د. سعيد الشهابي

  • القمع السلطوي لا يلغي حركات الإصلاح

    تزداد قضية المرحوم جمال خاشقجي تعقيدا بمرور الوقت، ليس بسبب الاختلاف على ما جرى بل لمدلولاتها الأوسع خصوصا في ما يتعلق بقوى المعارضة العربية. وخلال الأسبوعين اللذين أعقبا الجريمة النكراء اتضحت أمور عديدة: أولها جنوح كافة القوى المعنية نحو التهدئة. ومن ذلك إعلان الولايات المتحدة أنها لن تضحي بمصالحها الاقتصادية مع السعودية بسبب هذه القضية، وإعلان تركيا قبولها مقترحا سعوديا بتشكيل مجموعة عمل مشتركة للتحقيق فيها، وعجز المجتمع الدولي عن الاتفاق على موقف جاد للتعاطي مع جريمة ارتكبت تحت غطاء الدبلوماسية المزعومة. كما اتضح أن تفصيلات الجريمة عرفت منذ حدوثها لدى الجهات الاستخباراتية خصوصا التركية، ولذلك فثمة استغراب من الموقف التركي المتردد طوال هذه الفترة، برغم انتهاك السيادة التركية بشكل صارخ. فلم يستدع السفير التركي لدى الرياض، ولم تكشف تفصيلات الجريمة بشكل يضع حدا للتكهنات. وليس مستبعدا أن تكون هناك ضغوط غربية بعدم الاستعجال بإعلان ذلك والاستفادة من عامل الزمن لتهميش القضية وتحجيم دورها في تأجيج الرأي العام والبحث عن طريقة إخراج بعيدة عن الإثارة تساهم في التوصل إلى توافق مع السعودية وغلق الملف تدريجيا.

  • لغز خاشقجي أم أزمة خاطفيه؟

    أين جمال خاشقجي؟ ما توفر معلومات يشير إلى أن سيناريو «المهدي بن بركة» قد تكرر معه حلقة حلقة. سيظل هذا التساؤل يتردد على الألسن لفترة قد تمتد عقودا، وقد تقصر فيما لو انتهى لغز اختفائه، وأن كان الأرجح أنه رحل إلى ربه مظلوما. فما تزال التساؤلات تتردد عن ما حدث لمعارض سعودي آخر قبل أربعين عاما، يقال أن منظمة التحرير الفلسطينية سلمته للسلطات السعودية فاختفى أثره حتى اليوم. ومع أن استهداف المعارضين ممارسة تقوم بها الأنظمة القمعية عادة، إلا أن اختفاء المعارضين أما خطفا أو سجنا يبقى مثارا للتساؤلات والجدل، بينما تتلاشى عادة أنباء من يتعرضون للقتل تعذيبا أو اغتيالا أو إعداما.

  • حين يستبدل حكم القانون بالانتقام

    الضربات الأمنية التي وجهت للحركات السياسية المعارضة خصوصا الإسلامية منها بعد الربيع العربي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر من حيث القسوة والشمول والإصرار. وما يزيدها إيلاما هذه المرة عدد من الأمور: أولها تراجع دور العمل الدولي المشترك في مجال حقوق الإنسان وترويج المشروع الديمقراطي، ثانيها: نزوع أمريكا نحو سياسة الانعزال والتفرد، بالإضافة لردود فعلها بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر التي دفعتها للتراخي هي الأخرى في تلك المجالات وتهميش موقع حقوق الإنسان في سياساتها. ثالثها: تبلور تحالف إقليمي يضم السعودية والإمارات ومصر و«إسرائيل» ويدعمه التحالف الأنكلو ـ أمريكي يتصدى لكافة الظواهر المقلقة للغرب خصوصا التيارات الإسلامية المعتدلة والديمقراطية. رابعا: تزامن ذلك كله مع التراجع الاقتصادي الغربي والمشروع الرأسمالي الذي أصيب بانتكاسة كبيرة بعد أزمة المصارف الغربية قبل عشرة أعوام.

  • «السياسة التوسعية» للنظام الإيراني

    من الانتقادات التي يوجهها الغربيون وبعض الحكام العرب للجمهورية الإسلامية ما يتصل بعدد من الأمور: أولا: السعي لنشر ايديولوجيتها في البلدان الأخرى (كان سابقا يسمى تصدير الثورة)، الثاني: رغبتها في التوسع الجغرافي، الثالث: سعيها لتوسيع نفوذها السياسي في الشرق الأوسط. وتحت هذه العناوين يتواصل استهداف النظام الإسلامي السياسي في إيران، ذلك الاستهداف الذي بدأ منذ الأيام الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني التي أسقطت نظام الشاه قبل حوالي 40 عاما.

  • من اتخذ قرار الحرب على اليمن؟

    في العامين الأخيرين تصاعدت الدعوات من أطراف دولية وإقليمية عديدة لوقف الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. جاء ذلك بعد عام ونصف من القصف المتواصل الذي دمر ذلك البلد العربي المسلم العريق، ولم يقتصر على استهداف المناطق العسكرية.

  • توحش الأنظمة وتوتر الشعوب العربية

    القسوة في معاملة المعارضين في أي بلد يؤكد وجود نظام سياسي مضطرب يفتقد الشعور بالأمن ويخشى من كل صوت يرتفع ضده. وفي السنوات الأخيرة تعمقت ظاهرة التوحش السلطوي في بعض البلدان العربية نتيجة شعورها بأن وجودها أصبح مهددا بسبب وعي شعوبها الباحثة عن الحرية والكرامة، وشعور الأنظمة بأن الحرية ستؤدي بدورها لإضعاف النظام السياسي وربما سقوطه. هذه الظاهرة تمثل حلقة مفرغة تدور الحكومات والشعوب فيها بشكل متواصل ويأمل كلا الطرفين أن يصاب الآخر بالإنهاك فيسقط. ومن مظاهر القسوة ردود الفعل المتشددة من قبل أجهزة الأمن والقضاء إزاء النشطاء الذين يرون فيهم تهديدا لبقاء نظام الحكم. فالدعوة للإصلاح والتغيير وتطوير أنظمة الحكم أصبحت تشكل، في نظر بعض حكومات الخليج، تحديا لنمط الحكم الذي يرفض تطوير سياساته وآلياته ليواكب مستلزمات الدولة الحديثة في القرن الحادي والعشرين. وطوال السنوات السبع الأخيرة تعرض الكثير من النشطاء في دول كالإمارات العربية والسعودية والبحرين لأساليب قمع قاسية بسبب إصرارهم على المطالبة بإصلاح أنظمة الحكم في بلدانها. هذه الأصوات ارتفعت بعد أن أصبح متعذرا الاعتماد على دوافع ذاتية لدى هذه الأنظمة للإقدام على الإصلاح الذي يفتح الباب لمشاركة المواطنين في صنع القرار وإدارة البلاد.

  • المرأة المناضلة في فوهة المدفع

    برغم ما يقال عن التطور في مجال حقوق المرأة ما يزال مشوار الإصلاح مستمرا حتى في البلدان «الديمقراطية» التي طالما تباهت بانجازاتها في هذا المجال. وكما تراجع الغربيون عن دعم الديمقراطية والمناضلين من أجلها في العالم العربي خصوصا في الدول الخليجية الحليفة، وعن الدفاع عن حقوق الإنسان في تلك البلدان، فأن اضطهاد المرأة في هذه البلدان لم يحظ باهتمام حكومات «العالم الحر».

  • إشكالية العلاقات الدبلوماسية بين الدول

    توتر العلاقات بين الدول أمر طبيعي يحدث باستمرار لأسباب مختلفة وقد يؤدي لقطع العلاقات، بل ربما تسبب في اشتعال الحروب التي تطورت في بعض الحالات لتصبح حروبا «عالمية». وبرغم أن الشعوب عادة لا علاقة لها بالتوترات، إلا أنها تدفع الثمن الأكبر لما يتمخض عنها. وفي الأوضاع العادية تنطلق وساطات من الدول الصديقة لأحد الطرفين أو كليهما، أو من الأمم المتحدة لرأب الصدع وإعادة المياه إلى مجاريها، وتفلح هذه الوساطات عادة ولكنها قد تفشل كذلك. وتسعى الدول ذات الدبلوماسية الفاعلة لتجاوز الأزمات بطرح الحلول الوسط لكي تتجنب التصعيد وتداعياته. ولكن المشكلة تتفاقم عندما يكون للدول طموحات توسعية أو رغبة في الهيمنة أو فرض السيطرة على الدول الأخرى المجاورة. وهنا تتلاشى الحنكة السياسية وتفقد المبادرات تأثيرها. وغالبا ما تفشل تلك المحاولات في احتواء المشكلة في مثل هذه الحالات، وقد تضطر الدولة الطامحة للتراجع بالبحث عن مخارج تحفظ ماء الوجه. وثمة مشكلة أخرى تتمثل برغبة بعض الأنظمة في بسط النفوذ والتوسع خارج الحدود.

  • كيف أصبح الحج ساحة للصراعات وتسديد الحسابات؟

    الدين يجمع والسياسة تفرق، هذه حقيقة برغم اعتراضات الكثيرين عليها ممن ينظرون للخلافات السياسية التي تعصف بكثير من البلدان بأنها بسبب الدين. والحج من الفرائض الجامعة للمسلمين، فهم يهرعون لأدائها استجابة لقول الله تعالى: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم».

  • التفوق العسكري وحده لا يحسم الصراعات

    تتجسد السنن الكونية (أو القوانين الطبيعية كما يحلو للبعض تسميتها) يوميا في كافة جوانب الحياة، ولكن القليل من يدركها أو يتدبرها. ويمكن القول أن سنة التوازن هي الأكثر تجليا ووضوحا لمن أراد أن يمعن النظر في ما حوله من أنواع الحياة. تتجسد هذه الظاهرة في عالم السياسة بوضوح، بشكل تلقائي وبدون تخطيط بشري. ولقد أدركت القوى الكبرى ضرورة إحداث توازن في القوى والسياسة لمنع نشوب الحروب. ويعتبر السلاح النووي واحدا من أهم أساليب الردع التي انتهجت بعد الحرب العالمية الثانية.

  • مأزق الإسلاميين بعد الربيع العربي

    على مدى نصف قرن كان هناك حضور واضح للتيارات الإسلامية في أغلب بلدان العالم الإسلامي.امتد هذا الحضور إلى كافة الساحات: السياسية، الاجتماعية، النقابية وحتى الرياضية. وكان شاملا، وعميقا، بخطاب لم يخل من الواقعية والتمدن، فكان من الطبيعي أن تحتضنه قطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية. فما سبب ذلك؟

  • الشعبوية تهدد الأمن والسلم الدوليين

    يمكن القول أن الظاهرة الشعبية أو «الشعبوية» التي يطلق الغربيون عليها «بوبيوليزم populism» أصبحت داء خطيرا يهدد النظام العالمي الذي تبلور بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الظاهرة التي تجسدت بصعود دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية ودفعت بالتيارات اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية إلى الواجهة السياسية هي نفسها التي أدت قبل ذلك إلى ما عانت منه أمتنا العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة من تصدع المجتمعات وفق خطوط التمايز الديني والمذهبي.