آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرام مكاوي
عن الكاتب :
حصلت على الدكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام في بريطانيا في تخصص هندسة الويب وتطبيقاته في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف عبر الإنترنت. حصلت على الماجستير في علوم الحاسبات وتخصص الأنظمة الموزعة والشبكات من جامعة هيرتفوردشاير، وتخرجت من قسم علوم الحاسبات بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في المملكة العربية السعودية. مستشارة غير متفرغة في مجال التعليم الإلكتروني وتقنيات التعليم مع شركة غلفس التعليمية (Gilfus Education Group) ومقرها واشنطن العاصمة الأمريكية. عملت سابقاً كمحللة نظم في قسم تقنية المعلومات بشركة شل النفطية في المملكة المتحدة ومقرها لندن. كاتبة في عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية.

اقتطع من راتبي لكن لا تسفه ما أفني فيه عمري

 

مرام مكاوي ..

تحدث معالي الوزير باستنكار عن بدلات الندرة والحاسب وغيرها للأكاديميين وسماها إعانة، وهذه التسمية لوحدها إهانة، فالإعانة تكون مساعدة للمريض أو للمحتاج، أما ما يؤخذ مقابل العمل، فيمكنك أن تسميه راتباً أو بدلاً

 

رب كلمة قالت لصاحبها دعني! لا أظن أن هناك مناسبة تصح فيها هذه المقولة أكثر من المقابلة الأخيرة "المسجلة" للأستاذ داوود الشريان مع وكيل وزارة التخطيط ووزيري المالية والخدمة المدنية في برنامج الثامنة الأسبوع الماضي. وإن كان مجمل ما قيل فيها محبطاً، فإن الجملة الشهيرة لوزير الخدمة المدنية خالد العرج بأن "إنتاجية الموظف السعودي في اليوم لا تزيد عن ساعة" تظل الأكثر إثارة للصدمة والإحباط للآلاف من الموظفين الحكوميين، الذين تمنوا لو استطاعوا أن يسألوا معالي الوزير عن تفاصيل تلك الدراسة التي استقى منها معلوماته، وأن يعطوه لمحة عما يقومون به كل يوم. كما يود الكثير منهم سؤاله، باعتباره موظفاً حكومياً سعودياً، عما إذا كانت هذه الدراسة تنطبق عليه كذلك؟

 

أكتب مقالي هذا من مكتبي في جامعة المؤسس، والذي داومت فيه يوم "السبت" تطوعاً، وذلك للإشراف على طالباتنا المشاركات في مسابقة عالمية للبرمجة (IEEE Extreme Programming 2016). فإذا كان عملنا التطوعي يزيد عن ثلاث ساعات، فكيف بعملنا الأساسي؟ هل يعرف معاليه أن محاضرة واحدة مدتها تزيد عن الساعة، والتحضير لها أكثر من ساعة، وتصحيح الواجبات والاختبارات لشعبة تزيد عن الثلاثين طالبة تأخذ 6-8 ساعات، ووضع أسئلة امتحانات ومراجعتها وطباعتها قد تستغرق ثلاثة أيام إلى أسبوع؟ إضافة إلى الاجتماعات والأعمال الإدارية، والإشراف على الرسائل العلمية. وهو فوق ذلك مطالب بحضور الدورات التطويرية ونشر الأبحاث العلمية وإلا لن تعرف الترقية بابها إليه.

 

لقد تحدث معاليه باستنكار عن بدلات الندرة والحاسب وغيرها للأكاديميين، وسماها إعانة، وهذه التسمية لوحدها إهانة. فالإعانة تكون مساعدة للمريض أو للمحتاج، أما ما يؤخذ مقابل العمل، فيمكنك أن تسميه راتباً أو بدلاً، لكنه حتماً لا يدخل تحت باب الصدقة.

 

وقد نتفق في أن مسميات بعض هذه البدلات مضحكة، وتوحي ببند غير مستحق، وربما حصلت فيها تلاعبات، ولكنها تأتي لتسد الخلل في الراتب الأساسي الضعيف لأعضاء هيئة التدريس. ولو سألت كثيراً من الأكاديميين والعسكريين وكافة موظفي القطاع الحكومي، لقالوا إنهم لا يمانعون حسم كل هذه البدلات، مقابل تعديل سلم الرواتب الأساسي، الذي لا يتناسب مع تكاليف المعيشة الغالية في المملكة. فهذه الرواتب حتى من قبل خصم البدلات لم تكن تسمح للمواطن الحكومي، المعتمد على الله تعالى ثم على راتبه فقط، بامتلاك شيء أساسي وهو بيت العمر بدون قروض البنك وأقساطها المجحفة.

 

وإذا كنت قد تحدثت عن الأكاديميين باعتباري واحدة منهم، فإنني أدرك أن هناك من موظفي القطاع الحكومي من يعملون مثلنا أو أكثر، فالمعلمات يداومن من السابعة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ولو أنهن كن لا يعملن أكثر من ساعة، فمن الذي يدرس بناتنا إذاً؟ هذا إذا افترضنا أنهن يعملن في المدن، أما إن كن في القرى المنسية، فالمعلمة قد تستغرق ثلاث ساعات حتى تصل إلى قريتها، ومثلها عند العودة، ناهيك عن الوقت الذي تقضية في أداء مهمتها التعليمية. كنت أعرف معلمة كانت تداوم يومياً من جدة إلى الطائف ذهاباً وعودة! هل من العدل القول بأنهن لا يعملن إلا ساعة؟

 

وبعيداً عن السلك التعليمي، فهناك الأطباء والممرضون والمسعفون والعاملون في القطاع الصحي، ورجال الإطفاء والدفاع المدني والشرطة والعسكريون وموظفو الجوازات وغيرهم، فلو أن كل هؤلاء كانوا فعلاً يعملون لساعة واحدة فقط لانهارت الدولة. فحين لا يوجد من يدرس أو يعالج أو يطفئ الحريق أو يحمي الوطن، فكيف تكون هناك دولة أو يقوم مجتمع؟!

 

هل كل هؤلاء مخلصون في أعمالهم وملتزمون بواجباتهم؟ بالطبع لا! ففي كل مهنة يوجد المتميز والمستهتر، من يقبل بأن يأكل أولاده من مال حرام لم يتعب فيه، ومن يتصبب عرقاً لأجل لقمة العيش الشريفة، لا فرق في ذلك بين وزير ولا خفير. وكلنا شاهدنا ونشاهد نماذج من هؤلاء الموظفين المهملين ممن يعطلون مصالح الناس، وكلنا نتمنى وجود نظام قوي يمنعهم من اعتبار الإفطار الجماعي ولعب الورق جزءاً من العمل في الدوائر الحكومية. لكن ما أزعج الغالبية من كلام الوزير هو أنه عمم ولم يستثنِ، وأشعرنا بأننا كُسالى، وطفيليون نقتات ظلماً على موارد الدولة، مع أنها – بالأصل- موارد الناس.

 

الأمهات بشكل خاص انزعجن بشكل أكبر من تصريحاته، لأن الأم عندما تخرج للعمل، تترك خلفها رضيعاً معتمدا على صدرها، أو فطيماً محتاجاً لها، فهي لم تتركه مع أهلها أو خادمتها أو حتى في حضانة مرتفعة التكاليف لتستمتع بوقتها في مكان العمل. هي خرجت إما لتحقق ذاتها وتنفع نفسها، أو لأنها المعيل الوحيد لأسرتها، أو لأن راتبها مع راتب زوجها بالكاد يكفي لمصاريف الحياة.

 

يبدو أن كلام الوزير كان تصريحاً من العيار الثقيل تم إطلاقه دون احتساب ردة الفعل، فقد تجاوز المحلية وقفز إلى صدر عناوين الصحف الدولية: "السعوديون الكُسالى على وشك الإفلاس" كما في عنوان صحيفة التايمز البريطانية (Lazy Saudis are on brink of bankruptcy). ويالنا من شعب محظوظ فعلاً! فحتى الأمس كان الإعلام الغربي يصفنا بالإرهاب وظلم المرأة، والآن صارت لدينا صفة جديدة وهي الكسل، لا شك أن هذا سيسهل من حصول طلابنا على خطابات في أرقى الجامعات، وعلى دفع المستثمر الأجنبي على اختيار بلادنا كوجهة أولى لصرف أمواله.

 

قبل شهر علمنا بموضوع حسم البدلات وشكل ذلك مفاجأة كبيرة، إلا أننا تقبلنا الأمر واعتبرناه إجراء لا مفر منه للصالح العام. لكن ما لا نتقبله هو أن يتم استقطاعه بحجة أخرى، وهي أننا أصلاً لم نكن مستحقين له، أي أننا نعاقب على تقصيرنا وإهمالنا وضعف إنتاجيتنا! مما يشي بأن هذه البدلات قد ذهبت للأبد، وأن الراتب لن يعود كما كان، لا بعد سنة ولا عدة سنوات. ففي التصريح نسف لكافة جهودنا وتعبنا وإخلاصنا في أعمالنا. فلسان حالنا: اقتطع ما شئت من راتبي.. لكن لا تسفه ما أفني فيه عمري.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/10/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد