التقارير

تقرير خاص: ارهاصات التغيير تتفاعل.. علمانية #المملكة: أمر محتوم أم خيار مفترض؟


  مالك ضاهر ..

"المرأة السعودية قد تقود الطائرات قريبا ..."، هكذا تتحدث بعض المصادر في المملكة عما ينتظر البلاد من انفتاح غير مسبوق بعد قرار الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في خطوة ضربت بعرض الحائط كل الحجج والتبريرات التي كانت تسوقها الشخصيات الدينية منذ عشرات السنين وحتى الأمس القريب، وبلحظة واحدة سقط المحظور وكأن شيئا لم يكن.
 
ولا تحتاج المسألة لكثير من التساؤلات عن أسباب مثل هذا القرار ولا عن سر انقلاب الصورة لدى شخصيات دينية طالما هللت وطبلت لمنع قيادة المرأة بينما اليوم نراها تمجد قرارات القيادة وتتحدث عن أهمية ذلك على المجتمع وفي الإستراتيجية السعودية للمستقبل، وهنا "مربض الفرس" حيث تُظهر التطورات أن المسألة لا تتعلق بقيادة طائرة أو مركبة إنما تتعلق بأمور أبعد وأعمق ترتبط بمستقبل البلاد وبشكل أدق أكثر تتعلق بمستقبل بعض الأشخاص في قيادة المملكة، فهذا البعض مشروعه الانتقال من صورة الدولة الدينية التي اصطبغت بها المملكة منذ قيامها إلى صبغة جديدة قد تكون "العلمنة" التي يتحدث عنها البعض هي مثالها الأوضح حتى الآن، اللهم إلا إذا كان هناك بعض النماذج الأخرى التي لم تظهر إلى العلن حتى الساعة، إلا أن كل ما يجري يوحي ويجزم بحصول تغييرات كبيرة في بنيان وشكل الدولة السعودية.
 
القيادة السياسية السعودية.. الأمر لي!!

 والأكيد أن الخروج من الصورة الدينية المتشددة دونها رؤوس ستسقط وتتهاوى أو بالحد الأدنى ستختفي عن المشهد العام في البلاد، باعتبار أن دورها قد أفل وانتهى حتى إشعار آخر، ومن هذا المنطلق يمكن فهم استمرار موجة الاعتقالات في صفوف الدعاة والمشايخ من السلفيين والوهابيين الذين كانوا حتى الأمس القريب أصحاب رأي وحظوة لدى القيادة في المملكة، إلا أن في الأنظمة القائمة على الرأي الواحد والتي تتعاطى بأسلوب بوليسي لا يمكن الركون في مكانة ما إلى الأبد.
 
وبالسياق، تشير مصادر مطلعة إلى "انتهاء الثنائية التي كانت قائمة في المملكة تاريخيا والمتمثلة بالمؤسستين السياسية والدينية، فالأمر اليوم بات حصرا للمؤسسة السياسية وانتهاء الشراكة بين الطرفين"، وأكدت أن "النظام السياسي في المملكة هو نظام ملكي مطلق وإن كان يسمح في السابق أو في بعض الأحيان للمؤسسة الدينية باتخاذ بعض المواقف بما يتوافق مع رغباته وبما يخدم سياساته"، ولفتت إلى أن "كل السلطات والصلاحيات في هذا النظام باتت اليوم موجودة بيد شخص واحد بهدف التمهيد لوصوله لعرش المملكة".
 
مستلزمات المرحلة المقبلة.. والتغييرات الضرورية

وأوضحت المصادر أن "ما يتخذ من قرارات في مختلف المجالات سواء على صعيد قيادة المرأة أو التوجه لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف أو استمرار الاعتقالات لكل من قد يشكل خطرا في لحظة ما، كل هذه القرارات لم تكن مفاجئة بل هي متوقعة وستتواصل بهدف تلميع صورة المملكة أمام الغرب عامة والإدارة الأمريكية بشكل خاص"، وتابعت أن "ذلك يصب في خانة التأكيد أن من يقود المملكة يهدف إلى الانفتاح التام بما يوحي إلى تغييرات جذرية في المجتمع السعودي ما يسمح بالذهاب في مراحل أخرى إلى قرارات أخطر وأبعد في علاقات المملكة ومستقبلها".

 وهنا قد يشير البعض إلى أن العلاقة طالما كانت متميزة وقوية بين النظام السعودي والإدارات الغربية وبالتحديد الإدارة الأمريكية ولا مبرر للقيام بكل هذه التغييرات لنيل الرضا أو الصداقة مع هؤلاء، ليأتي الرد أن الغرب بات يريد من الأنظمة العربية والخليجية وبالتحديد النظام السعودي ما لم يطلبه سابقا ومن هذه الأمور على سبيل المثال العلاقة الطبيعية أو تطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، فمثل هذا الأمر قد يحتاج إلى تغيير بالابتعاد عن الدين باتجاه مذاهب أخرى بغية تمرير مشاريع بهذه الخطورة، الأمر الذي لا يحتاج أي معارضات من قبل المؤسسة الدينية، فالمسألة اليوم أكبر من قضية إعطاء المرأة حقوقها المهدورة لسنوات والتي ما زالت تحتاج إلى الكثير كي تنال مكانتها الطبيعية في المجتمع.

 

ما يحصل اليوم.. والعواقب الخطيرة

كما أن الجيل الصاعد في المملكة لا يحتاج إلى ما يمكن تسميته بالفريق القديم والمخضرم من الدعاة والمشايخ السلفيين والوهابيين إنما يحتاج إلى من هو مواكب له وحاضر لإصدار الفتاوى "غب الطلب" لتمرير سياساته، وبالتالي الحاجة باتت ملحة لأحداث تغييرات جوهرية في هذه المؤسسة الدينية كمقدمة ومدخل لتغيير من نفس الدرجة على المستوى السعودي العام.

وفي هذا الإطار، قال الناشط الحقوقي السعودي عادل السعيد إن "هيئة كبار العلماء مثل العجين بيد الحكومة السعودية تشكلها كيفما تريد"، وتابع "الدرس المهم الذي ينبغي على جميع المواطنين الالتفات إليه في قرار السماح بقيادة المرأة أن القرارات بيد الحكومة وليس هيئة كبار العلماء".

مع كل ذلك يجب على القيادة السعودية إعمال الحكمة والتنبه أن مجتمعا تقليديا كالمجتمع السعودي لن يكون من السهولة عليه التخلي عن كل الأعراف والعادات والأنظمة التي تربى عليها وترسخت عنده منذ عشرات السنين، وبالتالي سيكون بالتأكيد هناك ارتدادات مفترضة لأي محاولة تغيير خاصة إذا كانت تتم بهذه السرعة ومن دون تدرج أو تمهيد كما يحصل الآن، بل إن ردات الفعل قد تكون غاية في القساوة والحدة ما ينذر بعواقب خطيرة على المجتمع ككل.

أضيف بتاريخ :2017/09/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد