أمام فئتين: فئةً مؤمنة تقول أن تحرير فلسطين هو واجب شرعي، وفئة تقول أن لليهود حق في دولة على أرض فلسطين. والمشكلة اليوم بين هذين التيارين، واليوم هو يوم الفصل والاختيار مع هذا التيار أو ذاك.

وهناك ملحمة مقاومة أخرى في فلسطين. فبعدما شرعن مؤتمر القمة عرفات ومنظماته ممثلين وحيدين للشعب الفلسطيني أصبح هو ومنظمته جزءاً من النظام الرسمي العربي بكل ما لذلك وما عليه. فبدأت التنازلات والاعتراف بالاحتلال وحراسته أخر 25 سنة مما سمح باستيطان 600 ألف صهيوني في الضفة الغربية. لن يغفر الله ولا التاريخ لفئة تتجسس على شعبها وتنسق مع مخابرات أعداء شعبها فكيف لأحد أن يصدق أن هذه الفئة قد شربت حليب السباع وقالت لا لكونشر وهي لا تستطيع أن تتحرك من قرية إلى قرية من دون إذن من إحدى مجندات جيش الاحتلال؟ لكن في المقابل برزت ثورة اسموها انتفاضة خوفاً من كلمة الثورة و هي من اكبر واشرف الثورات. تلك هي ثورة الحجارة التي استمرت أكثر من خمس سنوات في غزة والضفة الغربية والتي لم يستطع جيش الاحتلال وكل مؤسساته الأمنية من إخمادها إلا بواسطة أبطال أوسلو الذي كان إخماد هذه الثورة أول ثمار التنسيق الأمني مع العدو.

لكن بقيت فئة قليلة مؤمنة في غزة تؤمن بالمقاومة. عندما حاول حراس الاحتلال اجتثاثها من غزة هزمتهم واستمرت في تطوير مقاومتها وعملت المعجزات وهي محاصرة في سجن كبير يحاصره الأشقاء الالداء قبل الأعداء. ويمنعون عنه الغذاء والماء والهواء والكهرباء وبالرغم من ذلك حققت المقاومة ثاني انسحاب لدولة الاحتلال دون قيد أو شرط وتمنى رؤساء كيان الاحتلال لو أن الله يغرق غزة في البحر. وهذا انجاز لم تستطع أي دولة عربية احتلت أراضيها من تحقيقه عدا المقاومة في لبنان. صمدت المقاومة ضد أول هجمة كبرى لجيش الاحتلال بعد أكثر من ثلاثين يومٍ. ثم صمدت ثانية أكثر من خمسين يوم في الهجمة الكبرى الثانية من جيش الاحتلال استعمل خلالها كل ما في جعبته من أسلحة محرمة وغير المحرمة و كان مجموع ما استعمل من الذخائر اكثر مما استعمل في حرب الأيام أو الساعات الستة ضد ثلاثة جيوش عربية. وصمد أهل غزة ومقاومتها أكثر من خمسين يوم. وبالرغم من كل المعوقات و محاصرتهم فقد صنعوا واستطاعوا أن يطوروا أسلحة ردع تستطيع أن تصيب قلب العدو في مقتل. احد هذه الصواريخ محلية الصنع هدمت بناية من خمس طوابق في ما بعد تل أبيب. وهكذا حققت هذه الفئة المؤمنة بالله وقضيتها توازن ردع بينها وبين العدو.

في لغة الفتن المذهبية فهذه المقاومة هي من السنة وفي لغة الفتن المذهبية فالمقاومة اللبنانية هي من الشيعة إلا أن المقاومة الفلسطينية تستمد الدعم المادي والمعنوي والعسكري من إيران والمقاومة اللبنانية. أما بعض الساسة (السنة) فقد تذكروا أنهم سُنة وهم يحتسون الويسكي والسيجار الكوبي في أفواههم.

أي رسم بياني سيبين أن مشروع النظام الرسمي العربي في انحدار وأن المشروع النهضوي بقيادة المقاومة هو في صعود.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/07/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد