آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. زيد النوايسة
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية ، ومحلل استراتيجي - من الأردن

الرياض والدوحة: خيارات ما بعد التسريبات!!

 

د. زيد محمد النوايسة

لا يمكن قراءة الهجوم الإعلامي المتبادل بين السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة أخرى بمعزل عن سياق التحولات التي حدثت في قطر منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة على والده الأمير خليفة بن حمد آل ثاني بتاريخ 27/6/1995 والذي لم يلق قبولاً من معظم الأقطار الخليجية آنذاك بالرغم من مباركته من بعض الأقطار العربية التي لم تكن على وفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة انحيازها لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أبان احتلال الكويت الذي أحدث شرخاً كبيراً في العلاقات العربية العربية  ما زالت أثاره حتى الآن، ولم تتأخر قطر عن إدراك الرسالة الخليجية المترددة في دعم الانقلاب فكان الخيار بالذهاب للولايات المتحدة الأمريكية وإنشاء قاعدتين عسكريتين هما العيديد والسيلية حتى أن الأسطول الأمريكي الخامس المتواجد في البحرين كان مرشحا للانتقال لقطر الأكثر استقراراً في فترة زمنية سابقة.

 

أطلقت قطر قناة الجزيرة الفضائية سنة 1996 وكانت من أهم المشاريع الإعلامية الأكثر تأثيراً في العام العربي، بدأت الفكرة بعد حل وزارة الإعلام القطرية  واتخذت من فكرة أنشاء قناة أوربت الفضائية بين السعودية وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) منطلقاً لها ولتي سرعان ما فشلت بسبب الرقابة الصارمة من السعودية، التقطت قطر الظرف وتعاقدت مع  الصحافيين الذين تدربوا في (بي بي سي) وتم  تأسيس القناة كقناة فضائية خاصة يملكها رجال أعمال وتجار بما في ذلك أعضاء من الأسرة الحاكمة القطرية، ولكن مجلس الإدارة أعطى القناة هامشاً تحريرياً مستقلاً مما مكن القناة من ملامسة قضايا في منتهى الحساسية لم تكن معهودة ومقبولة في المجتمع الخليجي وقدمت برامج  مرتفعة السقف  في مختلف المجالات سواء في السياسة العربية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المثيرة للجدل، واستقطبت هذه البرامج جمهوراً عربياً واسعاً، وساهم تفردها عربياً في ذلك الوقت في استقطاب  الجمهور العربي والمسلم باعتبارها الأكثر قرباً منهم ومن همومهم بالرغم من أن طريقة الأخبار والتقارير كانت معالجة بطريقة احترافية  بحيث توصل رسائل سياسية خطيرة وقد تردد يومها أن خبراء إعلاميين وسياسيين من أصول فرنسية هما الاخون ديفد وجان فريدمان لم يكونوا بعيدين عن تلك القناة من خلال تقديم خبرتهم الإعلامية.

 

الانقلاب الذي يعتبر بداية حقبة مهمة في السياسة القطرية التي مكنتها من لعب أدوار تفوق حجمها بشكل مذهل مستخدمة إمكانياتها المالية ووسائل الإعلام التي تديرها مباشرة أو تمولها من خلال التدخل كوسيط أو راعي لاتفاقيات التسوية في المنطقة العربية والأقليم وحتى العالم؛ بدأ من التدخل في جمع الأطراف الصومالية في الدوحة إلى التدخل في قضية الصحراء الغربية إلى دار فور في السودان إلى اليمن وصولاً لانخراطها المباشر في تداعيات الربيع العربي والمساهمة مالياً وعسكرياً وبشكل مباشر في إسقاط نظام العقيد القذافي واستثمار الثورة على نظام الرئيس مبارك  في مصر ودعم الإخوان المسلمون وحكم محمد مرسي والتدخل في الشؤون المصرية الداخلية والحديث عن أن الرئيس السيسي لا يمثل الشرعية ودعم حركة حماس واستضافة قيادتها واعتبارها ممثلا شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني وتجاهل منظمة التحرير الفلسطينية والانخراط المباشر في الأزمة السورية ودعم فصائل مصنفه إرهابياً والإصرار على إسقاط الأسد ونظامه والانحياز لأطراف مسلحه في ليبيا والتدخل في الملف العراقي ودعم ما يسمى التيار السني وبتنسيق مع الحليف التركي والإبقاء على خطوط التواصل مع إيران مبررة أن المصالح المشتركة تفرضها.

 

جاءت الأزمة الأخيرة بين السعودية والإمارات بالرغم من النفي القطري القاطع للتصريحات التي نسبت لمسؤوليها أن موقع وكالة الأنباء القطرية تعرض لاختراق والذي لم يخفف من ردة الفعل الإعلامية حتى اللحظة؛ وبالرغم من قبول فرضية تعرض الموقع للاختراق فعلاً، ألا أن الأمر لم يكن مفاجئاً للمراقبين لأن السلوك السياسي المعلن لدولة قطر لا يخرج في جوهره عما ورد في التصريح من ناحية دعم الإخوان المسلمون ومشاكسة مصر والأمارات العربية المتحدة والمحاولة ولو بطريقة غير مباشرة مناكفة ومنافسة السعودية في أكثر من ملف بما فيها الملفات التي يسعيان فيها لنفس النتيجة وتحديداً إسقاط نظام الرئيس الأسد والملف العراقي واليمني؛ والأهم من كل ذلك عدم الذهاب بعيداً في العداء والخصومة مع إيران وكل ذلك ينطلق من حسابات قطرية بحته ولم يمنع بنفس الوقت أن يكون لقطر علاقات خاصة وتنسيق مع إسرائيل وبنفس الوقت أن تكون الراعي والحاضن بالاشتراك مع تركيا أردوغان لحماس المصنفة مع حزب الله على قائمة الإرهاب أمريكيا وإسرائيليا وعربياً بعد قمة الرياض العتيدة!!

 

من الواضح أن قطر اليوم تمر بأزمة غير مسبوقة؛ لم تبدأ بالتأكيد بعد قصة الاختراق التي لم تقنع خصوم قطر الخليجيين أولاً بل أن الصحافة الأمريكية ومراكز دراسات مهمة في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتحدث من عدة أسابيع عن ضلوع مباشر لقطر في دعم الإرهاب وتمويله وتسرب أن دوائر في الإدارة الأمريكية بصدد دراسة خيارات من ضمنها نقل القاعدتين العسكريتين لدولة الإمارات وربما فرض عقوبات على قطر.

 

 هناك غضب وقلق سعودي لم يبدأ مؤخرا لأن قطر منذ زمن ليس قريب تزاحم السعودية التي تتصدر اليوم بفعل جملة التحولات الإستراتيجية ليس فقط المشهد الخليجي بل أن مصر الكبرى تتراجع أمام الدور السعودي المتنامي في مجمل الملفات الكبرى والذي يفرض عليها أن لا تقبل بتدخل قطر وتسيدها ملفات كبرى ويقيناً أن السعودية اليوم وهي مزهوة بفائض القوة بعد الاتفاقيات الهائلة مع الإدارة الأمريكية لن تقبل بأي دور للأمارة الصغيرة يتجاوز حجمها ضمن المنظومة الخليجية وبما لا يخرج عن سياق القراءة الإستراتيجية السعودية للعلاقة مع الخصم والعدو اللدود “إيران”، وهي لن تسمح لأي حليف لقطر أن ينافسها على زعامة العالم الإسلامي بسنته وشيعته وهذا يعني أنها لن تكون أبداً مرتاحة لعلاقة الدوحة مع طهران أو الاستمرار في تحالفها مع تركيا التي تنافس السعودية من خلال خليفتها على زعامة  وقيادة الإسلام السني!!

 

قطر على مفترق طرق حقيقي ولن تستطيع أن تجمع الصيف والشتاء على سطح واحد لأن خصومها كثر وهم بالتأكيد يملكون أدوات تأثير فاعله تفوق قدرتها وتحالفاتها!!

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد