قصة وحدث

قصة وحدث: للصلاة حماة ’29 مايو’

 

لَبِس الإرهابي عباءة العار والحقد الذي تلقاه من تعاليم أساتذته في التكفير والحقد على الآخرين، ثّٓبٓت حزامه الناسف الذي كان مخططا له أن ينفجر وسط بيت من بيوت الله، واستقل سيارة الإرهابي مع اثنين من رفاقه في الإرهاب الطائفي ليتوجهوا لمسجد الإمام الحسين عليه السلام بحي العنود بالدمام، كان يوم الجمعة 29مايو 2015م واستعداد المؤمنون للصلاة الجمعة هو سيد الموقف.

 

ثغور على أبواب المساجد

 على جانب آخر، رغم أن القائمين على المسجد لا يعلمون بما يخطط له التكفيريين إلا أنهم أخذوا احتياطاتهم بعدم حضور النساء للمسجد وأحاطوا  منافذه بالحواجز، ومتأهبين بكل عزم وثبات لمواجهة أي محاولة غادرة.

وعلى خطوط التماس ثبت ثلاثة من الشبان بوجوه بشوشة، مشرقة بالابتسامة، يراقبون الوضع ويفتشون كل شخص يأتي قاصداً للمسجد، كانت الحماسة بادية على وجه كلا من محمد الأربش وشقيقه عبدالجليل ومحمد البن عيسى في الذب عن المصلين كل أذية وكل سوء دون رهبة، متوكلون على الله وإن أدى ذاك إلى الشهادة والموت في سبيل الله.

 

أما الإرهابي كان يسير في طريق الموت متنكراً بزياً نسائياً، أخذ يمني نفسه بالحور العين وبالنعيم الذي يعتقد أنه سيلقاه نظير قتله للمصلين في مسجد يذكر فيه اسم الله ويعبد، بينما رفاقه يشرعون له ما سيقدم على فعله معتبرين أن أعمالهم المشينة التي لا تمثل الدين القويم، بأنها عمل يرضي الله عز وجل!.

 

استعداداً للقاء الله ..

في هذا الوقت، كان ثمة من يستعد لنداء الجمعة ولبس أفضل ملابسه وتعطر بأطيب العطور المادية والمعنوية، السيد هادي الهاشم الذي كان لايفوت عليه فضيلة الذهاب للمسجد وفضل الصلاة الجمعة، فجهز ابنه وانطلقا معا بخطوات متلهفة وكأنهما على موعد مع الحبيب، وعند البوابة سلما أنفسهما طواعية، برحابة صدر،  لحماة المسجد- الشبان الثلاثة- لإجراء عملية التفتيش، كان كل شخص يأتي قاصدا لدخول المسجد لابد أن يمر بعملية التفيش كبيرا كان أو صغيراً معروفاً أو غير معروف أين كانت مكانته ومنزلته ووجاهته لابد أن يخضع لتفتيش..وذلك حماية للكافة المؤمنين والهدف كان واضحاً للجميع فجرح مسجد الإمام علي بالقديح كان من قريب، ولازال ينزف جراء التفجير الإرهابي التكفيري الغاشم .

 

لحظات الاشتباك ..

ها قد ارتفع صوت الأذان في المسجد الوحيد للشيعة في مدينة الدمام، والذي تم بناؤه عام 1407 للهجرة، الصلاة جمعة حيث شرع  السيد علي ناصر السلمان في الخطبة، أثناء ذلك وعلى الشارع المحاذي للمسجد وصلت مركبة الإرهابي لهدفها المنشود والمخطط له، وترجل الإرهابي من المركبة بلباس نسائي، وأخذ يمشي بخطوات متثاقلة للمسجد بسبب الحزام الناسف الذي على خصره حتى وصل بالقرب من البوابة وحاول الدخول إلى قسم النساء الذي كان مغلقاً لتحسب أي حادث ، وهو الأمر الذي اتخذته العديد من إدارات المساجد حيث أغلقت مصليات النساء مؤقَّتًا لحين اتخاذ خطة أمنية مناسبة بعد هذا التفجير الشنيع.

في تلك الأجواء من التخبط والإرباك التي باتت على الإرهابي المتنكر، أثار حوله الريبة والشك في تلك اللحظة الحاسمة استشعر حماة الصلاة خطر هذا الوحش البشري المتنكر، فقادتهم فطنتهم إلى أنه أحد التكفيريين الذين يريدون سوءا بالمسجد وبالمصلين فهبوا مسرعين نحوه. شاهد السيد هادي المشهد قبل دخوله المسجد فترك ابنه مع عمه وانطلق مسرعا ليساند الحماة.

 

كان الإرهابي قد هرب إلى جهة مواقف السيارات، وهناك لم يرى نفسه إلا محاصرا من قبل محمد الأربش وَعَبَد الجليل و محمد البن عيسى ليكمل الحصار السيد هادي الذي حاول الإمساك بيدي الإرهابي لكي لا يضغط زر التفجير.

 

شهادة عز..

ماكان من الإرهابيين الأخريين من معه إلا  تفجير حزام الوحش البشري المتنكر عن بعد في الشارع وسط حماة الصلاة، لترتقي أرواحهم  إلى بارئها. كانت إرادة وصمود وتضحية هؤلاء الشباب فدت أرواح المصلين الذي لو تمكن هذا الإرهابي من دخول المسجد لكانت مجزرة إنسانية قد حلت.

على صوت دوي الانفجار الآثم اعتلت أصوات التكبير، تكبيرات تعلن بأن بغي التكفيريين لن ينال من المؤمنين برسالة السماء السمحاء، وإن إرهاب التكفيريين إلى زوال واضمحلال.

 

أجساد متناثرة ..وقلوب مستبشرة ساجد لله ..

خرج المصلون من المسجد ليس كما دخلوه فتحولت المكان المبتسم والمشرق إلى دخان ودماء وأشلاء أجساد للتو كانت تمازح الحضور وتداعب الصغار والكبار .. تناثرت الأشلاء إلى مسافات بعيدة وتفتت الأجساد قطعا دون أن يتم التمييز بين قطع اللحم المتناثر لأي جسد، وتهافت المصلون إلى مكان الانفجار الهائل، والذي لم يكن يتخيلوه أن يحدث حزام ناسف كل هذا الدمار.

راح بعض الأهالي والجهات الأمنية التي حضرت بعد التفجير يجمعون الأشلاء قطعة قطعة وعيونهم تفيض دمعا لما جرى لهؤلاء الشبان الذين في بذلوا أرواحهم فداء لهم غير أبهين بكل التهديدات التي كان يطلقها الدواعش التكفيريون.

 

بينما كان البعض يجمع أجزاء الجثة، تواصل البعض الآخر مع الأهالي وعند إجراء الاتصال مع عائلة الأربش قال المتصل: "السلام عليكم ،عائلة الأربش، إبناكما محمد وَعَبَد الجليل في ذمة الله، لقد ذهبا ضحية تفجير إرهابي أثناء دفاعهما عن المصلين"، هنا خر الأب الحاج جمعة الأربش ساجدا شكرًا لله على انضمامه للجمع المبارك لعوائل الشهداء بعد هذا الاصطفاء الإلهي.

 نعم كان سجود الحاج جمعة وسط الشارع رسالة مفادها نحن نحزن لفراق الأحبة ولكننا نفخر بهم حينما يسقطون في الدفاع عن أرواح محرمة عند الله سفك دمائها..

 

كان أهالي الشهداء تفيض أعينهم دمعا، بين دموع الفرح والبشرى، وبين دموع الحزن والشوق، لكنهم كانوا أكثر فخرا بما صنعه أبنائهم من شجاعة وبطولة في سبيل الله، مستلهمين الصبر من أهل بيت النبوة عليهم السلام وكأن كل المبادئ الإسلامية قد أحيتها شهادة حماة الصلاة.

أضيف بتاريخ :2016/05/31