التقارير

الإنفاق الباذخ على الخارج: #المملكة أولى بالتنمية.. وفقراؤها أجدر بالدعم!

 

قد لا يشكك أحد في ما يشاع عن "الغنى المادي" للمملكة السعودية والمواطنين فيها، لكن قد يناقش البعض عند طرح فكرة وجود "فقر" في المملكة، باعتبار أن لدى المملكة العديد من مصادر تدرّ الأموال الطائلة التي لا تبدأ بالثروة النفطية ولا تتوقف عن تنظيم مواسم "الحج" و"العمرة"، إلا أن وجود أناس فقراء وبأعداد كبيرة أيضا هو أمر واقع في بلاد النفط والمال رغم أن الصورة الأولى التي تترأى للناس أن "السعوديين" لديهم من المال ما يجعلهم في مرحلة الترف والبذخ.

 

والفقر هذا تحدثت عنه السلطات في المملكة منذ عدة سنوات، حتى أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد في العام 2002 حاول مقاربة الموضوع على طريقته فسجلت له زيارات لبعض الاحياء الفقيرة في العاصمة الرياض، كما ترصد في موازنات الحكومات مبالغ لمكافحة الفقر في المملكة، إلا أن السلطات المعنية ما تزال تمتنع عن نشر أرقام أو إحصاءات دقيقة حول أعداد المواطنين الذي يعيشون تحت خط الفقر أو أولئك الذين يعتبرون بحال معيشية جيدة أو ميسورة أو حتى أرقام محددة للاثرياء في المملكة ممن يوصفون بـ"الغنى الفاحش".

 

وفيما تتضارب الأخبار حول الفقر ومدى انتشاره داخل المملكة بالإضافة إلى عدم معرفة العدد الحقيقي لأعداد الفقراء ونسبتها، عاد الحديث اليوم عن هذا الموضوع بالتزامن مع الزيارة الأخيرة للملك سلمان إلى مصر حيث تم توقيع 17 اتفاقية تهدف إلى زيادة الاستثمارات السعودية في مصر وبالأخص في شبه جزيرة سيناء بالإضافة إلى بناء الجسر البري المسمى باسم "الملك سلمان" بهدف تنمية المنطقة في سيناء بمليارات الدولارات، مع أن البعض قد يعتبر أن أهل الدار أولى بأموال التنمية في سيناء وفقراء المملكة أولى في الحصول على الانماء من مناطق في بلدان أخرى لأسباب في نفوس الداعمين، فلماذا اليوم تقدم كل هذه الأموال للجار المصري قبل الفقير أو المحتاج في المملكة؟

 

والحديث عن الفقر في السعودية يدفع للسؤال عن الأسباب التي أوصلت إليه، وهل هناك عمل جدي لرفعها وإزالتها؟ فهل فرص العمل موجودة ومتاحة لجميع الناس في المملكة؟ وهل الاستثمارات والتنمية المتوازنة تشمل كل مناطق المملكة أو أن هناك تفاوت بين منطقة وآخرى وبين قطاع وآخر؟ وماذا عن الخدمات اليومية الاخرى للمواطنين من مياه وكهرباء وطرقات وتعليم في كل درجاته واستشفاء وضمان اجتماعي وتقاعد لكبار السن وغيرها مما يفتح الباب على كثير من التساؤلات؟ وهل للفساد وجود في السعودية؟ وهل هذا الفساد يساهم في إيجاد الفقر واتساع رقعته في المجتمع السعودي؟

 

وهذه الاستفسارات تعتبر بديهية عندما نرى أن السعودية وهي من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط، جاءت في العام 2015 في المركز الـ48 على "المؤشر العالمي للفساد" الذي تعده "منظمة الشفافية الدولية المتخصصة بمراقبة الفساد العالمي"، والذي يعتمد على معايير لتصنيف الدول، ومن هذه المعايير: آليات المحاسبة والمساءلة والافتقار إلى الضوابط الرقابية في المؤسسات العامة وعدم معاقبة الفاسدين وانتشار الرشوة ومدى انفتاح الحكومات وعدم تلبية احتياجات المواطنين كليا أو جزئيا، فهذا الكم الهائل في الفساد المتفشي أقله في القطاع العام سينتج حتما الكثير من حالات الفقر، ناهيك عن تركز الثروات بأيدي نسبة ضيئلة من الناس حتى باتوا يصنفون بأنهم من أغنى أغنياء العالم، بحيث يجوز في المملكة الاستشهاد بالقول المأثور "ما جاع فقر إلا بما متع به غني".

 

وحول كل ذلك أشار الباحث السعودي سعد الشريف في حديث لصحيفة "خبير" الاكترونية إلى أن"في المملكة السعودية أحزمة من الفقر المدقع والمناطق محرومة بالكامل بل أن بعض مناطق المملكة تعيش حياة بدائية بالكامل"، ولفت إلى أن "مناطق الحرمان تتركز في المناطق الجنوبية والمسماة بمنطقة عسير".

 

وعن أسباب الفقر المنتشر في بعض مناطق المملكة، أعتبر الشريف أن "من الأسباب الكامنة وراء انتشار مظاهر الفقر والحرمان في المملكة عديدة هي سياسة التمييز المناطقي والقبلي والطائفي التي تنتهجها السلطة الحاكمة في المملكة"، وأوضح أن "هذه السلطة تقدم الدعم الاقتصادي والتنموي على أساس مناطقي وقبلي وعائلي  وليس على أساس المواطنة في المملكة"، وتابع "لذلك نرى أن بعض العوائل لها مكانة مرموقة ووجاهة نتيجة لتقاربها من العائلة الحاكمة"، وأشار إلى أنه "مما يحكم التنمية والدعم لدى السلطة الحاكمة هو سياسة التمييز الطائفي"، وأكد أن "بعض المذاهب والطوائف أو الطرائق الصوفية يجري بحقهم سياسة تمييز طائفي من ناحية الوظائف والمناصب العليا والتنمية الاقتصادية في المملكة".

 

وحمّل الشريف السلطات الحاكمة في المملكة مسؤولية عدم وجود تنمية مستدامة أو متوازنة، وجزم "بوجود تقصير من السلطات المعنية من ناحية التخطيط والتنفيذ لبرامج التنمية والإنماء بشكل عادل ومتساوٍ في جميع مناطق المملكة"، ورأى أن "كل ما يقال عن التنمية المستدامة هو شعارات لا يسمع بها المواطن ولا يراها إلا في صفحات الجرائد الرسمية"، وأكد أن "التقصير واضح وفاضح بالنسبة للمواطنين"، ولفت إلى أن "من يلقي نظرة سريعة على خارطة التنمية الجغرافية سيرى حجم تنمية المركز في بعض المدن على حساب الأطراف أو تنمية بعض الأطراف على حساب بقية الأطراف المهمشة"، ونبه من أن "هذا يخلق فجوة عميقة في مستوى التنمية بين المناطق لأن الاستمرار بهذا النسق سيجعل مناطق بأكملها وكأنها خارج سياق التاريخ بينما تتنعم مناطق أخرى بآخر صيحات النماء والإعمار".

 

وفيما يتعلق بالخدمات الأساسية للمواطن في المملكة كباقي دول العالم المتحضر، قال الشريف في حديثه لـ"خبير" إن "موضوع خدمات البنية التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي أخذ حيزا كبيرا من ناحية التداول في الصحافة والإعلام وتكثف بشكل يومي خلال الشهر الماضي"، وتابع "هذا كله بسبب السخط الذي انتاب المواطنين جراء رفع أسعار الخدمات الأساسية وخصوصاً فواتير المياه والتي ارتفعت أسعارها لدرجة غير مسبوقة".

 

ولفت الشريف إلى أن الخدمات في السعودية تعاني من مشاكل كبيرة، وأشار إلى أن "التعليم وإن كان مجانيا في جميع مراحله إلا أن وزارة التعليم دائما ما تعاني من سوء إدارة وتخطيط وهذا يتضح بشكل واضح من خلال عمليات تغيير وزراء التعليم من قبل الحكومة"، وأضاف "أما الطرقات فحالها ينكشف مع هطول زخات المطر الخفيف إذ ينكشف معها هشاشة شبكات الطرق ومستوى ترهل البنية التحتية فيها"، وشرح كيف أن "الضمان الإجتماعي أو مصلحة التقاعد تصرف للمواطن حد الكفاف فقط"، وأكد أن "مستوى مخصصات التقاعد أو ما يسمى براتب التقاعد فهو كراتب الموظف غير كاف على الاطلاق".

 

أما عن فرص العمل ومستويات البطالة في بلد يعتبر من أكثر بلدان المنطقة التي تستورد اليد العاملة فيي مختلف المجالات، فقد أوضح الشريف أن نسبة البطالة مرتفعة جدا فهي "تشكل ٣٠٪ بين الشباب وأكثر من ٦٥٪ بين النساء"، وأسف "لارتفاع نسب البطالة رغم ما تعلنه الحكومة من برامج يبدو لم تساهم في تقليل البطالة في المملكة بل ساعدت على إعادة تشكيلها بشكل مقنع وعن طريق إلتفافات وتجاوزات مشرعنة لتكريس البطالة في المملكة".

 

هذا الواقع الصعب لكثير من فئات المجتمع في المملكة وللعديد من مناطقها قد يشكل نقطة تساؤل حول مدى قبول تقديم الكثير من الدعم للخارج عبر هبات أو استثمارات وتحت مسميات عديدة وكان آخرها توقيع اتفاقيات لتنمية شبه جزيرة سيناء في مصر، وعن ذلك أوضح الباحث الشريف أن  "المواطنين في المملكة يشعرون بالغبن اتجاه سياسة الإنفاق الباذخ على الخارج"، وأضاف "لا يجد المواطنين مبررا لهذه الهبات المالية الضخمة لبعض الدول العربية بينما يرزح الآلاف تحت سطوة الديون والدخل المحدود"، وتابع "كذلك يتعزز هذا الشعور عند المواطن عندما يتساءل لماذا ندفع فاتورة باهظة الثمن لمشاريع وحروب لا ناقة لنا فيها ولاجمل؟".

أضيف بتاريخ :2016/04/17