آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
شافي الوسعان
عن الكاتب :
كاتب سعودي (الشرق سابقاً - الوطن حالياً)

فتاوى موقوتة

 

شافي الوسعان ..

 موضوع قيادة المرأة، ورغم بساطته ووضوحه وإمكانية تعدد الآراء فيه، إلا أن بعض الإخوة الطيبين لم يرق لهم هذا الموضوع عندما كتبت عنه، فصار بعضهم يحتسب مباشرة أو عبر الجوال ومن خلال أرقام معروفة وغير معروفة، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، كما طالب البعض منهم عدداً من المواقع التي أعادت نشر المقال بعدم نشره أو الترويج له، وأن الواجب عليهم ألا ينشروا شيئاً مخالفاً لشرع الله! طبعاً المقصود بشرع الله هو شرعهم القائم على ضغط الدين وتضييقه بما أدى إلى انحسار فضاءاته الرحبة والتعسير على الناس، فهم قد دأبوا على إرهاب الناس ووعيدهم عندما يأخذون الفتوى من خارج مشايخهم (الثقات)! أو يميلون إلى فتاوى غير متشددة، بما جعل البحث عن البدائل من التطبيقات والممارسات المخالفة لأولئك المشايخ نوعاً من البحث عن الرخص وتمييع الدين! مع أنهم سدوا على الناس كل منافذ المباحات وتوسعوا في دائرة المحرمات، فكلما وجدوا سعة في الدين عملوا على تضييقها، وكلما وجدوا فرجة عملوا على سدها، حتى صار الأصل في المعاملات عندهم التحريم بدلاً من التحليل، ما أنتج جيلاً من الشباب ينزع إلى التشدد ولا يؤمن بحق التنوع والتعدد والاختلاف، فلا يعجبه من رجال الدين إلا المغالين المتشددين، وصار الشيخ عندهم ثقة ثبتاً بمقدار تشدده وتضييقه وتقوقعه على نفسه؛ بغض النظر عن صحة أدلته وسلامة استدلاله، فكل دليل يقود إلى رأي غير متشدد هو في نظرهم تمييع وضلال واتباع هوى، قد يحتاجون معه إلى تحكيم العادة، فيحتجون على الناس بمثل ما كان يُحتَجُّ به على الرسول الأكرم عليه السلام: (إنَّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)، مع أن العادة ليست مصدراً في الحكم على الأشياء، فمن نشأ في مجتمع يرى أن الموسيقى حرام سيفته قلبه بأنها حرام، ومن نشأ في مجتمع يرى أنها حلال سيفته قلبه بأنها حلال! كما أن الحديث عن تحريم الغناء في بلد كتونس سيعرِّض صاحبه لوصمة الاتهام بالجنون ولربما نصحوا أهله بالذهاب به إلى أقرب مصحة نفسية، على العكس تماماً من إباحة الغناء في بلد كأفغانستان، فلربما كانت سبباً في تكفيره وإقامة حد الردة عليه!

 

يصعب على المجتمعات في العادة أن تتحرك ما لم تكسر بعض العادات والتقاليد، وكثيراً ما يكون التحرك بطيئاً حين يتم خلط المقدس بغير المقدس، فكل المجتمعات – تقريباً- تتشابه في ذلك خصوصاً حين يكون لها التركيب الاجتماعي نفسه، وهي لا تختلف في طريقة تحولها بقدر ما تختلف في سرعته، كما أن مقاومتها الشديدة لا تمنع التحول؛ بل تؤجله، فالمتابع لطريقة التحول الاجتماعي في العراق مثلاً سيجد أنها مرت بذات المراحل التي مرت بها السعودية، إذ هي في العادة تبدأ بالتعصب للأشياء وإلباسها ثوب الدين، ثم تتحول تدريجياً إلى حديث عن مؤامرة وتغريب، ثم يظهر في المجتمع أفراد قلائل يكسرون تلك العادات والتقاليد، وعندما تتزايد أعدادهم مع الوقت ينتهي الحال بالمجتمع إلى قبول هذا التحول، وهنا يبدأ المعارضون في خلق المبررات، فيكونون أكثر انغماساً من غيرهم في حياتهم الجديدة، ثم يبدأون التعصب لها كما تعصبوا ضدها، ففي بداية تعليم المرأة في العراق حدثت مقاومة شديدة تحذر من هذه الكارثة التي ستحل بالناس وتخرجهم من دينهم، حتى أُلفت في ذلك الكتب المحذرة من التعليم عموماً وتعليم المرأة على وجه الخصوص، مثل كتاب (السيف البتار في الرد على الكفار الذين يقولون المطر من البخار)، وكتاب (الإصابة في منع النساء من الكتابة) لفقيه بغدادي معروف اسمه الآلوسي؛ وقد جاء في هذا الكتاب: "فمثل النساء والكتب والكتابة كمثل شرير سفيه تهدي إليه سيفاً، أو سكيراً تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى، فهو أصلح لهن وأنفع"، وقد لا أحتاج إلى اجترار بعض الفتاوى المشابهة لهذه الفتوى والمصاحبة لبداية تعليم المرأة في السعودية، اختصاراً للوقت ومن باب الستر أيضاً!

 

قلت لأحد الأصدقاء في حوارنا عن مقال (حتمية قيادة المرأة): ليس من الحكمة أن تصدر فتاوى متشددة جداً في قضية خلافية بسيطة مثل هذه القضية، لأنها محسومة في نظري، وسيتم الإذعان لها عاجلاً أم آجلاً، كما أن الأدلة المجيزة لذلك أقوى وأوضح من تلك المحرمة، فضلاً عن كون هذا الأمر يكاد يكون محسوماً في نظر السواد الأعظم من المسلمين، وقد كان الأولى ببعض علمائنا الأفاضل ألا يبالغوا في التشدد ضد هذا الأمر، لأن هذه الفتاوى أشبه ما تكون بقنابل موقوتة، من الممكن أن تنفجر في وجه أصحابها في أي وقت، فحين تتغير المعطيات وترى الدولة أهمية العمل بما هو مخالف لتلك الفتوى فسيجد أولئك الفضلاء أنفسهم في حرج شديد، وسيكونون بين خيارين، إما الرفض، وهذا سيقود بعض المتعصبين إلى الصدام مع الدولة في قضية خلافية، لا يجوز الإنكار فيها أصلاً، فضلاً عن المبالغة في رفضها، بما يؤدي إلى إشعال الفتنة بين الحكومة والناس، وفي ظني أن هؤلاء العلماء لو تمعَّنوا في هذا الأمر قليلاً لما استعجلوا في إطلاق بعض الأحكام، وإما أن يقبل هؤلاء العلماء بقرار الدولة، وهذا سيزعزع ثقة الشباب فيهم، وقد يضطرهم إلى أخذ الفتوى من علماء آخرين أكثر تشدداً بعد أن تتغير في نفوسهم قيم كثير من الأشياء ومعايير كثير من الأحكام، وأقدار كثير من الناس.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/05/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد