آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صفوق الشمري
عن الكاتب :
كاتب سعودي

الشركات الاستشارية وأذن جحا و12 مليارا


صفوق الشمري    

لا نريد أن يستغل عصر التطوير ورؤية 2030 لتنفيع الشركات الاستشارية، لأن الرؤية شددت على المحاسبة، وأيضا على خلق الكفاءات، وهذا الهدر يتنافى مع الأهداف العليا لرؤية ولي العهد

إذا كان لسوق الأعمال في المملكة موضات أو اتجاه فإن هذا الزمن يمكن تسميته زمن الشركات الاستشارية، وربما سيؤرخ لاحقا باسم (وقت الاستشاريين)، كما كان وقت الطفرة ووقت كبائن الهاتف ووقت الخياطين إلخ...

الآن لو أراد الشخص فتح كشك أو بقالة لقيل له نريد دراسة جدوى من بيت استشاري، أما على الصعيد الأكبر مثل الشركات والمؤسسات الحكومية فلا يضعون خيطا بمخيط بدون البيوت الاستشارية، هل هذا جيد أم سيئ؟ الموضوع فيه حديث!

لماذا تحتاج الأعمال والمشاريع إلى خدمات البيوت الاستشارية؟ هل هم يحتاجون إلى البيوت الاستشارية لكي تقول لهم شيئا لا يعرفونه؟ هل ستوجد لهم حلولا جديدة لا يعرفونها؟

الإجابة قد تكون مفاجئة أو غربية بعض الشيء! نظريا البيوت الاستشارية يجب أن تقدم لك حلولا لا تعرفها، لكن عمليا الذي يحدث هو أن البيوت الاستشارية جلد حماية أو توزيع مسؤولية، وهذا ينطبق على القطاع الخاص والعام!

كثير من البنوك مثلا يريد دراسة الجدوى من بيوت استشارية عالمية حتى إذا مولت المشاريع وتعثر السداد، فإن المسؤولية لا تكون على عاتق إدارة البنك أمام حاملي أسهم البنك، بل إن دراسة البيوت العالمية تكون مصدا وحماية للعاملين بالبنك، خصوصا إذا كان اسم البيت الاستشاري رنانا! وأصبحت العلاقة تبادلية بين الطرفين، فالاستشاري يعرف أن اعتماد البنك للمشاريع لن يتم بدون دراسته، لذلك يرفع أسعاره، والبنك يعرف أن ختم البيت الاستشاري مهم لإخلاء مسؤوليته إذا تعثر المشروع في السداد!

وبعض مؤسسات القطاع الحكومي تريد البيوت الاستشارية لأسبابها الخاصة، فإذا أراد تغيير أو تجربة خطط جديدة فيجب جلب خبير أجنبي بعيون زرقاء وشعر أصفر لكي يقنع بقية الطاقم في المؤسسة الحكومية، وإذا كان (بيحكي شوي عربي يكون أحسن!)، وأيضا إذا فشلت خطة التطوير في القطاع الحكومي فهناك شماعة لإلقاء اللوم، وتبدأ رحلة البحث عن شركة جديدة وتضيع المسؤولية بين قبائل الشركات الاستشارية، والمسؤول الحكومي مرتاح على كرسيه لا يتلقى اللوم! المصلحة تبادلية!

لا تعتقدوا أننا ضد الشركات الاستشارية، فنحن نتعامل معهم بشكل مستمر، وفيهم مميزات فريدة، فلهم القدرة على عمل برزنتيشن أخاذ من أي شيء! يجعلون المشروع يلمع وجذابا لدرجة أن صاحب المشروع نفسه لا يتعرف عليه، هم مثل الكوافيره في ليلة الزفة تجعل العروس جميلة جدا ليلة الزواج، وبعد ليلة الدخلة وذهاب الماكياج أنت ونصيبك!

إن للشركات الاستشارية القدرة على عمل «برزنتيشن» من أي شيء لأي شيء! لو سألتهم كم الساعة فإنهم يأخذون الساعة التي في يدك وينظرون لها ويعملون «برزنتيشن» ويقولون لك الوقت، في غالبية الأحيان لن يضيفوا أي معلومة لا تعرفها، لكن يأخذون معلوماتك ويضيفون زخرفة وتلميعا وتصبح جذابة، كثير من المسؤولين في عدة دول ورجال الأعمال لم يذكروا لي أن البيوت الاستشارية جلبت لهم خطة جديدة أو حلولا أبداعية، ربما الاستثناء مثال أو مثالان بينما الغالبية يشتكون بالعشرات من خططها. ولكن يقولون هم ضروريون إذا فشلت الخطط لكي يكونوا شماعة، وجلد البيوت الاستشارية سميك ويتحملون وسيغيرون الفريق ويأتي فريق جديد جذاب!

قد يقول قائل ما العمل؟ فالإدارات الحكومية بيروقراطية ولا يوجد لديها إبداع ونحن نحتاج التطوير! وأتفق مع هذا الرأي فالبيروقراطيون الحكوميون أسوأ في التخطيط والتنفيذ من أسوأ شركة استشارية، لكن هناك حلول وسط، هناك مبدعون في البلد، بلدنا تملك طاقات وعقليات لكن نحتاج صيادي عقول وليس صيادي شركات استشارية، البلد محتاج إلى عقول وليس إلى عيون زرقاء وشعر أصفر، نحتاج توظيف مستشارين بالكفاءة وليس بالواسطة والمعارف، للأسف العلاقات أصبحت تنخر اختيار الكفاءات.

لقد شعرنا بالأسف للخبر المأساة الذي نشر قبل أيام بأن ديوان المراقبة يكشف عقودا استشارية مخالفة لجهات حكومية بـ 12 مليار ريال!

12 مليارا مبلغ كاف لراتب سنوي لأكثر من 14 ألف خبير سعودي براتب 60 ألف ريال شهريا! لا نريد أن يستغل عصر التطوير ورؤية 2030 لتنفيع الشركات الاستشارية، فرؤية 2030 شددت جدا على المحاسبة، وأيضا على خلق الكفاءات، وهذا الهدر يتنافى مع الأهداف العليا لرؤية ولي العهد.
 
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/08/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد