التقارير

تقرير خاص: التبادل التجاري الإماراتي الإيراني.. هل هو تناقض أم ماذا!

 

 مالك ضاهر ..
 
رغم كل التصعيد الكلامي والإعلامي السعودي والإماراتي ضد إيران، خرج قبل أيام إلى العلن خبر عن تسلم طهران مبالغ وصلت إلى أربعة مليارات دولار أمريكي من الإمارات من مستحقاتها من شركة بترول الإمارات الوطنية(إينوك).
 
للوهلة الأولى يبدو أن شيئا ما يحدث خارج السياق، باعتبار أن المتابع للخطاب والأداء السياسي الإماراتي لا يعتقد أن هناك تواصلا وعلاقات تربطها بإيران، ويعتقد أن السلطات الإماراتية تمشي من دون تردد خلف القيادة السعودية في مواجهة إيران حتى آخر رمق، وأن ما يجري في بعض دول المنطقة من حروب تدار بالواسطة ضد إيران ستنتقل قريبا إلى عقر الدار الإيراني كما وعد ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
 
الإمارات تدفع لإيران..

والأهم أن الإمارات بدفعها هذا المبلغ تكون قد وفت كل ما على إينوك لإيران من مستحقات مالية، بحسب ما أعلن المدعي العام لديوان المحاسبة الإيراني فياض شجاعي الذي أكد أنه "تمت تصفية جميع الديون التي كانت مستحقة لحكومة بلاده على الشركة الإماراتية".

والمتابع لطبيعة العلاقة التي تجمع إيران بالإمارات يجد أن الأخيرة تعتبر أحد أهم الشركاء الخليجيين لطهران في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، فالإمارات تتعامل مع إيران منذ ما قبل توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة دول(5+1) فالإمارات سابقا قدمت نفسها صلة الوصل أو نقطة الالتقاء بين الدول الغربية و‘يران ما عاد عليها بالنفع الكبير، وقد تراوح حجم التبادل التجاري بين البلدين بين 17 مليار دولار و25 مليار دولار في أعوام 2014 و2013 و2012 و2011.
 
وطالما اعتبرت الإمارات من بين أبرز المنافذ التي تولت تغذية الاقتصاد الإيراني خلال سنوات الحصار الغربي التي فرضت على طهران، علما أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن "الإمارات تستحوذ على 80 % من حجم التبادل التجاري بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي"، علما ازدهار علاقات الجانبين استمر رغم أن الإمارات تتهم إيران باحتلال ثلاث من جزرها في الخليج العربي منذ عام 1971 وهو على هذا المنوال كما يبدو رغم كل ما يجري في المنطقة وكل ما يقال عن اشتعال الأمور بين بعض الدول الخليجية وطهران، لا سيما بعد ما تم الإعداد له في قمم الرياض من إثارة الأمور ضد الجمهورية الإسلامية ومحاولة إلصاق تهم دعم الإرهاب بها.
 
علاقات مزدهرة منذ سنين..

 هذا الأداء الإماراتي مع إيران يدفع إلى طرح جملة من التساؤلات، كيف استطاعت الإمارات أن تحافظ على هذه العلاقات رغم كل التوتر الذي شاب المنطقة وبالأخص القطيعة في العلاقات بين المملكة السعودية وإيران؟ ولماذا تحافظ الإمارات على هذه العلاقات بينما تصل الأمور إلى القطيعة بين الرياض وطهران؟ وأيهما أفضل وأصح ما قامت وتقوم به أبو ظبي أو ما تقوم به الرياض تجاه إيران؟ أليس من الضروري البحث عن المصالح الإستراتيجية للدول كما تفعل الإمارات بدل تدمير كل شيء كرمى لعيون بعض الأشخاص؟ هل للإمارات من دور في دفع العلاقات السعودية الإيرانية إلى حافة الهاوية بينما هي تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الطرفين خدمة لمصالحها؟ وإن صح ذلك فمن المسؤول سعوديا عن هذا التورط الذي دفعنا إليه مع إيران ومع غيرها؟ وهل سنرى من سيعمل للملمة الأوضاع والعودة إلى الحوار مع الأشقاء بحثا عن المصالح الوطنية؟
 
الواقع أن الإمارات حافظت على علاقات اقتصادية قوية مع إيران بحكم الموقع الجغرافي والمصالح المتبادلة وتمدد الرساميل الإيرانية فيها، فهي رغم كل الاختلافات السياسية مع طهران لا يمكنها أن تقطع معها كل شيء لأن ذلك قد يشكل ضربة قوية للاقتصاد الإماراتي ومن ثم للبلاد بشكل عام، علما أن الرحلات الجوية بين البلدين لم تتوقف وهي مستمرة بمعدلات ثابتة يوميا، ما ينعكس إيجابا على العلاقات السياحية بين البلدين ناهيك عن وجود جالية إيرانية كبيرة جدا في كل الإمارات المختلفة لا سيما في إمارة دبي، وتقدر الإحصاءات أن ما يقارب الـ500 ألف مواطن إيراني في الإمارات أي ما يعادل أكثر من نصف المواطنين في الإمارات البالغ عددهم 947 ألف مواطن.
 
من يحتاج لمن؟!

والأكيد أن الإمارات وبالأخص إمارة دبي لا مصلحة لها في القطيعة مع إيران، ودبي ستقف حجرة عثرة أمام أي صوت إماراتي يدعو لفض الشراكة الاقتصادية والتجارية مع إيران، لأن الإمارات بشكل عام وبالأخص دبي معدة لتكون محطة ومعبر للتجارة الخارجية وهي تستفيد من الأموال الإيرانية في هذا المجال، وأي توتر سياسي مباشر بين البلدين قد يدفع إيران إلى التخلي عن دبي بالتحديد والابتعاد عنها والبحث عن بديل لها يلعب نفس الدور الذي تلعبه، خاصة أن إيران اليوم وقعت الاتفاق النووي مع مجموعة دول(5+1) وهي حرة من أي ضغوط في هذا المجال، كما أن البعض يتحدث أن إيران تقيم في جزيرة كيش(القريبة من دبي فهي تقع على الضفة الأخرى لمياه الخليج) الأسس لبناء نقطة تجارية واقتصادية شبيهة بدبي وبالتالي لا مصلحة إماراتية لاستفزاز إيران، علما أن المتابع للشأن الإيراني ولطريقة التعامل السياسي هناك يدرك أن سياسة النفس الطويل هي التي تحكم وتتحكم بالعقلية الإيرانية وبالتالي لن تقوم طهران سريعا بإنهاء المصالح مع دبي اللهم إلا إذا حصلت تجاوزات كبيرة لا يمكن تجاوزها.
 
وبالتالي هنا يطرح السؤال من بحاجة من؟ هل الإمارات تحتاج إلى إيران أو العكس؟ وربما سيقول قائل إن الإمارات مرغمة تضطر إلى مسايرة إيران ومجاراتها في بعض الأمكنة لأنها بحاجة لها، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على السعودية لأنها قادرة على التخلي عن أي دولة أخرى نظرا لإمكاناتها الواسعة وطالما هي تستطيع المجيء بالرئيس الأمريكي ليعطيها الحماية في المنطقة والعالم كما فعل دونالد ترامب.
 
والحقيقة أن كل ذلك لا يمنع من التقارب والحفاظ على أفضل العلاقات مع الدول الجارة أيا كانت الخلافات خاصة أن هذه الدول هي دول إسلامية حينا وعربية حينا أخر والأجدر التقارب معها بدل صناعة العداوات التي لا تجلب إلا الضرر وبالدرجة الأولى لنا، وستؤدي إلى استنزاف قدراتنا على المدى الطويل من دون تحقيق أي انتصارات أو انجازات كما تظهر الوقائع.

أضيف بتاريخ :2017/06/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد