آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. حسن زيد بن عقيل
عن الكاتب :
كاتب و محلل سياسي يمنيrn

هل الوساطة العمانية قادرة على إعادة العقلانية للتحالف السعودي الإماراتي؟              


د. حسن زيد بن عقيل

من يظن أن الصراع الحالي في اليمن بدأ عندما سيطرت جماعة أنصار الله على العاصمة صنعاء عام 2014 ، مما أدى إلى فرار الرئيس هادي وأعضاء حكومته إلى الرياض وأبوظبي و هرعت جيوش جيران اليمن الإقليميين لإنقاذه بحسب تصريحاتهم ، كان مخطئًا . هذه الرواية تكشف فقط عن عدم مصداقية وسائل الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي . الحرب الحالية في اليمن ليست حربًا بالوكالة ، والاتهام الذي وجهته الرياض وأبو ظبي في بداية الحرب ضد الحوثيين بالاستيلاء على السلطة بدعم من إيران ، هو دعاية مضللة ولم يتم التحقق منها. كان اليمن يمر بأزمة معقدة وقديمة. تاريخ اليمن مليء بالصراع والتنافس على مراكز القوة . و تسبب في زعزعة استقرار الشعب اليمني وأغرقه في الحيرة و المجهول. مع نهاية الحرب الباردة ، ظهر تقارب بين جانبي اليمن . هذا مع اقتراب كل منهما من الإفلاس المالي ، فضلاً عن تعميق الانقسام الداخلي في الشطرين الذي لا يمكن التغلب عليه بالكامل . بعد أربع سنوات من الوحدة ، حاول الجنوب الانفصال عن الشمال 1994. في النهاية افشل الرئيس صالح عملية الانفصال و استمرت الوحدة .
 لماذا الوساطة العمانية:
اليمن بعد توحيد 1990 تعهدت الجمهورية اليمنية باحترام دستور الوحدة ، وفقا للمادة 4 من دستور الوحدة لعام 2001 ( بصيغته المعدلة ) ، الشعب هو صاحب السلطة ومصدرها ويمارسها مباشرة من خلال الاستفتاءات والانتخابات العامة ، وكذلك بشكل غير مباشر من خلال الهيئات التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ومن خلال المجالس المحلية المنتخبة . ما حدث بعد الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي عام 2011 ومنها اليمن ، وهددت بسقوط حكومة الرئيس صالح وخطر الانزلاق إلى حرب أهلية ، يمكن أن تحول اليمن إلى جار ” دولة فاشلة ” ، وهذا يتعارض تمامًا مع المصالح الأمنية السعودية والأوروبية . الحرب الأهلية في اليمن تقوض المصالح السعودية على المدى المتوسط والبعيد وعلى نطاق أوسع في شبه الجزيرة العربية ، وفي حالة التصعيد يمكن أن يهدد أيضًا بشكل مباشر موقع قوة العائلة المالكة وبالتالي استقرار المملكة . لمنع اليمن من الانزلاق إلى حرب أهلية ، جاءت  مبادرة من مجلس التعاون الخليجي لمنعها. هذه المبادرة ، التي تقودها السعودية بشكل أساسي بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبدعم من الأمم المتحدة ، تتكون بشكل أساسي من العناصر التالية :
استقالة صالح مقابل حصانة جنائية وتعيين نائبه عبد ربه منصور هادي رئيسا للدولة.
تشكيل حكومة وحدة وطنية من النخبة السياسية السابقة التي تولت السلطة في عهد الرئيس صالح ، بالاشتراك مع عناصر من أحزاب المعارضة العاملة في عهد الرئيس السابق.
وضعت مبادرة مجلس التعاون الخليجي خطة مفصلة للمرحلة الانتقالية ووضعت آلية للتنفيذ. أصبح نائب الرئيس هادي رئيس المرحلة الانتقالية . وشكل حكومة انتقالية تتألف بالتساوي من أعضاء المؤتمر الشعبي العام وممثلي المعارضة ، بما في ذلك حزب الإصلاح . ونصت آلية التنفيذ على البداء ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني الذي عقد برعاية الأمم المتحدة بين مارس 2013 ويناير 2014 في صنعاء وكانت مهمته الأساسية صياغة دستور جديد. فشل مؤتمر الحوار الوطني في النهاية لأنه  كان وهم غامض وغير قادر على  كبح  الصراعات على السلطة مع سوء الإدارة و فساد (النخب القديمة) . علاوة على ذلك ، تم استبعاد رموز وممثلي حركة الاحتجاج  الثوري من الهيئات الانتقالية أو كان تمثيلهم ناقصًا بشكل واضح . على الرغم من أن هذا لم يؤثر فقط على الحوثيين ، الذين اشتبهت السعودية منذ بداية الانتفاضة أنهم يتلقون الدعم من إيران . ومع ذلك ، كان هذا الإجراء السعودي خطيرًا بشكل خاص في حالة أنصار الله ، الذين وسعوا في الماضي قدراته العسكرية بشكل كبير واكتسبوا سيطرة شبه مستقلة في صعدة والمحافظات المجاورة خلال الاحتجاجات . ساهم تهميش الحوثيين في تصعيد الصراع . ايضاً تم تهميش الحراك الجنوبي في مفاوضات مبادرة الخليجية . في 14 نوفمبر 2014 ، تجمع آلاف من أنصار الحراك الجنوبي في ساحة الاعتصام في عدن للمطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال . منح الحراك الجنوبي الحكومة اليمنية بقيادة هادي من منتصف أكتوبر 2014 حتى نهاية نوفمبر 2014 لسحب جنودها وموظفيها من الجنوب وإعادة  السلطة  إلى الجنوبيين . لم  تعلق مبادرة  الخليجية  أي أهمية على قضية الجنوب.
بسبب  المواقف  الخاطئة لمبادرة مجلس التعاون الخليجي ، وضعف وفشل إدارة الرئيس هادي ، تم تشكيل تحالف هش بين جماعة أنصار الله وأنصار الحراك الجنوبي والداعمين السلبيين للحراك الجنوبي مع أنصار الرئيس السابق صالح ، الذي استخدم شبكته القوية ، ولا سيما نفوذه على الكثير من الحرس الجمهوري المجهز تجهيزًا جيدًا ، أستطاع هذا التحالف من دخول العاصمة صنعاء في نهاية سبتمبر 2014 ، بهدف القضاء على قوة النخبة القديمة الفاسدة ، التي حافظت على مواقفها السابقة ، وأعادت إنتاجها وزرعها حول الرئيس المؤقت هادي وحزب الإصلاح . بعد أن سيطر تحالف الحوثي- صالح على صنعاء ، تمدد جنوباً. قاومت القوات الموالية للحراك الجنوبي ، بالتحالف مع القوات الموالية للرئيس هادي – حزب الإصلاح ، تمدد تحالف الحوثي- صالح وطردته من محافظة عدن في 17 يوليو 2015 ، ثم أصبحت مدينة عدن عاصمة مؤقتة .
نفذت القوات الجوية الملكية السعودية في 26 مارس 2015 قصف جوي مكثف على مواقع لمسلحي جماعة أنصار الله و حلفائهم . كان هذه أعظم حماقة يرتكبها السعوديون ، فهم  بدل إضعاف  الحوثيين  في عملية  القصف الجوي ، حصل العكس ، أدى عملهم العسكري إلى تعزيز مواقعهم . وبالمثل ، بدلاً من العمل على صد النفوذ الإيراني المزعوم ، منحت الحرب طهران الفرصة لممارسة نفوذ حقيقي.
 الوسطاء الفعالون والمبادرات الإقليمية
من بين المنظمات الإقليمية الناشطة في اليمن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ، وكذلك الأمم المتحدة وفروعها التي تعمل بالشراكة مع الدبلوماسية الأمريكية البريطانية. لكن موقف المنظمات الإقليمية غالبًا ما يكون مخجلًا . تدل الأحداث الأخيرة على التزام حكام دول الخليج الصغيرة بتنفيذ المخططات الصهيونية والأمريكية لتدمير أي تجربة تحرر ديمقراطي في أي دولة عربية ، بما في ذلك اليمن . لنرى ما كتبه الدكتور أحمد الخطيب من رجالات الكويت الذين ضحوا بأنفسهم من أجل بناء الدولة الحديثة ، قائلاً : تجربة المجلس التشريعي التي حدثت في الكويت في العام 1938- 1939  في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح تم سحقها قسرا على يد أحمد الجابر بمساعدة قبائل مرسلة من السعودية لمعاقبة وترهيب المؤيدين لهذه التجربة كما نرى موقف هذه الدول في سوريا و العراق وليبيا وفلسطين واليمن . هل هم  مؤهلون للوساطة مع تلك النوايا السيئة ؟
أما بالنسبة للمنظمات الدولية حدث ولا حرج : المؤسسات القانونية والثقافية والأمنية والاقتصادية للأمم المتحدة هي أقرب إلى كونها مؤسسات ربحية تجارية هدفها الأساسي كسب المال وترتبط بالدول المانحة. على سبيل المثال ، في عام 2016 ، سحبت الأمم المتحدة السعودية من القائمة السوداء لمرتكبي الجرائم ضد الأطفال ، تحت تهديد السعودية بقطع التمويل ، وقال مراقبون إنها دفعت الثمن وحصلت على موافقة أمريكية . هذه الممارسات تبرر الجاني و تدين الضحية. لذلك ، كانت محاولات وساطة الأمم المتحدة في اليمن أقل نجاحًا.
أما الدبلوماسية الأمريكية البريطانية ، فقد أظهرت التجارب التاريخية أنها تقوم على فرض هيمنة وتفوق الكيان الصهيوني . وعدائها الصريح لأي عمل نهضوي  ومدني وسلمي في منطقة شرق قناة السويس حتى أفغانستان . لذلك فإن الوساطة العمانية هي آلية سلمية مناسبة لحل النزاع بين السعودية واليمن ، بسبب الارتباط العرقي والديني والتاريخي بين هذه الدول الثلاث (عمان – اليمن – السعودية).
تتميز الوساطة العمانية  بعدد من المزايا أهمها:
1- البساطة والمرونة والسرية وترك الحرية الأطراف والوسيط للالتزام بالقانون . فالسلطنة لديها خبرة ، على سبيل المثال ، دورها في الحوار الإيراني ـ الأمريكي بشأن البرنامج النووي الإيراني .
2- السرعة والتكلفة ، وتجنب وساطة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والغرب ، و الإتعاظ والاستفادة من الدرس القاسي من دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في سوريا وليبيا وما الذي دفع لبنان في «قضية الحريري» وماذا سيدفع السودان في «قضية البشير»؟ ….
3- يساعد الوسيط العماني في تخفيف حدة الغضب من خلال توفير المناخ المناسب لعملية التفاوض . ستركز الوساطة العمانية على مصالح الجانبين اليمني والسعودي ، وستحذر عمان الأطراف من عواقب عدم التوصل إلى اتفاق . مصالح الجانبين جزء من مصلحة عمان خاصة في المحافظات الحدودية اليمنية (المهرة وحضرموت وجزيرة سقطرى).
4 – كما أعلم أن الوسيط العماني يستخدم حتى الآن تقنيات الاستماع الفعال ، ويستخدم كلمات متوازنة لخلق جو مناسب للأطراف للاستماع لبعضهم البعض . تشجيع الأطراف على بذل جهود فعّالة لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلة . عمان لا تتحدث عن الآخرين ولا تقدم اقتراحات أو حلولاً تحدد من هو على صواب ومن على خطأ ، مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والغرب.
 عواقب عدم الوصول إلى اتفاق
وكان المتحدث باسم أنصار الله ، السيد محمد عبد السلام ، قد أشار في وقت سابق إلى استمرار جهود الوساطة العمانية في الشأن اليمني ، لكنها حتى الآن لم تحقيق أي نتائج . عمليا أي وساطة في حرب اليمن  ستكون معقدة لأن الصراع يحدث على مستويات متعددة . لذلك ، فإن بناء السلام مهمة معقدة تبدأ بعدة عوامل ، منها نضوج الصراع ، أي رغبة المتحاربين في إنهاء القتال ، فضلاً عن ثقل علاقات القوة بين الجماعات المتصارعة . دعونا لا ننسى تأثير السياقات الإقليمية والدولية على بناء السلام في إطار ” أجندة السلام ” وعلى تحويل السلام إلى أداة داعمة للمجتمعات في بناء مؤسسات قوية تعمل ليس فقط على إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار و استكمال عملية السلام ، ولكن أيضًا لمنع عودة ظهور العنف مجدداً .
كما أشرنا ، تلعب دول المنطقة دورًا أساسيًا في تحويل الصراع من خلال امتلاك العديد من الأدوات ذات الصلة. روابط عبر الإقليمية مع نخبة مؤثرة في عملية السلام وتساعد في إيجاد أدوات للحد من التصعيد. عادة ما تشترك دول المنطقة في المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية التي يمكن من خلالها استخلاص الاستراتيجيات المشتركة لعملية السلام .
الآن تدفع السعودية ثمن ما كانت تمارسه منذ عقود من خلال ” اللجنة الخاصة ” التي حاولت تحويل اليمن إلى شأناً سعودياً . من خلالها ، دفع مبالغ سرية للنخب اليمنية لتأمين النفوذ السعودي و إضعاف سيطرة سلطة الحكومة المركزية اليمنية بدلاً من تقويتها. أدت هذه الممارسات إلى تسريع انهيار الدولة بشكل كبير. سيكون لوجود دولة فاشلة قريبة من المملكة تداعيات خطيرة على اثنين من المصالح الأمنية المركزية للسعودية : القتال ضد القاعدة وأمن الحدود السعودية . بالتأكيد ستعمل الجماعات المسلحة والعنيفة على أراضي الدولة اليمنية الفاشلة وتحكمها متى شاءت ، وهو السيناريو الأكثر خطورة من وجهة نظر حرس الحدود السعودي ، خاصة وأن القاعدة في شبه الجزيرة العربية موجودة . إن تزايد الفراغ والضعف في سلطة الشرعية والسلطة الانتقالية بسبب تفكك التحالف السعودي الإماراتي هو أحد الأسباب المهمة لتطور وتوسيع نفوذ الإرهاب. مع تقوية القاعدة والضعف المتزامن للدولة اليمنية ، تزداد قدرة التنظيم على مهاجمة العائلة المالكة داخل وخارج المملكة العربية السعودية وزعزعة استقرار البلاد من خلال الهجمات.
كما أن للحرب تداعيات على مالية الدولة السعودية ، فهي ثاني أكبر مستورد للأسلحة ، ويواجه  مواطنو  السعودية  معدلات  بطالة عالية ، بالإضافة إلى أن الحرب تهدد الأمن الداخلي ، مما قد يكون له تأثير رادع على المستثمرين المحتملين . كذلك على السائحين و هذه مجرد أمثلة قليلة لتأثيرات الحرب.
أخيرًا ، تجدر الإشارة إلى أن الغرض المحدد للحرب ( 2015 ) هو زيادة هيبة المملكة ، وزيادة سمعتها ، وزيادة الثقة بها كقوة إقليمية. لكن لا مجال للشك ، فالواقع يشير إلى عكس ذلك. إن تصاعد الصراع بين السعودية والإمارات على تقطيع أوصال اليمن واحتلال أراضيه ونهب ثروته يقوض بشكل متزايد سمعة الرياض في المنطقة ، قد يؤدي هذا قريبًا إلى وقوع المملكة ، التي تدعي أنها القوة الحامية لجميع المسلمين (السنة) ، في جدل خطير .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2021/08/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد