آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مصطفى اللباد
عن الكاتب :
كاتب مصري يشغل منصب مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة ورئيس تحرير مجلة شرق نامه المتخصصة في الشئون الإيرانية والتركية وآسيا الوسطى، حصل على درجة الدكتوراه في "الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط" من جامعة هومبولدت في برلين بألمانيا عام 1994.

تركيا والأزمة الخليجية


د. مصطفى اللباد

مع اندلاع الخلاف الخليجي، تركزت الأضواء على العواصم المشاركة في الخلاف وردات فعلها بعضها تجاه بعض، وزاغت الأبصار عن تركيا على الرغم من كونها أحد مكونات الخلاف. ومرد ذلك إلى أن تركيا تحالفت وما زالت تتحالف مع قطر ومع جماعة «الإخوان المسلمين» في محور كان له تأثير واضح خلال السنوات الأولى من «الربيع العربي» على الأحداث في المنطقة. تلقى هذا المحور ضربة كبيرة بانزياح الجماعة عن مقاعد السلطة في مصر أولاً وتونس ثانياً وليبيا ثالثاً، ومع ذلك فقد كان لهذا المحور بقية تركية – قطرية تعاونت على مسارح متنوعة أهمها المسرح السوري، حيث تشاركت أنقرة والدوحة في إسناد بعض الجماعات المسلحة هناك.

بقيت قطر سند تركيا الحقيقي في العالم العربي بعد «الإخوان المسلمين»، فعلاقات أنقرة مع دول الخليج امتازت بالطابع التجاري فحسب، وبعد انقضاء سنوات تبين للجميع في الخليج العربي وخارجه أن تركيا ليست في وارد مواجهة إيران بأي حال من الأحوال، وأنها فقط تستغل الرغبة العربية لموازنة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة بإبرام المزيد من الاتفاقات الاقتصادية ولا شيء غير ذلك.

ومع تفاقم الخلاف الخليجي والضغوط المتزايدة على الدوحة لتغيير سياساتها؛ فمن المعلوم أن الدور سيأتي على تركيا نفسها للإجهاز على البقية الباقية من حضورها الإقليمي الذي يخصم موضوعياً من الحضور العربي في المنطقة. تمثل مقاطعة قطر والضغط عليها قيداً على علاقات تركيا الخليجية، حيث من المرجح أن تتدهور العلاقات السعودية – التركية وهي علاقات مهمة للغاية لتركيا من جراء الخلاف الخليجي. كما أن منطق الصراع وتسلسل الأحداث يقول إن الدور سيأتي على تركيا مباشرة بعد الانتهاء من هذه الأزمة، على الأقل من باب التعاملات الاقتصادية، وهو الجانب الأكثر حساسية لدى أردوغان بسبب قدرة الاقتصاد على شراء الرضا الشعبي، على الرغم من نزعاته الفردية وشخصنة النظام السياسي التركي على قياسه.

تدحرج الحضور الإقليمي التركي في المنطقة من دولة إقليمية وازنة تقوم بمبادرات وساطة متعددة كونها تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف خلال الفترة من عام 2002 وحتى عام 2010، إلى دولة إقليمية نافذة تقود محوراً في المنطقة مقدمة ما سُمي «النموذج التركي» خلال «الربيع العربي» 2013/2011 لترتقي في عيون الغرب، باعتبارها الأقدر على ترويض «الإخوان المسلمين» من خلاله. وكان أن انتقل «النموذج التركي» خلال الفترة الأخيرة من حكم «الإخوان المسلمين» من فكرة ملهمة إلى حالة واضحة من التكاذب السياسي يستخدمها الطرفان تركيا والإخوان، كل لأغراضه الخاصة. وبعد الإطاحة بالجماعة، اقتربت تركيا أكثر من السعودية ودول الخليج العربية للتعويض التجاري، وتحت وهم موازنة إيران، فكانت النتيجة المعروفة للكافة.

الآن لم يتبق من تحالفات تركيا في المنطقة إلا ثلاثة: مع قطر وحركة «حماس» في غزة وإسرائيل، وهي نهاية مفجعة لأحلام تركية عراض في القيادة الإقليمية. وما يزيد الأمر قتامة لمستقبل تركيا الإقليمي ثلاثة أمور: الأمر الأول أن ترتيبات الشرق الأوسط الجديد وتحالفاته المهندسة دولياً لا تلحظ دوراً لتركيا، بل تفسح حتى أدوارا للأكراد في سوريا، التي تتواجد فيها قوات تركية بموافقة روسية وليس أميركية. الثاني: أن توازنات القوى لا تسمح لقطر بالخروج منتصرة في خلافها الحالي، بالرغم من قدرتها النسبية على الصمود لبعض الوقت، وبالتالي فستخسر تركيا على الأرجح حليفها الخليجي الوحيد. وبالرغم من أن أردوغان حاول لعب دور الوسيط في الأزمة الخليجية الراهنة بالرغم من كونه طرفاً فيها؛ ثم عاد ولوح بسحب القاعدة العسكرية في حال طلبت الدوحة ذلك، فإن تلك المساعي البراغماتية لن تعفيه من دفع فاتورة سياسية باهظة في المستقبل. الأمر الثالث أن علاقات أنقرة مع «حركة حماس» ستخفت في المرحلة المقبلة بسبب تغيير الحركة لتحالفاتها الإقليمية، حرصاً على علاقات أفضل مع مصر من ناحية ومع إيران من ناحية أخرى.

إنها بالفعل أوقات عصيبة مقبلة على السيد أردوغان!

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/07/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد