آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

«التقشف الرسمي» يطال كتب المدارس!


هاني الفردان ..

بدأ العام الدراسي الجديد، وكعادة كل عام تكون هناك قضية مثيرة للجدل، هذا العام كانت القضية غريبة وعجيبة، وهي كتب مدرسية مستخدمة، بل مستهلكة والكثير منها بالية، حتى ضج الناس منها، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصورها.

سخِر الكثير من خطوة وزارة التربية والتعليم، واستعرض كثيرون صوراً ومقاطع مصورة لتلك الكتب، بعضها ممزق، وأخرى محلولة بالكامل، وبعضهم كان غير صالح بتاتاً من كثرة ما هو مكتوب فيها، فيما اشتكى ولي أمر في موقف جميل من كيفية تعليم ابنه الحفاظ على مقتنياته وكتبه والممتلكات العامة، وإذا بوزارة التربية توزع كتباً على الطلبة رثة وبالية ومستهلكة، فماذا عساه أن يقول لابنه عن ذلك.

عذر وزارة التربية والتعليم واضح وصريح كررته أكثر من مرة وهو «التقشف» بصريح العبارة، ولكن عبارتها الرسمية المخففة كانت «إن هذا الإجراء يأتي في إطار الترشيد وخفض الكلفة والاستخدام الأمثل للموارد»!

بصراحة، لا أكثر المتفائلين المقربين من المواقف الرسمية ولا أكثر المتشائمين من عموم الناس، توقع أن تصل حالة التقشف الحكومي إلى كتب المدرسة والطلاب، توقع البعض أن تتوقف المشاريع، أو أن تتأثر الأجور، وتتقلص نفقات الحفلات والسفرات، والوفود الرسمية التي لها حاجة أو ليست لها حاجة، ولكن أن يصل الأمر لكتب المدرسة، فإن ذلك يعطي مؤشراً خطيراً جداً لحال الوضع المالي في البلاد وأين وصل.

وزارة التربية والتعليم تطبع سنوياً أكثر من مليوني كتاب مدرسي بكلفة تزيد على مليونين ونصف المليون دينار، وذلك بحسب إحصاءات الوزارة الرسمية.
من أجل ألا ينسى أحد مقولة «حاسوب لكل طالب» فإن ذلك الوعد أعلن في 8 أغسطس/ آب 2015، على أن يدخل حيز التنفيذ على أقل تقدير في خمس مدارس في سبتمبر/ أيلول 2015، والآن وبعد عام كامل من ذلك الوعد، طلاب البحرين يعيشون أزمة «كتب مستخدمة ومستهلكة»!

«حاسوب لكل طالب» ضمن مشروع التمكين الرقمي في المدارس، والذي قيل إنه سينطلق بشكل تدريجي في خمس مدارس إعدادية لمدّة عام دراسي كامل، وذلك ضمن سياسة وزارة التربية والتعليم لتعزيز التعلّم الإلكتروني لدى الطلبة.

بصراحة لا أعلم هل فعلاً طبق ذلك المشروع في المدارس الخمس (زنوبيا وأم سلمة والحد للبنات، ومدرستي عالي والرفاع للبنين)، وهل أصبح لكل طالب هناك حاسوب!

المشروع الرقمي يتخطى مسألة الحاسوب، وينطلق إلى توفير أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالمدارس، والتطبيقات التعليمية مثل المحتوى التعليمي الرقمي للمناهج الدراسية والأنشطة الإثرائية الرقمية والمختبرات الافتراضية، وبرامج المحاكاة والتدريب والمواقع والمنتديات التعليمية الرقمية.

ذلك المشروع يهدف إلى تمكين الطلبة والمعلمين والعاملين في القطاعات التربوية إعداداً وتدريباً مستمراً من أجل إكسابهم القدرة على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم، من أجل بناء الكفاءات الوطنية القادرة على إنتاج المحتوى التعليمي الرقمي، وتخريج أجيال قادرة على الإبداع والابتكار والريادة في هذا المجال.

قيل إن التحول الرقمي سيساهم في تحقيق مجتمع المعرفة ودفع عجلة التحوّل من استهلاكها إلى إنتاجها وفي سدّ الفجوة الرقمية بين فئات المجتمع الواحد وإسهامه في تحقيق متطلبات التنمية الشاملة المستدامة وفي بناء مجتمع التعلم المستمر مدى الحياة، وأنّ التمكين الرقمي في التعليم ليس غاية أو هدفاً؛ وإنما هو إستراتيجية لتحقيق أهداف إنمائية إنسانية وشاملة.

الكلام عن «حاسوب لكل طالب» و «التحول الرقمي» جميل جداً عندما يكون على الورق، فيما الواقع يقول عكس ذلك، فالوزارة عاجزة عن توفير كتب قابلة للاستخدام، وليس شرطاً جديدة، بل على أقل تقدير يمكن استخدامها، وليس كما شاهدناه في كل مكان من كتب بالية وممزقة، ورثَّة.

في حالة متناقضة، فإن الوزارة رأت أن مشروعها في إعادة استخدام الكتب المدرسية هو تعويد الطلبة على العناية بالكتاب والمحافظة عليها بغض النظر عن الاعتبار المادي، فالوزارة ملتزمة بتوفير الكتاب المدرسي بالمجان بما في ذلك المدارس الخاصة، إلا أنها عادت مؤخراً لتبرر «نهجها» بشأن توزيع الكتب المستخدمة على الطلبة بأنه مرتبط أيضاً «بسياسة الترشيد وخفض التكاليف»!

فقط من باب العلم، فإن موازنة وزارة التربية والتعليم للعام 2016 تتجاوز 318 مليون دينار (للمصروفات المتكررة)، وأن كلفة كتب الطلبة فقط مليونان ونصف المليون دينار أي ما نسبته 0.7 في المئة فقط من إجمالي موازنة الوزارة، وأن توجه الوزارة لخفض التكاليف في هذه الجزئية غير منطقي، وعليها أن تتجه للأماكن الأخرى التي تصرف فيها آلافاً على المهرجانات والاحتفالات وغيرها.

«الحلم» مشروع سواء كان ذلك على صعيد المسئول في وزارة التربية والتعليم أو الطالب، فالمسئولون يحلمون بـ «التحول الرقمي»، ولكن بعد عام من حلم المسئولين، أصبح حلم الطلبة في كتاب قابل للاستخدام، حتى وإن كان ليس جديداً!

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/09/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد