التقارير

#تقرير_خاص : ما سبب الخلاف الحقيقي بين #السعودية و#أمريكا ؟

 

رائد الماجد...

 يكثُر الحديث عن استعار الخلافات بين “السعودية” والولايات المتحدة الأمريكيّة في الفترة الأخيرة. مرد هذا التوتر المستجد إلى رفض الرياض زيادة إنتاج النفط في ظل اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وانعكساتها على أسعار النفط، تطلب واشنطن من الرياض زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، فيما ترفض الأخيرة الاستجابة لهذا الطلب، معلنةً تمسّكها باتفاقية “أوبك بلس”، فما هي خلفيّات هذا القرار وإلى أي مدى يمكن أن تمضي “السعودية” فيه؟  

تصدّر الخلاف السعودي الأميركي عناوين الصحف الأمريكية في الفترة الأخيرة، إذ كشفت “واشنطن بوست” عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة و”السعودية” والإمارات في أعقاب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، نتيجة عدم رغبة الإمارات و”السعودية” في زيادة إنتاج النفط بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة. الصحيفة بيّنت أسباب أخرى للخلاف، تكمن في أن إدانة موسكو من قبل البلدين لم يكن بالمستوى المطلوب، وأخرى لها علاقة بفشل إدارة بايدن في الرد بشكل حاسم، على الهجمات الصاروخية المستمرة على “السعودية” والإمارات من قبل أنصار الله. بالإضافة إلى رغبة واشنطن في توقيع اتفاق نووي جديد مع طهران لا يتصدّى “للعدوان الإيراني” في المنطقة، بحسب تعبير الصحيفة. 

صحيفة “وول ستريت جورنال” ذهبت أبعد من ذلك، وتحدثت عن دراسة “السعودية” في الوقت الحالي قرار بيع النفط للصين باليوان وليس الدولار الأمريكي. أيضاً كشفت عن “استقبال حار” خلال زيارة مرتقبة للرئيس الصيني “جين بينغ” إلى الرياض، في مسعى لتعزيز العلاقات بين البلدين، قاربتها باستقبال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الرياض عام 2017.  

الواقع أن العلاقات السعودية الأمريكية أعقد من أن تتضرّر على خلفية رفض الرياض زيادة إنتاج النفط، كون الرياض في الأصل لا تملك خيار التمرّد على قرارات واشنطن، وفي ملف النفط تعرف مدى خطورة المسّ بهذا السوق الأمريكي، والأهم تعلم “السعودية” جيداً ماذا يعني أن تتخلّى الإدارة الأمريكية عنها، إذ لا تزال البلاد تحيا في عصر معادلة “النفط مقابل الحماية” التي تحدّد أطر العلاقات السعودية الأمريكية منذ لقاء عبد العزيز ـ روزفلت عام 1945. وهي المعادلة التي تجعل النظام السعودي قائماً حتى الآن، وإلا لكان أُزيل عن الخارطة وانتهى منذ زمن، كونه نظام غير مرن يفتقد لمقوّمات التقدّم والاستمرار، أضف إلى أنه غير شرعي، لا يمثّل إرادة الشعب، إنما فُرض عنوةً على شبه الجزيرة العربية.    

 أما بالنسبة لبيع النفط للصين باليوان، فربما تبدأ تداعيات مثل هذه الخطوة من الإطاحة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما لا يمكن أن يغامر به الأمير الصاعد نحو العرش باندفاع. علاوةً على ذلك، الصين نفسها لا تجرؤ على تجاوز حدودها أمام الولايات المتحدة التي تحتكر السوق السعودي، من الناحية التجارية، والاقتصادية، والنفطية، والعسكرية. فقد سبق وظهر أن صفقات السلاح التي أبرمتها “السعودية” مع كل من الصين وروسيا لم تكن أكثر من صفقات إعلامية، لا وجود لها على الأرض. ومرد ذلك إلى أن “السعودية” بالنسبة للإدارة الأمريكيّة هي سوق مفتوح يحظى بحراسة أمريكية شديدة.

إذاً الكلام عن بيع النفط باليوان غير واقعي، لأن اتفاقية البترودولار التي وُقّعت بين الجانبين السعودي والأمريكي عام 1932 عميقة التمدّد في جذور العلاقات القائمة بينهما. ينسحب ذلك أيضاً التواصل السعودي الإيجابي مع روسيا وسط مناشدات واشنطن بقطع العلاقات مع موسكو على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. وبدلاً من ذلك، أبدى محمد بن سلمان دعمه للجهود التي تؤدي إلى حل سياسي يتيح إنهاء الحرب ويحقّق الأمن والاستقرار، مؤكداً أن الرياض على استعداد لبذل الجهود للوساطة بين كل الأطراف. وواقع الأمر أن علاقات “السعودية” مع روسيا، هي أكثر تقلّصاً من العلاقات مع الجانب الصيني، فهي شديدة الإضطراب نتيجة تقلّص المصالح بين الطرفين، ومن جهة أخرى بفعل الضغوطات التي تتعرّض لها “السعودية” من قبل الولايات المتحدة.  

وبالتالي، ليس بوسع الرياض المسّ بالمصالح الأمريكية في “السعودية”، لكنها على الأرجح، ترسل رسائل سياسيّة إلى واشنطن عبر بكين تارةً وموسكو تارةً أخرى، مفادها إعادة العلاقات بين الطرفين كما كانت عليه في عهد ترامب، خاصّة وأن محمد بن سلمان يشعر بالاستياء من عدم استعداد بايدن لعقد اجتماع معه وجهاً لوجه، سواء شخصياً أو عبر الهاتف، بعدما تصدّعت العلاقات في أعقاب اغتيال الناشط جمال خاشقجي.

أكثر من ذلك، الاستياء السعودي من الولايات المتحدة يتصاعد منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي حدّد أولويات واشنطن بعيداً عن حماية الشرق الأوسط وإمدادات النفط، لكن الضرر الأكبر بدأ عندما راح بايدن يهاجم “السعودية”، ووصفها بأنها “دولة منبوذة”. في وقت لاحق، أزال الرئيس الأمريكي صواريخ “باتريوت” التي تحمي المنشآت النفطية من هجمات القوات اليمنيّة، وسعى لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، وأزال “أنصار الله” من قائمة “الإرهاب”، كما يسعى حالياً لرفع الحرس الثوري الإيراني من هذه القائمة. كل تلك الإجراءات أغضبت السعوديين وجعلتهم في حاجة لإعادة استرجاع العلاقات مع واشنطن كما كانت عليه خلال الألفية الماضية. ولذلك، في ظل هذا التداخل المعقّد بطبيعة تكوين العلاقات السعودية الأمريكية من الصعب الحديث عن خلاف حقيقي ودائم يترتب عليه تصعيد بشكل من الأشكال، غاية الأمر أن الرياض تحرّك أوراق النفط لإثارة مخاوف واشنطن وتحقيق مطالبها.

أضيف بتاريخ :2022/04/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد