آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هالة القحطاني
عن الكاتب :
كاتبة سعودية

صناعة الأزمات لعبة الصندوق

 

هالة القحطاني ..

تأسس صندوق النقد الدولي في منتصف الأربعينات، بعد الحرب العالمية الثانية، كوكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، مهمتها الأساسية المحافظة على سعر صرف العملة. ويتعاون الصندوق مع البنك الدولي لتقديم الاستشارات الاقتصادية والقروض للدول، للمحافظة على التوازن الاقتصادي العالمي. وتصاغ سياسته المالية والاقتصادية على أسس أيديولوجية وسياسية بحتة، تتفق بشكل مباشر مع مصالح وتوجهات أصحاب السلطة، الذين يحكمون في الدول العظمى مثل الولايات المتحدة. لذا يفرض الصندوق قبل إعطاء تلك القروض حزمة من الشروط والخطط يجبر فيها الدول المُقترضة على الآلية والطريقة التي ينبغي عليها أن تنفق فيها تلك القروض. والمشكلة الأخرى تكمن في آلية خضوع الصندوق بشكل مباشر للدول التي تملك نسبة تصويت أعلى فيه، وذلك يعود لحجم حصة الدولة في أموال الصندوق، فأميركا مثلا تملك 23% من حصة التصويت، والمجموعة الأوروبية مجتمعة تملك 19%. أي بالعربي هم الذين يتحكمون في مصير العالم، ولا تكمن الخطورة هنا فقط، بل في السيناريو المتفق عليه بشكل غير معلن في التعيينات، فرئيس صندوق النقد الدولي دائماً يكون أوروبيًّا، ورئيس البنك الدولي أميركيا. وحدوث ذلك طيلة العقود الماضية لم يكن صدفة أبداً.

 

ومن أبرز الشروط التي يفرضها الصندوق تخفيض النفقات الحكومية، مثل تقليص الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وزيادة الضرائب، ورفع الدعم وإلغائه عن المواد الغذائية والمحروقات، وخصخصة مؤسسات القطاع العام والخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والإسكان، ليضمنوا بذلك تخفيض سعر العملة الوطنية وتعويمها، وفي نفس الوقت يطالبون بفتح أبواب السوق وتشجيع الاستثمار الأجنبي.

 

ثم يقدمون سياسة التقشف، كأحد أسوأ الطرق السيئة في إدارة الاقتصاد. كما وصفها في كثير من كتاباته، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي (جوزيف ستيغليتز) والذي شغل منصب رئيس مجلس الاستشاريين الاقتصاديين الأميركي في فترة رئاسة بل كلينتون. وحذر كثيرا من جرائم الصندوق وانتهاكاته ضد البشرية. فحين يبدأ التقشف تقل الإنتاجية، ويقل النمو تباعاً وتزيد البطالة، وتنخفض الأجور فيتنافس الناس على الحصول على العمل، وتتراجع الخدمات الاجتماعية وتنقص لتظهر على إثرها كافة أوجه عدم المساواة في العالم، حتى سياسات الخصخصة التي تعتبر جزءا من تلك الشروط تسببت في كوارث ومآسٍ إنسانية، تعرضت لها شعوب العالم الثالث بوحشية. ومع ذلك لدى الصندوق قناعة عمياء، بأن تطبيق هذه السياسات مجتمعة، سيحقق دخلا أعلى للسوق بشكل تلقائي. وإذا تمعنا جدياً، في كل تلك البرامج ذات الأسماء الرنانة، سنكتشف أن من يهيمن على قرارات الصندوق لا يهمه القضاء على الفقر، بقدر ما يهمه فرض الرقابة على القوائم المالية للدول، لسلب المزيد من الثروات الطبيعية في العالم.

 

والأمر المثير أن كبير الاقتصاديين "جوزف" دخل بنفسه في عدة صراعات أثناء عمله في البيت الأبيض، من أجل محاربة نفاق الحكومة لكنه لم ينجح، لأن المصالح الخاصة التجارية والمالية كانت أكبر من محاولاته لإبطال بعض قرارات الصندوق، الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة. وتساعدها على تنفيذ أجندتها في الدول أحد أكبر أذرعتها العنكبوتية شركة ماكينزي. والتي أصبحت اليوم تتحكم في صناعة القرارات الاقتصادية، لكثير من الدول النامية. بعد أن تمكن مستشاروها من النفاذ ببراعة، داخل جميع الشركات الكبرى حول العالم.

 

واليوم لا نستطيع أن نتظاهر بأننا لا نعرف الدور المشبوه الذي يلعبه صندوق النقد الدولي، وعلاقته بالأزمات المالية في "لبنان ومصر واليونان وغيرها من الدول"، ومحاولاته الحثيثة في إحداث فوضى في ألمانيا، حين انتقد تباطؤها في حل مشكلة تقدم سكانها في العمر، مؤكدا أنها بحاجة عاجلة إلى إصلاحات لمواجهة هذه المشكلة، التي كان من بين حلولها المقترحة تشجيع عمل النساء واستقطاب المهاجرين وتأخير سن التقاعد. وهذا السيناريو لا يتكرر في البلدان الغربية فقط، بل أصبح مألوفاً في البلدان العربية، حين بدأ يُطبق دون النظر في الطبيعة الاجتماعية أو الجغرافية لكل بلد. لذلك فقد كثير من الشعوب ثقتها في ذلك الصندوق.

 

وبعد كل تلك الأدوار المشبوهة التي قام بها الصندوق، استطاعت الصين أن تنجو من الفوضى بسبب التزامها بالانتقال إلى نظام اقتصادي حر بطريقة "تدريجية" ما جنبها الكثير من الأزمات التي عانت منها وتيرة العمل المتسارع في تحول غيرها من البلدان. وينبغي بين كل ذلك ألا ننسى الخطأ الذي ارتكبه الصندوق في 2013، عندما توقع عجزاً في ميزانية المملكة، في حين حققت فائضاً قُدر بـ 206 مليارات.

 

ولا يوجد أمام الدول العربية الآن سوى أن تتحمل بنفسها مسؤولية التخطيط لبناء مستقبلها، عن طريق حكومات فعالة وسلطات قضائية مستقلة ونظم ديمقراطية وانفتاح وشفافية، والأهم القضاء على الفساد الذي اغتال نمو القطاع العام والخاص وأفقد الناس الثقة.

 

صناعة الأزمات الاقتصادية في الشرق الأوسط، لا تحدث صدفة، بل خطة قديمة وضع قوانينها الفكر الاستعماري، ليلعبها صندوق النقد الدولي بكل أريحية ويمررها على العالم.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/11/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد