آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

لن تكسب بالسياسة ما تخسره بالأخلاق


قاسم حسين ..

من أمراض الحياة السياسية العربية، افتقارها الشديد إلى القيم والمبادئ والأخلاق، وهي ليست ظاهرةً عربيةً خاصةً، لكي لا نظلم أنفسنا، وإنّما هي ظاهرةٌ تشمل كل الشعوب والأقوام.

الفرق أنهم يضعون السياسة بصراحةٍ في إطار براغماتي، من دون ادعاءات أو تنظيرات، فالمهم أن تحقّق مصلحتك الشخصية أو الحزبية، كما يجري بين كلينتون وترامب، حتى لو كانت على حساب مصلحة الشعوب ومستقبل الأوطان.

هذه الظاهرة برزت بصورةٍ أكثر وضوحاً، بعد انتكاسة حركات الشباب في الربيع العربي، وإعادة الأوطان إلى نقطة الصفر، من حيث الحريات والكرامة واحترام حقوق الإنسان. بل إن بلداً استطاع أن يكون في منأى عن العاصفة، بداية الأحداث، عاد إلى تصدّر نشرات الأخبار هذا الأسبوع، بعدما تم طحن بائع أسماك فقير، في شاحنة للنفايات، بمدينة الحسيمة المغربية، بعدما حاول استرجاع بضاعته المصادرة، ما أعاد إلى الأذهان صورة الشاب التونسي البوعزيزي الذي أشعل بجسده النار احتجاجاً على مصادرة عربته لبيع الخضار.

هكذا تكون السياسة بلا أخلاق، وفرض القانون بلا رحمة، وتطبيقه فقط على الفقراء دون الأغنياء، الذين تفتح لهم كل الأبواب، وتذلل لتجاراتهم ومصالحهم كل العقبات. ولهذا تدور الدول العربية في حلقةٍ مفرغةٍ، من القمع وتكرار الأخطاء، والافتقار إلى القيم والأخلاق.

بعد إجهاض الربيع العربي، وإغراقه بالدم والدمع، ومحاصرة الأصوات المعارضة واحتجاز الشباب، بدأت العدوى تصيب حتى بعض الأحزاب وقوى المجتمع المدني، وخصوصاً تلك القوى التي كانت تتصوّر النضال من أجل غدٍ أفضل، هوايةً أو نشاطاً استعراضياً أمام الكاميرات. وهو سبب ما رأيناه من تغيّر في المواقف أو التوجهات، أو حتى تغيير التحالفات. فقد شاهدنا شباباً كانوا في صفّ الحراك الثوري، انقلبوا إلى أبواق للأنظمة العسكرية في بلدانهم، ورأينا ناشطين حقوقيين انقلبوا إلى مدافعين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى على مستوى الأحزاب، بعضها تفكّك داخلياً، وبعضها شهد عودة أعضائه الايديولوجيين إلى انتماءاتهم ما قبل الحداثة، سواءً كانت طائفية أو قبلية أو مناطقية. لقد تحلّلت تلك القشرة الأيدلوجية التي كانت تبدو صلبةً، بسبب عوامل التعرية في ميدان الأخلاق.

إن طريق النضال الوطني الديمقراطي من أجل غدٍ أكثر عدلاً وإشراقاً، صعبٌ ووعرٌ عسير، ويتطلب صبراً وتحملاً. وكل الشخصيات التي كرّست حياتها للنضال الوطني حتى أصبحت رموزاً وأيقونات عالمية، كانت لا تضيع البوصلة، وتظل تتمسك بالثوابت والخيارات الكبرى، ولا تسمح لنفسها بالبحث عن مبررات تبرّر التهاون والتقهقر والتفريط بالحلفاء.

إن النموذج الأشهر في هذا القرن للمناضلين الأمميين هو الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، وسيرته تعتبر شاهداً على ممارسة السياسة من دون كلل أو وهن، وعلى الالتزام بالأخلاق، حتى أصبح مثلاً يضرب بالصبر والنزاهة، من دون أن تقرأ له عبارةً فيها تراجع عن موقف أو تخلٍ عن فكرة يؤمن بها، أو مطالبة بالابتعاد عن رفاق النضال، وخصوصاً حين يكونون في معاناة، وتمارس أنت هوايتك في القاعات المكيّفة.

في مذكراته، كتب مانديلا أن «العوامل الداخلية قد تكون أكثر أهميةً في تقويم تطور المرء كإنسان. الصدق، الإخلاص، البساطة، التواضع، الكرم الدافق، عدم الغرور، والاستعداد لخدمة الآخرين»... وهذا ما يصنع الفرق، وهذه هي قيمة الأخلاق.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/11/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد