آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

«المستشارة» وتقليص المخصصات الأمنية

 

هاني الفردان ..

أفاد تقرير جديد نشره معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز (ICAEW)، أنه «في أعقاب تخفيض التصنيف الائتماني للبحرين من قبل وكالة «ستاندرد آند بورز» في شهر فبراير/ شباط 2016، خفّضت «موديز» من تصنيفها لدرجة واحدة إلى (Baa2) مع نظرة سلبية، في منتصف شهر مايو/ آيار من العام الجاري. وفي غضون ذلك، وعلى رغم إزالة مخصصات الدعم، ورفع الرسوم الحكومية، وتقليص النفقات العامة، من المرجّح أن يصل عجز الموازنة العامة للحكومة إلى 11 في المئة من إجمالي الناتج المحلي هذا العام». يأتي ذلك الحديث منسجماً مع توقع تقرير اقتصادي، أن يبلغ عجز الموازنة لدول مجلس التعاون الخليجي ذروته في العام 2016، نظراً لانخفاض الإيرادات العامة بفعل تراجع أسعار النفط عالميّاً.

 

التقارير الاقتصادية، تجمع على ضرورة أن تشهد البحرين خطوات تصحيحية من العيار الثقيل، لتنقذ نفسها من الأوضاع المالية المتأزمة بتقليص النفقات بشكل كبير جداً، مع العمل على زيادة الإيرادات غير النفطية في ظل الانخفاض الشديد لأسعار النفط.

 

حتى الاقتصاديين البحرينيين، يرون أن «فرض وزيادة الرسوم لا يعوض انخفاض إيرادات النفط في الموازنة العامة، في ظل انخفاض متوسط برميل النفط إلى 40 دولاراً، بينما يتطلب تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات سعراً عند 120 دولاراً للبرميل.

«الوضع يتطلب حلولاً خارج الصندوق»، ففرض رسوم، أو ضرائب جديدة، يمكن أن تعوّض جزءاً بسيطاً من إيرادات النفط (نحو 85 في المئة من إيرادات الخزينة العامة)، إلا أن كل محاولات تحسين الإيرادات وخفض المصروفات في الفترة الماضية والمقبلة، لن يكون لها تأثير كبير؛ مع حجم الإنفاق الكبير، وبالتالي سيستمر العجز في 2017 بنفس العجز في 2015 و2016، وربما يكون الوضع أسوأ من ذي قبل.

 

يعتقد البعض أن خيارات الحل كلها «صعبة»، وأن الحلول الممكنة هي فرض رسوم إضافية على الناس، أو المزيد من الاقتراض ورفع الدين إلى مستويات عالية تتجاوز المعدلات المقبولة دوليّاً.

 

فلسفياً، وما نشهده من تصريحات رسمية وغيرها، تؤكد أن الخيار الممكن لإنقاذ البلاد من أزمتها المالية هو «تحسين الإيرادات وتقليل المصروفات»، ولكن على أرض الواقع، ينصبّ تحسين الإيرادات بشكل كبير في جانب واحد، وهو فرض رسوم جديدة، والذي يؤثر على المواطنين وقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المعيشية سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.

 

من الناحية الكلامية فإن الجميع مجمع على أهمية خفض المصروفات، وبالخصوص المصروفات غير الإنتاجية، معتبرين أن الاقتراض للصرف على بنود غير إنتاجية هو أمر غير صحي، ولكن لن يجرأ أحد على الحديث عن تلك المصروفات، وعندما يتم الحديث عنها فإنهم سيغضون البصر.

 

هل التوفير الذي تسعى له الحكومة لإثراء الموازنة يجب أن يكون فقط على حساب المواطن؟ أليس من الأجدر أن توفّر الدولة الملايين من حساب الموازنات الأمنية التي تخّطت حاجزاً خيالياً مقارنة بالوضع المالي للدولة.

 

المعلن رسمياً في الموازنة العامة للعامين 2015 و2016 أن الموازنة الأمنية والعسكرية بلغت 1.693 مليار دينار دون احتساب موازنات جهات أمنية أخرى، فلو خفضت الحكومة الموازنة الأمنية 2 في المئة فقط لما احتاجت لإسقاط الدعم عن اللحوم، والضغط على المواطنين في عيشهم وتضييق الخناق عليهم.

 

في سابقة ليست غريبة أبداً وثقت في 27 فبراير/ شباط 2011، عندما خرجت «مستشارة حالياً» لبعض الجهات الرسمية، لتتحدث عبر تلفزيون البحرين عن الموازنة العامة، والإنفاق العسكري والأمني، بل طالبت بإعادة ترتيب الموازنة وتقليص المخصصات الأمنية لحساب دعم أجور الشعب الفقير الذي يعاني.

 

حل طالما طالب به الكثيرون، وهو أن مشاكل البحرين لن تحل أبداً بزيادة المخصصات الأمنية، وتقديمها على الاحتياجات الأساسية والخدماتية كالإسكان والصحة والتوظيف والأجور، والآن إسقاط الدعم عن سلع ضرورية ورفع أسعار الوقود وفرض الكثير من الرسوم.

 

كما أن الحل حالياً للأزمة المالية في البحرين، لن يكون بإثقال كاهل المواطن وإسقاط مكاسبه التي عاش عليها سنوات، بل بمراجعة الموازنة وترتيبها الترتيب الصحيح، فهناك مئات الملايين التي تصرف على تلك النواحي، فيما يطلب من الشعب أن يتحمل إثراء الموازنة بخنقه أكثر.

 

لو خرجت تلك «المستشارة» حالياً لن تجدها تعيد ذلك الكلام السابق، ولن تتحدث عن أولويات ترتيب الموازنة، وعن أن مستوى معيشة الناس أحد دعائم الاستقرار والأمن في البلاد، وأن «قيمة دبابة قد تعدل أوضاع عشرات الأسر البحرينية تشرب وتأكل ولها مسكن»، بل دعت لتأجيل الأولويات الأمنية، وأن ما حدث في 2011 عادل «مليون تجهيز وتجهيز»، ولو أعادت الحكومة ترتيب الموازنة وجعلتها في راحة ولقمة عيش المواطن وسكنه لما حدث ذلك (فبراير 2011).

 

تلك الصراحة في الحديث عن المخصصات الأمنية، لن يجرؤ أحد على تكرارها حالياً أو فتح أبوابها، وبالتالي قد نشهد حديثاً معاكساً لها، بتشديد الخنق على المواطنين وزيادة الموازنة الأمنية وكأن البحرين مقبلة على حرب عالمية، وعلى الشعب أن يقبل بالخبز طعاماً، كون الأمن أولوية حتمية حالياً.

 

حل الأزمة المالية يكمن في لحظة مصارحة داخلية مع الذات، وهي في إعادة ترتيب الأولويات والتفكير خارج الصندوق، وعدم تضخيم الأمور، فالخيار الأمني يزيد من التعقيد، والحل يكمن في أن توجه الموازنة لخدمة الشعب.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/10/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد