آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عمر الردّاد
عن الكاتب :
كاتب أردني

هل سيناريو حرب باردة بين قطر وخصومها هو الأرجح؟


عمر الردّاد

بعد دخولها شهرها الثاني, وخلافا للتوقعات بأنها أزمة عابرة ,سيتم حلّها خلال أسابيع أو أيام , تتعدد سيناريوهات مالآت هذه الأزمة,لكن التطورات المتلاحقة ترجح وبوضوح أن حلها قريبا غير وارد في الأسابيع أو الأشهر القادمة,ارتباطا بتمسك كل طرف بمواقفه,وتراجع احتمالات قيام الدول الأربع بأي عمل عسكري ضد قطر , والتدخل لتغيير النظام ,وهو ماعبرت عنه مخاوف قطرية منذ بداية الأزمة من خلال التحشيد العسكري, وتحديدا إدخال تركيا بصيغة وسيط عسكري, والإشارات الإيرانية بالاستعداد للدفاع عن قطر,والمناورات البحرية مع الجيش الأمريكي,وصفقات الأسلحة الجديدة , إضافة لاستمرار الحملة الإعلامية المتبادلة بين أطراف الأزمة.

من الصعوبة بمكان استشراف نهايات هذه الأزمة,دون العودة للسياقات الدولية التي نشأت فيها, وتحديدا حجم التغيير الذي تم في أمريكا بعد انتخاب الرئيس ترامب والجمهوريين والاستراتيجيات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط,,فقد كانت إستراتيجية الرئيس أوباما والديمقراطيين وعلى مدى ثماني سنوات, تقوم على دعم الديمقراطية والربيع العربي والإسلام السياسي وعماده الإخوان المسلمون,وترك المنطقة لحل ملفاتها فيما بينها, بعد انجاز الصفقة التاريخية مع إيران, وشكلت قطر, من خلال قدراتها المالية الضخمة, وأدواتها الإعلامية وخاصة محطة الجزيرة,وبالتعاون مع جهات إقليمية نافذة”إيران وتركيا” رأس الحربة في تنفيذ هذه الإستراتيجية,في ليبيا وسوريا والعراق وغزة وغيرها,ونشأت خلالها , وفقا لما هو معلن علاقات قطرية مع تنظيمات إرهابية .فيما سادت “المناكفة” علاقات أمريكا مع  السعودية ودول الاعتدال العربي, وظهرت إسرائيل الحليف الأقرب لأمريكا متضررة من تلك الإستراتيجية,وبدت قواسمها المشتركة مع التحالف الذي تقوده السعودية أكبر.

وبمجيء الرئيس ترامب أعلن انقلابه على كافة سياسات سلفه في المنطقة,ومن الرياض حدد ملامح الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ب: مواجهة الإرهاب ومصادر تمويله ,وإيران وإثارتها للفوضى في الإقليم ودعمها للإرهاب, فكانت الإجراءات ضد قطر,وإعلان دعم إسرائيل والحديث عن صفقة قرن, في إطار السلام العربي الإسرائيلي, وتجديد العقوبات على إيران مع تهديدات بإلغاء الاتفاق النووي الذي ابرمه أوباما,والتدخل عسكريا في سوريا,وعدم ترك قيادة الصراع فيها لروسيا وإيران ,ودعم مصر,وشن حرب جادة ضد  الإرهاب وداعش, ومنح الانتصار عليها في سوريا للأكراد, خلافا لرغبات الأتراك, ومن المرجح استكمالا لهذه الإستراتيجية أن لا تبقى السيطرة الإيرانية على العراق , بصورتها القائمة ,ولا حجم تدخلها في اليمن إلى جانب الحوثيين,خاصة وأن مؤشرات تدل على أن الأمور تتجه هناك لانفصال اليمن الجنوبي.

بهذا السياق, نشأت أزمة قطر,وربما لن تكون مالآتها خارجة عن  تحقيق الإستراتيجية الأمريكية لأهدافها, وهو ما يعني ضيق هوامش المناورة لاحقا , فرغم جهود القيادة القطرية بتدويل الأزمة والحملات الإعلامية والنفي المتكرر لكل الاتهامات والمطالب والشروط, وإبراز الجوانب الإنسانية لإضرار الحصار أو المقاطعة, وشراء أسهم في الشركات العالمية وغيرها من صفقات اقتصادية عالمية كبرى ,والقول أنها منسجمة أكثر من غيرها مع الُمثل والقيّم الأمريكية والغربية ,وان قطر ليست الوحيدة التي تدعم الإرهاب وأنها في أخر قائمة داعمي الإرهاب ؟! والمراهنة على عدم توافق الموقف الأمريكي وأوضاع الرئيس ترامب على خلفية الشكوك بتدخل روسي إلى جانبه في فوزه, والتي ربما ستتوقف بعد لقاء الرئيس ترامب مع الرئيس بوتين على هامش قمة العشرين قبل أيام  ,رغم كل ذلك ما زالت الإجابة خاصة من دوائر صنع القرار في أمريكا وأوروبا تقول(رغم العتيبر الدبلوماسي) بكل وضوح :على قطر وقف تمويلها وعلاقاتها مع الإرهاب,ومن المؤكد أن الرؤية الإستراتيجية الأمريكية  لمنطقة الخليج, وقطر جزء منها ,ومضمونها التحالف الاستراتيجي مع تلك الدول, هي التي تجعل الموقف الأمريكي بهذه “الليونة “تجاه قطر,لكنها غير مفتوحة زمنيا إلى مالا نهاية.

وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة الحادة , والانحيازات المسبقة ,فأن الأوضاع الناشئة بعد الأزمة في الخليج والمنطقة ترسم صورة واضحة لحجم التغييرات الجارية والقادمة , والتي جعلت من  قطر دولة  مشغولة وفي وضع دفاعي, هذا الوضع تم خلاله الاتفاق في قمة العشرين على مكافحة الإرهاب في وقت تواصل فيه الخلاف على ملفات المناخ والتجارة الحرة , وانجاز تفاهمات في غزة بإشراف ورعاية مصرية , ستأتي ب محمد دحلان(حليف الإمارات) على رأس حكومة فلسطينية في غزة بمشاركة حركة حماس, وأعلن الجنرال حفتر في ليبيا(حليف الإمارات ومصر) تحقيق الانتصار على الإرهاب الأصولي ,بالتزامن مع انتصارات على داعش بالموصل والرقة,وتم تغيير ولاية العهد في المملكة السعودية,ببرقية مباركة وتأييد من أمير قطر, ويتردد أن تغييرات جوهرية في مبادرة السلام العربية الإسرائيلية ستشمل البدء بالتطبيع مع إسرائيل, وتتواصل الإشارات بأن هناك حلولا في سوريا تتجاوز مسالة رفض بقاء الرئيس الأسد بتوافق أمريكي روسي  ,ووجدت تركيا  أزمتها أكثر عمقا  بالملفين السوري والعراقي,فيما يبدو الارتباك الإيراني في سوريا والعراق, إذ أن مخرجات السياسة الأمريكية الجديدة لن تكون في صالح إيران, ولدرجة تم معها في العقل العربي والإسلامي “المسكون بالثنائيات “تصوير الرئيس ترامب وكأنه حليف السنة, بديلا للرئيس أوباما حليف الشيعة.

ورغم التصعيد الإعلامي , وإعلان الدول الأربع نيتها الاجتماع بالمنامة واتخاذ إجراءات تصعيدية أخرى, إلا أن المرجح عدم اتخاذ قرارات صادمة ,والإبقاء على  سيناريو إدارة الأزمة في مستوياتها الحالية والتلويح بإجراءات وقرارات في الوقت “المناسب” , في إطار استمرار”تحييد” قطر,وربما “الجزيرة”, والذي يبدو أن الدول الأربع ستكتفي به في هذه المرحلة, فهل ستتواصل فصول حرب باردة بين الطرفين,ومن هو الطرف الأكثر خسارة, مع استمرار الأزمة لمدة أطول , فيما تمضي الإستراتيجية الأمريكية مع حلفائها بتحقيق أهدافها؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد