آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرام مكاوي
عن الكاتب :
حصلت على الدكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام في بريطانيا في تخصص هندسة الويب وتطبيقاته في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف عبر الإنترنت. حصلت على الماجستير في علوم الحاسبات وتخصص الأنظمة الموزعة والشبكات من جامعة هيرتفوردشاير، وتخرجت من قسم علوم الحاسبات بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في المملكة العربية السعودية. مستشارة غير متفرغة في مجال التعليم الإلكتروني وتقنيات التعليم مع شركة غلفس التعليمية (Gilfus Education Group) ومقرها واشنطن العاصمة الأمريكية. عملت سابقاً كمحللة نظم في قسم تقنية المعلومات بشركة شل النفطية في المملكة المتحدة ومقرها لندن. كاتبة في عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية.

أن تكون مواطنا صالحا

 

مرام مكاوي ..

الوطنية الحقة لا تعني أبداً أن تتحول إلى كائن صامت، لا يحاور ولا يناقش وليس له رأي في أي تغيير حوله، فذلك وضع المواطن الميت، والموتى لا يبنون الأوطان

 

لطالما اعتقدتُ أن ثمة مفهومين تعرضا في بلاد العرب منذ سنوات طوال إلى التشويه، وهما: التدين والوطنية. فقد باتا يعنيان لدى البعض ألا تسأل ولا تناقش ولا تعترض، ولا يكون لك -باختصار-رأي في أي شيء. وأنا لا أقصد هنا أن يكون للشخص رأي في كلام الله -عز وجل-أو كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-وإنما رأي في آراء وكلام وقرارات البشر من العلماء والفقهاء والدعاة والحكام ومن يدخل في حكمهم. فمهما بلغوا من حكمة ودهاء وعلم وبصيرة يظلون بشراً يصيبون ويخطئون. بل إن الصحابة أنفسهم -رضوان الله عليهم- كان يراجعون النبي المعصوم في أمور الدنيا، وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهم ويأخذ برأيهم، كما حصل في غزوة الخندق مع سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه. لكن يبدو أن حالة الانحطاط التي يمر بها العالم الإسلامي منذ بضعة قرون أسهمت في تشويه الكثير من المعاني. فالمسلم الذي يسأل عن صحة بعض الأحكام الفقهية التي لم يرد بشأنها نص صريح، ويجادل في إمكانية أن يكون هناك حكم آخر؛ قد يوصف بالنفاق أو الزندقة! والأمر مشابه على ما يبدو في مسألة الوطنية، فكون المواطن ليس متحمساً لبعض القرارات الإدارية، أو مطالبته ببعض التعديلات أو الإصلاحات، خاصة التي تمس رزقه ومعيشته، تجعله يوصم من قبل بعض المزايدين بأنه جاحد أو حتى خائن لوطنه!

 

قبل أيام تم إيداع الرواتب بعد التعديلات الجديدة، ففي الخامس من برج "العقرب" عرف كل موظف حكومي مقدار الحسم في الراتب الجديد، والذي تراوح ما بين بضعة مئات لدى البعض وبضعة آلاف عند البعض الآخر. ومن الطبيعي ألا يكون الشعور واحداً لاختلاف الرواتب، والمكانة الاجتماعية، والتكاليف المعيشية، والالتزامات المادية. فهل كل من عبر عن ضيقه أو أبدى أسفه عبر وسائل التواصل الإلكترونية ليلتها مواطن سيئ لا يقدر ظروف وطنه؟!

 

والأمر نفسه يتكرر بعد تصريح وزير المالية حول وضع اللمسات الأخيرة على قانون الضريبة المضافة على السلع، والتي يتوقع أن تبلغ 5% من قيمة السلعة. بمعنى إذا كنت تشتري سلعة قيمتها 100 ريال في السابق فأنت ستدفع حينما يتم تطبيق هذا النظام 105 ريالات، وهكذا. وبالرغم من أن هذه الضريبة ستستثني المواد الغذائية والصحة والتعليم والخدمات المجتمعية، إلا أن المواطن يخشاها لأسباب عديدة، منها أن أسعار السلع في أحيان كثيرة أغلى من مثيلاتها في دول الجوار، وبالتالي سترتفع الأسعار أكثر، والإعلان عنها جاء في وقت حسم البدلات والعلاوات، والكثيرون لم يضبطوا مصروفاتهم بعد وفق الواقع الجديد، فمجرد التفكير بأن هناك المزيد من التكاليف المادية يشعرهم بالقلق.

 

آخرون ينظرون إلى الموضوع من ناحية شرعية، على اعتبار أن الإسلام أباح الزكاة وحددها بالتفصيل في المال والدواب وخراج الأرض، بحيث يتحقق بها التكافل الاجتماعي، فتؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، وتتكفل الدولة الإسلامية بجبايتها من الناس وتوزيعها عليهم كذلك. فيما حرم في الوقت نفسه المكوس (الضرائب). وكان القادة المسلمون عند فتح البلدان يقومون برفع المكوس الظالمة التي وضعها الروم والفرس، واستبدالها بالزكاة للمسلم والجزية لغير المسلم، وكل هذه أمور معروفة في التاريخ الإسلامي وموثقة. فهل من يذكرها اليوم، أو يبين السلبيات المحتملة اقتصاديا واجتماعيا عند تطبيق الضريبة المضافة، يعتبر محرضاً أو شاقاً لعصا الجماعة؟

 

بالتأكيد أن الجواب هو لا، حتى وإن حاولت بعض الأقلام الإيحاء أو التصريح بذلك. فهذا الحراك المجتمعي على صعيد النقاش والحوار وطرح الأسئلة وكتابة المقالات وإعداد المقابلات الإذاعية والتلفزيونية، يحصل في كل مكان تقريباً على هذه الكرة الأرضية. فالعالم يمر بحالة تشبه الكساد الاقتصادي، وبلدان عدة تعاني من صعوبات مالية جمة، وسياسات الترشيد والتقشف باتت واقعاً يعيشه الناس. وبغض النظر عن درجة متانة الاقتصاد، واختلاف الأنظمة، فإن الحكومات ستظل تردد أنها مضطرة لاتخاذ إجراءات اقتصادية تدرك أنها بلا شعبية، وتظل الشعوب في الطرف المقابل تحاول أن تغير أو تقلل من تأثير هذه الإجراءات على المواطن العادي.

 

الفرق بين العرب وغيرهم هو أن العربي يُتهم بالأنانية وقلة الوطنية، وقد يصل الأمر إلى تجريمه أو تخوينه إن هو عبر عن رأيه، بينما في المجتمعات الديمقراطية، فإن تعبيره عن رأيه يعد ممارسة طبيعية لحقوقه المدنية. بل إن تعريف المواطنة الإيجابية في هذه البلدان يذكر بأن من واجبات المواطن الصالح التبليغ عن الفساد وهدر المال العام، ومراقبة أداء الحكومة، والتأكد من التزامها بدستور البلاد وأنظمة الدولة وقوانينها.

 

فماذا يجب أن يكون تعريف المواطنة الصالحة عربياً وإسلامياً؟

ابتداء هي ضد الخيانة، فلا تنشر الفتنة، ولا ترفع السلاح، ولا تبيع أسرار الدولة للأعداء، ولا تتواصل أو تعين أي أطراف خارجية أو داخلية ضد مصالح وطنك، تحت أي ذريعة، وألا تشذ عن الجماعة وتخرج على ولي الأمر. فأمن الأوطان وسلامتها واستقرارها وحماية ثرواتها وحدودها وأهلها خطوط حمراء لا يجب أن تمس.

 

ولكن المطالبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا تعتبر شكلا من أشكال الفتنة والخيانة، إذا كان هدفها الارتقاء بالأوطان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتعايش الإيجابي بين المواطنين، فهما من أقوى خطوط دفاع أي مجتمع. فالعدو آنذاك لن يجد منفذاً مفتوحاً يلج منه خلسة، أو جرحاً ناتئاً يبث فيروساته عبره.

 

أن تكون مواطناً صالحاً يعني أن تسعى لتطوير نفسك بالتعليم والتدريب، وأن تكون نافعاً لمجتمعك، بالإخلاص في العمل، وبعدم هدر الموارد الوطنية، وبالمحافظة على البيئة، وبالمساهمة في السلم الاجتماعي بعدم التعدي أو ممارسة التمييز ضد الناس، وبعدم أخذ ما ليس لك مستنداً على ما بين يديك من سلطات وصلاحيات. ويعني أن تتطوع لخدمة مجتمعك إن استطعت بلا مقابل. وإن كنت مسلماً، فإن من حق وطنك عليك أن تدعو له كذلك بكل خير وصلاح.

 

لكن الوطنية الحقة لا تعني أبداً أن تتحول إلى كائن صامت، لا يحاور ولا يناقش وليس له رأي في أي تغيير حوله، فذلك وضع المواطن الميت -رحمه الله- والموتى لا يبنون الأوطان.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/11/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد