آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. حامد الحمود
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة القبس الكويتية

الدويلة والتفسير التآمري لنشأة «داعش» (1)


د. حامد الحمود

غمرني نوع من التأسّي واليأس، بعد أن قرأت «قصة داعش.. وحقيقتها» للزميل مبارك الدويلة في القبس بتاريخ 18 يونيو 2017 لغرقه العميق في نظرية المؤامرة أو التفسير التآمري لنشأة «داعش». ومرد يأسي أن هذا التفسير وقد شاع، فإنه يضلل البحث في الأسباب الحقيقية للتطرف الإسلامي، والذي تطرف أكثر بنشأة داعش. والغريب أن الزميل الدويلة يكتب بثقة مبالغة في طرح فكرة التآمر، وكأنه شاهد بعينيه التنسيق بين الموساد الإسرائيلي والمخابرات الإيرانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وعمل هذه المراكز التي تركزت جهودها في محاربة الإسلام «المعتدل». والتي اخترع تنظيم داعش نكاية بالإسلام السني المعتدل. فيقول الزميل الدويلة في مقاله: «سأكتب اليوم عن موضوع له علاقة بكل المواضيع، وهو حقيقة أن داعش. نعم هذا الاختراع الذي تم بتقديري ابتكاره في إسرائيل بمباركة أميركا وإيران». ويضيف في الفقرة التي تليها: «قرر الموساد الإسرائيلي ابتكار طريقة جديدة لمحاربة الإسلام السني المعتدل، لأن الإسلام الشيعي في نظرهم ـــ وإن كان أشد خطرا عليهم ـــ لكن وسائل مقاومته متوافرة. فالإسلام الذي تطرحه الثورة الشيعية أكثر راديكالية من تلك الأفكار التي يطرحها التيار الوسطي الذي بدأ ينتشر في أميركا وأوروبا، وبدأ يحوز قبول الشعوب المقهورة..».
 فكرة الزميل الدويلة هي أن إسرائيل وأميركا اخترعت تنظيما متطرّفا كريها هو «داعش»، لينفر العالم من الإسلام والمسلمين، بما في ذلك تنفيرهم من الإسلام السني المعتدل الذي ينتمي له الزميل. ورأى أن داعش تكره بالإسلام والمسلمين، من خلال ممارساتها المتطرفة، وفي هذا المجال لا بد من الاتفاق مع الزميل. ويشير إلى «أن داعش لم تعرف من الشريعة إلا تطبيق الحدود وإعادة ظاهرة الرق والسبايا التي عالجها الإسلام إلى أن قضى عليها». هذا مع أن التاريخ يشهد أن الإسلام لم ينجح كليا في محاربة الرق، وظل الرق موجودا في منطقتنا إلى بداية القرن العشرين، ولم تقضِ عليه إلا البحرية البريطانية التي منعت شحنات السفن المتوجهة من شرق أفريقيا إلى موانئ الخليج. لكن هذا ليس موضوعنا، بل إن موضوعنا هو غرق كثير منا بالتفسير التآمري للأحداث السياسية، والذي ينفي أي سوء بتراثنا وعصبيتنا وطائفيتنا، ويصر على أن الشر لا يأتي إلا من الأعداء والذين يختزلهم الزميل الدويلة بإسرائيل وإيران وأميركا، الذين تآمروا على الإسلام السني المعتدل بخلقهم «داعش».

 الحقيقة المرة هي أن داعش منا وفينا، لا هي من اختراع إسرائيل ولا من إيران ولا من أميركا. لكن سياسات أميركا وإيران في المنطقة ساهمت بقدر كبير في ظهور تنظيم داعش، وعلى الرغم منهما لا بالتنسيق معهما أو بينهما. فهناك تفاعل أو تلاقح بين سياسات خاطئة ارتكبتها أميركا وإيران من جهة والفكر السلفي الذي ينتمي إليه داعش والمعادي بطبيعته إلى إيران وأميركا من جهة أخرى. وقد كان الشيخ عادل الكلباني ـــ إمام الحرم السابق ـــ واضحا في ربط علاقة «داعش» بالفكر السلفي. فقد أثار حفيظة الكثير من المسلمين الواهمين عندما غرّد أكثر من مرة في يناير 2016، مؤكدا «أن داعش لبنة سلفية ليست إخوانية ولا صوفية ولا أشعرية، وتجب مناقشة فكرها بدلا من نقاش أفعالها فقط». وبالطبع لم يعجب هذا التصريح للشيخ الكلباني زملاءه. فهم كما الزميل الدويلة، لا يرون السيئ إلا في عدوهم. لكن لا الأفراد ولا الشعوب تنضج أو تتطور من دون ممارسة نقد ذاتي. فهم ليسوا أكثر معرفة بالإسلام والتراث السلفي من الشيخ الكلباني. واعتراف الكلباني بعلاقة فكر داعش بالتيار السلفي لا يجرم هذا التيار، فالغالبية العظمى من المؤمنين به مسالمون ومحبون وطيبون. والاعتراف بالحقيقة يعتبر تضحية أحيانا، لذا كانت صراحة الكلباني وراء إيقافه عن الخطابة لأكثر من 13 سنة.

 إن خطورة الفكر التآمري الذي يبشر به الزميل لخطيرة. وهي أشبه وربما أكثر ضررا من زيارة طبيب ولخطأ في التشخيص يعطيك العلاج لمرض آخر. والخطورة الأخرى هي أن التحليل التآمري يشجع على الوصول إلى النتائج من دون بذل جهد. وبالتأكيد فإن الزميل الدويلة ليس وحيدا. فالغالبية تود أن تصل النتائج التي ترضي عصبيتها منزهة فكرها واعتقاداتها من أي سوء. فالشر لا يأتي إلا من الأعداء. فيا زميلنا العزيز لقد كان الشيخ الكلباني محقا. فــ «داعش» منا وفينا.

 هذا، وإن فوجئ الكثير بظهور داعش، فإن جذورها تمتد لأكثر من خمسين عاما، والذي سنناقشه في المقال المقبل.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/06/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد