آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

السيسي يبدأ بتطبيق صفقة القرن!

 

د. وفيق إبراهيم

يشكل قطاع غزة الفلسطيني مركز القوة الرافض لمشاريع إنهاء القضية الفلسطينية بشكليها الأميركي المتفق عليه بين الرئيسين الأميركي ترامب والإسرائيلي نتنياهو أو الأوروبية قيد الإعداد حالياً.
وهذا أمر واضح من التردد والتلعثم اللذين يحكمان مواقف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة علماً أن مشروع صفقة القرن الأوروبية المعدلة يتم بالتوافق بين الاتحاد الأوروبي ومصر والاردن والسلطة الفلسطينية.
بناء عليه يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن بناء جدار يعزل قطاع غزة بالكامل عن مصر بذريعة مكافحة تسلل الإرهابيين نحو سيناء.
وهذا معناه التضييق على غزة الى مرحلة الخنق وذلك لحصرها ضمن دائرة القرار المصري الباحث عن تطوير صفقة القرن الترامبية نحو «صفقة قرن أوروبية».
هناك بالطبع فارق بين الصفقتين بما يمنح الفلسطينيين بعض الإضافات المعنوية شكلاً والبائسة مضموناً وهذا يتطلب تهيئة «غزة» للإذعان للمشروع الجديد، فكان الحصار المصري السريع ببناء جدار يضيف الى صعوبات القطاع أبعاداً دراماتيكية جديدة، فحدود غزة مقفلة من جهة الكيان المحتل إلا للعمليات النوعية التي ينفذها مجاهدوها في بعض الأحيان او لصواريخها وقذائفها التي تخترق أجواء القطاع لترعب تل أبيب والمناطق المحتلة المجاورة، بذلك يكون حصار «خنق غزة» كاملاً من الجهتين المصرية الشقيقة والإسرائيلية المعادية الى جانب الضغوط المنهمرة من السلطة الفلسطينية التي تمتلك ادوات ضغط سياسية داخل القطاع وعرب الخليج الذين يمارسون ضغوطهم السياسية والاقتصادية من خلال جامعة الدول العربية والدعم الاقتصادي المتجه الى الانحسار في وقت قريب بسبب إيعاز أميركي لامارة قطر بتخفيف الدعم للقطاع تمهيداً لقطعه في حالة استمرار غزة في رفض صفقات القرن المعدلة.
هناك اذاً مباحثات لتعديل أوروبي لصفقة ترامب – نتنياهو يجري تأمين الظروف المناسبة لتمريرها بأساليب متنوعة، الجدار المصري وتخفيف الدعم الخليجي للقطاع، وتأييد السلطة الفلسطينية للصفقة الأوروبية وتعويمها وتمريرها إعلامياً على اساس انها انتصار على صفقة ترامب نتنياهو.
كيف يحضر الحلف الجديد الأوروبي المصري الأردني مع «الفهلوي» محمود عباس صفقة القرن الجديدة؟
هناك اتجاه للاعتراف بفلسطينية الاغوار مع امكانية تأجيرها لـ»إسرائيل» مدة «دهرية» طويلة من الزمن، وكذلك بالنسبة للمستوطنات الاسرائيلية في الضفة التي تبقى تحت ما يسمّى السيادة الفلسطينية نظرياً انما مع منحها حق «الإدارة الذاتية» و»الاتصال الحرّ» برياً بالكيان المحتل.
لجهة القدس فيجري وضع كامل الاماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود تحت ادارة فلسطينية – اسرائيلية مشتركة مع اقتطاع أجزاء من القدس الشرقية لربطها ببعض الأرياف لتشكل عاصمة لفلسطين.
على مستوى حق العودة فيمكن لمن لا يزال على قيد الحياة من نازحي 1948 العودة الى الضفة وغزة او الذين وُلدوا في أماكن النزوح فتوطينهم ممكنٌ في صحراء الأنبار العراقية وبعض انحاء لبنان والاردن وسيناء مقابل تعويضات لهذه الدول. كما يتجه الأوروبيون الى تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على نظام «تبادل أراضٍ» في الضفة وغزة للمزيد من تأمين فرص لنجاح دائم لصفقة القرن الأوروبية.
متى يبدأ الأوروبيون بالإعلان عن صفقتهم بمشاركة العاهل الاردني ومحمود عباس وبطل «الرز» عبد الفتاح السيسي؟
ينتظرون موعدين اثنين: الاول هو اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الاول من آذار المقبل، والثاني ترقب نتائج الانتخابات الإسرائيلية في الثاني من الشهر نفسه، وبما أن القيادة الناتجة عن هذه الانتخابات تحتاج الى بضعة أشهر حتى تستطيع التعامل مع قرارات بهذا المستوى، فالمرجّح ان ينتظر الاوروبيون حتى مطلع الصيف المقبل لعرض صفقة قرنهم الملوّثة باستسلام السيسي ومحمود عباس وعبد الله الأردني الساعي الى أي شكل لدولة فلسطينية تمنع عن كيانه خطر الفلسطينيين، كما يزعم.
بانتظار هذه المواعيد يضع الأوروبيون مشروع اتصالات بالروس والصينيين وبعض الدول الإسلامية لكسب تأييدهم. بما يشكل دعماً كبيراً لصفقة قرونهم.
يتبين أن الفارق بين المشروعين الأميركي والاوروبي ليس نوعياً لأنه يحتفظ لـ»اسرائيل» بنفوذها في الضفة الغربية والأغوار ويعفيها من تطبيق حق العودة لملايين الفلسطينيين، سامحاً لها وبسرعة هائلة تحقيق حلمها التاريخي بتشكيل حلف إسرائيلي عربي يفتح لها أسواق العرب المستهلكة لكل شيء، ومعززاً تأسيس جبهة عربية اسرائيلية برعاية أميركية معادية لإيران ومانعة للتمركز الروسي والتمدّد الصيني في الشرق الاوسط.
هذا هو الجانب النظري من المشروع الجديد. لكن دون تحقيقه عقبات كبيرة وأولها نجاح الجيش العربي السوري في التقدّم لتحرير إدلب مستكملاً التحرير الكامل لحلب، مع استعداده لخوض معارك شرقي الفرات.
وكلما ازدادت قوة سورية تزداد حصانة القضية الفلسطينية.

وهذا معطى تؤيده تراكمات التاريخ في السبعين سنة الفائتة، كما أن عودة العراق الى عافيته عامل قوة إضافية في وجه تمرير صفقة القرن هذا الى جانب الدور البنيوي المجاهد والكبير لحزب الله الذي لا يعتبر نفسه مجرد حليف للفلسطينيين. بل يعتبر دوره جزءاً مركزياً من قضية تحرير المنطقة من النفوذ الأميركي الإسرائيلي وعلى رأسها فلسطين.
هذا الى جانب إيران الملتزمة قضية فلسطين والتي تحولت بصمودها دولة إقليمية وازنة تسد حالة الانحطاط العربية مع التذكير بأن روسيا والصين لن تقبلا بصفقة قرن من أي جهة أتت إلا إذا التزمت بحل الدولتين على اساس القرارات الأممية.
فلسطين الى اين؟ يخسر السيسي جداره وأميركا قرونها وأوروبا تحايلاتها، ولا يبقى إلا مجاهدو غزة والمتمردون على محمود عباس في الضفة الغربية، يصنعون تاريخاً مجيداً لفلسطين عربية محررة بالكامل.
جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/02/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد