آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعود كاتب
عن الكاتب :
دبلوماسي بدرجة سفير في وزارة الخارجية، نائب رئيس الإدارة الإعلامية II كاتب بصحيفة المدينة

خطورة تعصب «العقلاء»


سعود كاتب ..
عندما تُذكر كلمة تعصب فإن أول ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين هو التعصب الرياضي والذي يُعرف بأنه «مرض الكراهية العمياء للمنافس والحب الأعمى لفريق المتعصب، وهو حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل فيعمي البصيرة حتى أن الحقائق الدامغة تعجز عن تغيير ما يتمسك به المتعصب فرداً أو جماعة». وفي واقع الأمر فإن هذا التعريف للتعصب لا يقتصر على الرياضة بل يمتد ليشمل التطرف والحماسة الزائدة لأي أمر كاللون والعرق والقبيلة والمنطقة والطائفة والمذهب والحزب الديني السياسي.

وبتمعن هذا التعريف نجد أن كلماته المفتاحية هي «مرض»، «كراهية»، «أعمى»، «انفعال»، فالمتعصب يعاني من مرض عضال يعمي بصيرته، وكما ذكر الأستاذ إبراهيم البليهي في مقال له فإن مريض التعصب لا يعترف بمرضه بل يتوهم أنه الأكثر عافية، ليس هذا فحسب بل يسعى لضم الآخرين لما يتعصب له ويرى أنه هو الحق المبين وأن غيره في ضلال بواح. هذا المرض يصيب جميع خلايا العقل والمنطق بالشلل ويجعل صاحبه لا يشاهد الأمور إلا بعين عاطفته وميوله وكراهيته للآخر المنافس.

الخطير في الأمر أن مرض التعصب لا يصيب الجهلاء أو صغار السن وحدهم، بل نراه موغلاً في نفوس الكثيرين ممن يعتبرون قدوة لآلاف أو حتى ملايين المتابعين والمريدين والمشجعين. وطالما أني بدأت مقالي بالشأن الرياضي فسأضرب مثلاً للتعصب من واقعنا الرياضي، ففي مباراة الاتحاد والهلال الأخيرة شاهد الجميع العديد من الأخطاء التي لا يمكن إنكارها أو تبريرها والمرتكبة من كلا الفريقين. الملفت أن أحد «العقلاء» قال في لقاء تلفزيوني بعد المباراة مستغرباً لوم جماهير ناديه «لماذا نلوم الجمهور فكل ما تم رميه من قوارير لا يتجاوز 100 قارورة!»، وبالمقابل وصف إعلامي الجمهور المنافس بعبارات لا تليق، في حين قال آخرون عن الضرب الواضح المتعمد بعيداً عن الكُرَة بأنه «بدون قصد» أو أنه «شيء طبيعي له مبرراته»، وفي شأن مماثل شاهدت برنامجاً حوارياً رياضياً تبادل فيه بعض الإعلاميين المشهورين الشتائم والاتهامات والتهديدات بشكل صادم.

أكرر بأن التعصب لا يقتصر على الشأن الرياضي وأنه مرض يصيب صاحبه بـالعمى التام عن أخطاء من يحب وما يحب، فينكر تلك الأخطاء ويضع لها المبررات والأعذار، ولو أنها حدثت من الآخر لرفضها باستهجان ووصفها بالمنكر والكارثة والجريمة النكراء، وأمثلة ذلك التناقض حولنا كثيرة هذه الأيام.

أخطر أنواع التعصب هو ذلك الذي يصيب «القدوة» و»الداعية» و»المعلم» و»الإعلامي» و»المثقف» أو «قائد الرأي» عموماً، لأن ذلك يعني انتشار عدوى مرض التعصب الخبيث بسرعة انتشار النار في الهشيم.

يقول ونستون تشرشل: «المتعصب شخص لا يمكنه تغيير رأيه ولا تغيير موضوع النقاش».

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2017/03/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد