آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سطام المقرن
عن الكاتب :
كاتب سعودي

غياب هيئة الرقابة والتحقيق


سطام المقرن

المشكلة ليست في ازدواجية عمل الجهات الرقابية، وإنما في عدم وضوح الاختصاصات، بالإضافة إلى المنهجية القديمة للرقابة

تشتكي هيئة الرقابة والتحقيق من ضعف قدرتها على تأدية مهماتها، بسبب نقل اختصاصاتها في مجال التحقيق في القضايا الجنائية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، بموجب قرار مجلس الوزراء، والذي تم على إثره نقل وظائف المحققين الجنائيين من الهيئة إلى دوائر جرائم الوظيفة العامة لدى الادعاء العام، بالإضافة إلى نقل اختصاصات الهيئة في مجال الرقابة المالية إلى ديوان المراقبة العامة.

وبناء على ما سبق، طالب مجلس الشورى بدمج هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة في جهاز واحد يختص بالرقابة الشاملة بشقيها المالي والإداري، وذلك للقضاء على «الازدواجية والتكرار في المهمات التي تؤديها هذه الجهات والتي باتت تشكل عبئا ماليا على الدولة وهدرا واضحا للموارد، بما يناقض أهداف إنشائها المتمثلة في حفظ المال العام وكفاءة إنفاقه»!.

وعلى هذا الأساس وبناء على توصية مجلس الشورى، سيكون لدى ديوان المراقبة العامة صلاحية الضبطية القضائية والمتمثلة في مهام التحقيق والمحاكمة، وفي حال اكتشاف الديوان للمخالفة المالية والإدارية، فإنه يحق له اتخاذ مجموعة من إجراءات الضبط القضائي والتي منها على سبيل المثال سلطة التحقيق مع المتهمين وسماع أقوال الشهود واستعمال القوة وطلب أمر القبض على المتهمين والادعاء أمام المحكمة المختصة، وعليه يصبح ديوان المراقبة خصما وحكما في آن واحد، وهذا الأمر سوف يضعف من استقلالية الديوان، بل ويضعف دوره الرئيسي في الرقابة اللاحقة على المال العام، وليس هذا وحسب، بل سوف يكون هناك ازدواجية مع هيئة التحقيق والادعاء العام في مجال جرائم ومخالفات الأموال العامة.

لا شك أن هيئة الرقابة والتحقيق بعد نقل جزء كبير من مهامها واختصاصاتها إلى الجهات الرقابية الأخرى أدى إلى وجود غموض أكثر في طبيعة دورها الرقابي، وبناء على توصيات مجلس الشورى يتضح توجه المجلس بالتوصية إلى إلغائها تماما، من خلال دمجها كليا مع ديوان المراقبة العامة، ولكن مثل هذه التوصيات في رأيي تزيد الأمور تعقيدا ولا تحل المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الجهات الرقابية والمتمثلة في الأساس في المنهجية الرقابية نفسها، وضعف الثقافة القانونية.

وحتى نفهم طبيعة دور هيئة الرقابة والتحقيق لابد أولا أن تعرّف على الهدف الرئيسي من إنشائها، فقد أنشأت الهيئة بموجب المرسوم الملكي رقم م/7 وتاريخ- 1/2/1931  وهي هيئة مستقلة ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء تختص بالرقابة. على حسن الأداء الإداري وتطبيق الأنظمة والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية والادعاء فيها أمام المحكمة المختصة، وفي حال اكتشاف مخالفات في إحدى الجهات الحكومية، يتم إبلاغ وزير أو رئيس هذه الجهة بهذه المخالفات، حسب أهميتها، وذلك لاتخاذ اللازم نحوها، أو إجراء التحقيق المطلوب، وإحالتها للجهة المختصة في ديوان المظالم.

ورغم أهمية دور هيئة الرقابة والتحقيق إلا أنه ضعيف وغير ملموس على أرض الواقع، فقد كانت ملاحظات الهيئة لا تتعدى مراقبة الحضور والانصراف للموظفين في الجهات الحكومية وهذا الغالب على عملها، وكذلك بعض الملاحظات المتكررة والمتمثلة في تعثر المشاريع والتأخر في تنفيذها وضعف الإشراف عليها، بالإضافة إلى عدم قفل أبواب المكاتب بعد انتهاء الدوام الرسمي، وبعض الملاحظات البسيطة على المستودعات الحكومية، أما في مجال التحقيق ففي الغالب تكون مع صغار الموظفين، بسبب الغياب أو التأخر في الحضور، وبعض مشاكل الموظفين مع رؤسائهم.
وبعد نقل اختصاصات هيئة الرقابة والتحقيق فيما يتعلق بالجرائم الجنائية، مثل الاختلاس والتزوير والرشوة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، واستمرار الهيئة في ممارسة نشاط التحقيق الإداري فقط، أصبحت الهيئة بذلك متفرغة تماما لهذا النشاط، ومع ذلك لا توجد نتائج ملموسة على أرض الواقع، والسؤال المطروح هنا: لماذا لم يتم تفعيل دور هيئة الرقابة والتحقيق في مجال التحقيق الإداري رغم تفرغها التام في هذا المجال؟.

ولكي نجيب عن السؤال السابق لا بد من تسليط الضوء على واقع الجهات الحكومية التي تعاني من ظواهر إدارية سلبية، كتعيين القيادات الإدارية بحسب ولائها الشخصي، واعتماد المحسوبية والواسطة، سواء في التوظيف أو الترقيات، كما تعاني من تضخم إداري واختلال تنظيمي وهيكلي خطير، بالإضافة إلى غياب تطبيق الضوابط والقواعد والنظم الرقابية الداخلية التي تعمل على متابعة الأعمال الإدارية، ناهيك عن التعسف الإداري، والانحراف عن السلطة، وتحقيق المصالح الشخصية، ومن هنا يتضح دور هيئة الرقابة والتحقيق في وضعها الحالي لإجراء الرقابة تلقائيا أو بناء على شكاوى أو معلومات تتلقاها الهيئة في هذا المجال، فتدرس المستندات والأدلة وتجري التحقيقات اللازمة والادعاء عند القضاء إذا لزم الأمر.

وتأسيسا على ما تقدم، قد يكون من المناسب لمعالجة الازدواجية بين الجهات الرقابية ما يأتي:

* إبقاء ديوان المراقبة العامة على وضعه الحالي وتفعيل دوره في مجال الرقابة اللاحقة، بحيث يكون الديوان بمثابة المراجع القانوني للدولة، من خلال التحول من الرقابة التقليدية القديمة إلى الرقابة المهنية تحت إطار معايير المراجعة المتعارف عليها.

*توضيح العلاقة وتحديد الأدوار بين هيئة الرقابة والتحقيق (النيابة الإدارية) وهيئة التحقيق والادعاء العام (النيابة العامة) في مجال الضبطية القضائية للمخالفات الإدارية، بحيث تقوم هيئة الرقابة بالادعاء أمام المحاكم الإدارية لتطبيق العقوبات الواردة في نظام تأديب الموظفين، وإحالة الوقائع الجنائية إلى دائرة جرائم الوظيفة العامة في هيئة التحقيق والادعاء العام، باعتبارها صاحبة الولاية والاختصاص في توجيه الاتهام في قضايا جرائم الأموال العامة أمام القضاء.

 وهذا ما غاب عن مجلس الشورى للأسف، فالمشكلة ليست في ازدواجية عمل الجهات الرقابية، وإنما في عدم وضوح الأدوار والاختصاصات، بالإضافة إلى المنهجية القديمة للرقابة، وضعف الثقافة القانونية بشكل عام، وإلا كيف يتم التوصية بإلغاء النيابة الإدارية؟!.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/04/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد