آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

في مقابل «رياح السماء» الصهيونية هل تهبّ «رياح الأرض العربية»؟

 

عصام نعمان

بعدما أحسّ أن إدارة ترامب جادة في منح الضوء الأخضر لحكومة الاحتلال الصهيونية، بضمّ غور الأردن، وأجزاء أخرى من الضفة الغربية الفلسطينية ، أعلن محمود عباس أن «القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير أصبحتا في حِلٍّ من الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الاتفاقات الأمنية»، معتبراً أن «ضم أجزاء من أراضي فلسطين من قبل حكومة الاحتلال إلغاء لاتفاق أوسلو».
وسائل الإعلام الإسرائيلية القريبة من حكومة الاحتلال، اعتبرت تصريح عباس خطوة رمزية موجّهة إلى نائب رئيس الحكومة بيني غانتس، مرادها أنه من المجدي له الدخول في مفاوضات مع عباس عندما يصل إلى رئاسة الحكومة بعد 18 شهراً. لماذا؟ لأن إعلان عباس مجرد تعبير إعلامي ولا نية لديه للانسحاب من اتفاقات أوسلو، لكون الانسحاب منها يؤدي إلى حل السلطة الفلسطينية.
كل الفصائل الفلسطينية رحّبت بإعلان عباس، ودعت إلى تصعيد المواجهة ضد العدو الصهيوني. خلافاً لوسائل الإعلام ، بدت القيادة العسكرية الإسرائيلية أكثر حذراً وتحوّطاً، لما يمكن أن يتولّد عن الرفض الحاسم لفصائل المقاومة ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية لدولة العدو. فقد كشف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيجاي أدرعي عن خطة «رياح السماء» لتدريب قواته البرية على سيناريوهات الحرب في المنطقة الشمالية على جبهتي سوريا ولبنان. ماذا يمكن أن تفعل فصائل المقاومة الفلسطينية؟ وكيف يمكن أن تكون مشاركة قوى المقاومة العربية؟
نائب رئيس المكتب السياسي لـِ»حماس» صالح العاروري قال لقناة «الميادين»، إنه لا يستبعد أن تنفجر انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. هذا الاحتمال وارد لدى القيادة الإسرائيلية، لكن تحسّبها الأكثر دلالة إنما ينصّب على جبهتي سوريا ولبنان.. لماذا؟ لأن «إسرائيل» تُدرك أن صراع الإرادات بينها وبين قوى المقاومة العربية يتركّز، بالدرجة الأولى، على جبهتي لبنان سوريا. فعلى جبهة لبنان تتمركز قوة مقاومة فاعلة وذات خبرة قتالية طويلة، وترعاها قيادة متمرسة وذات أفق استراتيجي مديد، وسبق لها أن دعت إلى ضرورة توحيد جبهات المقاومة ضد «إسرائيل». هل تتجاوب فصائل المقاومة الفلسطينية، ولاسيما «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، مع رؤية السيد حسن نصر الله إلى أفق الصراع مع العدو؟
الحقيقة أن الجواب عن هذا السؤال لا يتوقف على ما تعتزم فصائل المقاومة الفلسطينية القيام به في المدى القريب، بل على رؤية جميع أطراف محور المقاومة إلى مستقبل الصراع مع العدو، على جميع المستويات. في هذا المنظور، تقتضي الإحاطة، ولو باقتضاب، بأولويات كلٍّ من أطراف محور المقاومة في المرحلة الراهنة:
*المقاومة الفلسطينية عموماً منشغلة بمواجهة «إسرائيل» في جبهات متعددة، أهمها جبهة قطاع غزة. بعد اندلاع وباء كورونا وتأليف الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، باتت المقاومة مدعوة إلى ابتداع نهج متطور، وأكثر فعالية في مواجهة العدو. فهل تراها جادة في هذا السبيل؟ وهل تراها تضغط على سائر أطراف محور المقاومة لانتهاج استراتيجية متكاملة ضد الهجوم الصهيوامريكي في هذه المرحلة؟

«إسرائيل» تُدرك أن صراع الإرادات بينها وبين قوى المقاومة العربية يتركّز، بالدرجة الأولى على جبهتي لبنان سوريا

*المقاومة السورية ـ ومحورها الجيش العربي السوري ــ ما زالت منشغلة بعملية استكمال دحر التنظيمات الإرهابية العاملة في خدمة امريكا وتركيا في شمال غرب البلاد (إدلب) وشمال شرقها (مناطق شرق الفرات). هل تراها تولي تنظيمات المقاومة الناشطة في جنوب البلاد، وأهمها حزب الله اللبناني المدعوم عن بُعد بالحرس الثوري الإيراني، الأهمية والدعم المستحقين؟
*المقاومة العراقية منشغلة مجدداً بعملية تنظيف البلاد من جيوب تنظيم «داعش» الذي عاد إلى الترهيب والتخريب، بدعم لوجستي ملحوظ من الولايات المتحدة، فهل تراها تستطيع الانخراط في مجهود قتالي متطور لطرد القوات الأمريكية من بلاد الرافدين، والإسهام تالياً في مجهود قتالي ضد الهجوم الصهيوأمريكي في أنحاء اخرى من بلاد الشام؟
*إيران منشغلة بمواجهة الولايات المتحدة على مستويات ثلاثة: محلي وإقليمي ودولي، وتُبدي في هذه المجالات تصميماً وفعالية. لكن هل تراها مستعدة، في هذه الآونة، لتوظيف قدرات ومشاركات أكبر وأفعل في استراتيجية مواجهة، مباشرةً ومداورةً، ضد الهجوم الصهيوامريكي في منطقة غرب آسيا عموماً، وفي بلدان المشرق العربي خصوصاً؟
المقاومة اللبنانية هي الأكثر سيطرةً على ظروفها السياسية والاجتماعية بين سائر المقاومات العربية والإسلامية، ومع ذلك فهي مدعوة إلى وزن خياراتها في المرحلة الراهنة، ولاسيما في ما يتعلق بتوقيت وحجم مشاركتها المدنية والميدانية في الاستراتيجية المتكاملة، وفي المواجهة المتوخاة ضد الهجوم الصهيوامريكي.
في ضوء الواقعات والمتطلّبات سالفة الذكر، يمكن استخلاص ثلاث توصيات وازنة :

أولاها، إن الهجوم الصهيوأمريكي مستمر ومتصاعد في جميع أنحاء غرب آسيا، ولاسيما في فلسطين، وإن المتضررين منه مدعوون إلى المبادرة لمواجهته باستراتيجية متكاملة وتوحيد الجبهات ضده بلا إبطاء.
ثانيتها، إن المقاومة الفلسطينية بشتى فصائلها مدعوة إلى الاتحاد واجتراح انتفاضة مدنية وميدانية تشمل جميع الأراضي الفلسطينية، بما فيها المناطق العربية داخل الكيان الصهيوني، بغية مشاغلة العدو على جميع الجبهات واكراهه على توزيع قواته، ما يؤدي إلى إرهاقها من جهة، ومن جهة أخرى إلى إبقاء قضية فلسطين حيّة في قلوب الفلسطينيين، كما في قلوب أنصارها في عالم العرب وعالم الإسلام والعالم الأوسع.
ثالثتها، إن جميع أطراف محور المقاومة مدعوة إلى اجتراح استراتيجية متكاملة لمواجهة الهجوم الصهيوأمريكي ووضعها موضع التنفيذ على مستوى بلدان غرب آسيا كلها.
المقاومة المستمرة هي الجواب، دائماً وأبداً، وفي مقابل «رياح السماء» الصهيونية يجب أن تهبّ «رياح الأرض» العربية…

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2020/05/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد