آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسن حردان
عن الكاتب :
صحافي لبناني

الانتفاضة الشعبية العفوية... لبلورة المطالب والابتعاد عن السلبية

 

حسن حردان 

من الواضح أنّ الناس لا تثق بأنّ الحكومة ستنفذ الورقة الاقتصادية التي أقرّتها تحت ضغط الشارع بانتفاضته الشعبية العفوية… فالتجربة مع السلطة السياسية لا توحي بالثقة… والمنتفضين لديهم قناعة بأنّ السلطة غير جدية في تنفيذ ما أقرّته.. وانها تريد احتواء غضب الشارع وامتصاص نقمة الناس، وسرعان ما ستعود إلى سياسة المماطلة والتسويف.

وهذا يعني انّ الحكومة مطالبة بإثبات جدّيتها في تنفيذ ما وعدت فيه من خلال أولاً إعادة النظر في الواقع الحكومي كما قال الرئيس ميشال عون، وتحوّلها إلى خلية أزمة تعقد اجتماعات مفتوحة لترجمة قراراتها عملياً بحيث يلمسها المنتفضون وتنعكس على الوضعين المالي والاقتصادي إيجاباً واستطراداً على الواقع الاجتماعي والمعيشي.. ولا شك أنّ من الأمور المهمة التي تقنع الناس بجدية الحكومة ان يتمّ إقرار سريع لقوانين مكافحة الفساد واسترداد أموال الدولة المنهوبة وبدء القضاء بالتحقيق الجدي في ملفات الفساد المالي التي قدّمت اليه واستدعاء المتهمين فيها وتوقيف من يثبت ضلوعه في سرقة المال العام أو عقد صفقات مشبوهة وفي طليعة الملفات التي تؤكد الجدية ملف إنفاق الـ 11 مليار دولار بطريقة غير قانونية في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة..

في المقابل فإنّ المنتفضين في الساحات العامة مدعوون الى تنظيم أنفسهم وبلورة مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية التي تقطع الطريق على الأطراف والجهات التي تسعى الى محاولة استغلال الحراك الشعبي العفوي في اتجاهات سياسية تخدم أجنداتها في محاولة تحميل مسؤولية الأزمة، المتراكمة منذ 30 عاماً، إلى العهد والمقاومة.. في حين يعرف الجميع أنّ المسؤولية إنما تقع على الحكومات الحريرية التي طبّقت السياسات النيوليبرالية الريعية منذ عام 1992 وحتى اليوم والتي أدّت إلى تدمير الإنتاج الوطني وإغراق البلاد بالدين الذي ناهز 90 مليار دولار، وإشاعة الفساد، وفرض الضرائب غير المباشرة التي تسبّبت في زيادة الأسعار وإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين.. إنّ بلورة لائحة المطالب المحقة أمر مهمّ، ويجب أن تركز على تغيير السياسات الاقتصادية المالية والاجتماعية المسبّبة للأزمة.. وبالتالي إسقاط الشعارات السياسية التي لا علاقة للحراك الشعبي بها.. وتقف وراءها قوى سياسية كانت في السلطة او بعضها وضع رجل في السلطة وأخرى في المعارضة وهي شعارات باتت واضحة في تصويبها المباشر على الرئيس عون وحزب الله.. في حين انّ هذه الأطراف كانت شريكة في حكومات الحريرية وبالتالي سياساتها التي أنتجت الأزمات المالية والاقتصادية والخدماتية.. وإلى جانب هذه القوى السياسية القوات والحزب التقدمي والكتائب هناك بعض المجموعات المدعومة من السفارة الأميركية.. وبعض وسائل الإعلام التي تحوّلت إلى محرّض على رفض ايّ حلول للأزمة كما تحرّض المنتفضين على إقفال الطرقات لتعطيل وشلّ البلاد.. في سياق حملة مدروسة وممنهجة للنيل من العهد بشكل مباشر باعتباره يقف الي جانب المقاومة ورفض الإملاءات الأميركية ويدعو الى إعادة الاتصالات مع الدولة الوطنية السورية لتأمين تسهيلات لتصدير الإنتاج الزراعي والصناعي اللبناني إلى العراق والدول العربية الأخرى، وعودة النازحين السوريين اليى سورية..

انّ البقاء في الساحات لضمان تنفيذ المطالب الشعبية أمر مطلوب وضروري ويجب أن يستمرّ.. لكن ذلك يجب أن يقترن بالابتعاد عن السلبية والامتناع عن قطع الطرقات لأنه يلحق الضرر بالمواطنين الذاهبين الي أعمالهم وحركة الاقتصاد ويؤدّي إلى تفاقم الأزمة.. كما يجب إدراك انّ الانتفاضة العفوية تفتقد للقيادة والبرنامج.. وفي ظلّ غياب ذلك وصعوبة تحقيقه بسبب وجود أطراف وقوى عديدة متناقضة في أهدافها.. فإنّ الحريصين على مصالح الناس وتحقيق مطالبها عليهم ترشيد المنتفضين وتنبيههم الى مخاطر الذهاب إلى الفوضى والفراغ في حال استقالت الحكومة من دون أن يكون هناك قدرة على تشكيل حكومة بالسرعة المطلوبة تنفذ برنامج الانتفاضة للخروج من الأزمة.. ولهذا فإنّ الخيار الواقعي إنما يستدعي ان يستمرّ الحراك الشعبي لمواصلة الضغط على السلطة لتنفيذ المطالب الشعبية والتجاوب مع دعوة رئيس الجمهورية للحوار معه لتنفيذ هذه المطالب طالما انه أبدى الاستعداد للتعاون مع المنتفضين للضغط لفرض تسريع إقرار تطبيق قوانين مكافحة الفساد واسترداد أموال الدولة المنهوبة.. وغيرها من المسائل الملحة.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/10/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد