آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
رجاء عالم
عن الكاتب :
روائية سعودية من مواليد 1956 في مكة

هدر الوقت


رجاء عالم

هل جربت متابعة طرد بريدي وارد إليك مع شركات التوصيل السريع ؟
و هل جربت الاتصال بأي من البنوك أو شركات الاتصال؟
قبل أن تفعل ذلك عليك أن تتسلح بمايفوق صبر أيوب..

فبالنسبة لشركات التوصيل فمهما كان الصوت الذي يجيبك يبدو بشرياً ويقدم لك نفسه بالاسم لابد وأن توطن نفسك أنك تستمع لآلة مبرمجة... لأنك ستفاجأ بمن يكرر لك جملة واحدة، "سيدي سيدتي لابد وأن تضع في اعتبارك أنك أنت الشخص الوحيد المخول باستلام الطرد...." و لاتجرب أن تشرح له بأن الطرد المُفترض وصوله للرياض بوسط المملكة قد انتهى في مدينة ينبع بأقصى غربها، سترد عليك الموظفة أو الموظف بنفس النبرة الآلية، "سيدي سيدتي لابد وأن تضع في اعتبارك أنك أنت الشخص الوحيد المخول باستلام الطرد...." وإياك وأن تحاول مقاطعة ذلك التسجيل للاحتجاج بأنه يجب أولاً حل مسألة تحول مسار الطرد لمدينة ينبع بدلاً من الرياض ومن ثم نناقش تعليمات التواجد شخصياً لاستلامه، لأنك ستبدد أنفاسك عبثاً إذ ستكرر تلك الآلة المبرمجة بأنهم سينظرون في هذا الأمر ودون أن تلتقط أنفاسها ستكرر العبارة المدمرة للأعصاب ولاتجرب مقاطعتها. تضع سماعة الهاتف وتشعر بتجويف بصدرك، إذ يفزعك فراغ تلك الأصوات من أي تفهم أو حرارة إنسانية. وتشعر بأسى بأن عبارات اللباقة المفترض أن ترتفع بمستوى الخدمة وتمنحها عمقاً إنسانياً هي نفسها العبارات التي تحولت لدروع مثل الدرع المطبوع عليه صورة ميدوسا الشاعر الروماني أوفيد التي تحول من يواجهها لحجر.

نفس الشعور لكن بدرجة أخف ينتابك حين مهاتفتك لشركات الاتصالات، حيث ستفاجئك تسجيلات مطولة وبنبرة بطيئة رغم افتتاح تلك التسجيلات بالتأكيد بأنه قد تم تحديث خدمة الرد الآلي، فإن أسعفك الصبر ستنتهي للخدمة البشرية لاتفزع حين تتلقاك نفس عبارة الترحيب وعبارة إنهاء المكالمة من جميع الموظفين بلا استثناء، فمثلاً آخر عبارة توجت الأسبوع الأخير من رمضان : "عيدكم أجمل" ستسمعها تكرر عشرات المرات بتنويعات الأصوات.

مما يدفعك للتساؤل عن مدى مرونة البرامج التدريبية التي تنظمها تلك الشركات للارتقاء بمستوى خدمات موظفيها، تتساءل هل تشترط تلك البرامج على المتدربين تكرار تلك العبارات الجوفاء؟ أم أن محدودية المتدرب تحبسه في عبارة يكررها كالببغاء بسبب عجزه عن أن يبتكر عبارة لطيفة محايدة حسبما تقتضيه المحادثة؟

أما تسجيلات البنوك فإنها من التطويل بحيث تستهلك دقائق ثمينة من وقت المتصل، خصوصاً من كان خارج المملكة وبحاجة لخدمة بنكية عبر الهاتف أو بصدد الإبلاغ عن فقد بطاقة، حيث ومهما تصاعدت حالة الطوارئ التي يعانيها المستنجد فلن يرحمه التسجيل الآلي.

هدر في الوقت بحجة الكياسة، وتندهش ألا تقوم تلك الشركات و البنوك بدورات تقييمية لخدماتها الهاتفية، تقييم يضع في اعتباره حقيقة أن الوقت هو أثمن عملة في زمننا الحالي ويتوقع أن تتصاعد ندرة هذه العملة مستقبلاً، فهل لدينا المرونة وتشجيع الابتكار الشخصي الذي يمكننا من مواكبة هذا التصاعد؟.
 صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/07/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد