آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

شعارات “الموت لإسرائيل” على صواريخ إيران أحد أسباب التحشيد ضدها..


عبد الباري عطوان ..

بعد انهيار “الاتحاد السوفيتي” في الثمانينات من القرن الماضي، خرج جوزيف لوند أمين عام حلف الناتو في حينها بمقولة من الصعب علينا نسيانها لوقعها الصادم، مفادها أن الغرب يجب أن يبحث الآن عن “عدو جديد”، وأنه يعتقد أن الجماعات الإسلامية المتشددة يمكن أن تحل محل الاتحاد السوفيتي في هذا الميدان.

لا أعرف لماذا تذكرت المستر لوند، وأنا أتابع عن كثب وقائع مؤتمر ميونخ للأمن الأخير، حيث وضعت جميع الدول المشاركة فيه خلافاتها جانبا، وتوحدت على “عدو” يعتبر الأخطر على أمن العالم واستقراره، وهو إيران، وليس الصين أو روسيا، أو حتى كوريا الشمالية.

الكلمة المفصلية التي تفسر هذا التحرك المفاجيء والمتصاعد هي “إسرائيل” الذي أبلى وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان بلاء حسنا، ووجد من الإطراء والدعم ما لم يجده في تل أبيب، وخاصة من العرب والأتراك، إلى جانب الأمريكيين والأوروبيين طبعا، وحظي خطابه الذي ركز جميع فقراته على أيران وخطرها بتصفيق حاد.

السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي قال في كلمته في المؤتمر نفسه، إن الكونغرس يبحث فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها الصاروخي الذي يهدد استقرار الشرق الأوسط، وينتهك قرارات الأمم المتحدة، وطالبها أن تغير سلوكها.
***
نسأل السناتور غراهام عن التغيير الذي يقترحه في السلوك الإيراني، فتأتي الإجابة في ثنايا خطابه الذي نقلت فقرات منه محطة “صوت أمريكا” الرسمية، ومختصرها “أن تكف إيران عن كتابة شعار “الموت لإسرائيل” من على هذه الصواريخ.

بمعنى آخر ، لو كان الشعار المكتوب على هذه الصواريخ “الموت للصين” أو “الموت لروسيا”، فلا مانع من تطوير إيران لصواريخها، وإجراء ما شاءت من مناورات، وقطعا ستجد كل تكنولوجيا الصواريخ الأمريكية في خدمتها، ولن تجد أي مشكلة في تخصيب اليورانيوم بأي درجة تريدها، أما أن تكتب شعارا، مجرد شعار، يقول “الموت لإسرائيل” فهذا خط أحمر يستحق العقوبات، وربما الحرب لاحقا.

بات ممنوعا علينا كعرب ومسلمين، أن نكتب حتى الشعارات التي تتمنى الموت لإسرائيل، ولو من قبيل “التشفي” اللفظي، وإلا فالعقوبات، وربما الموت الحقيقي، ينتظرنا خلف الزاوية، والويل كل الويل لمن يتجرأ على إغضاب هذه الدولة، أو يعترض على جرائم حربها واستيطانها وإعداماتها الميدانية.

نتوقع في مؤتمر أمن ميونخ القادم أن يأتي إلينا السيناتور غراهام، ووزراء خارجية تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، بقوائم تحدد لنا الشعارات الجديدة التي يجب أن يرددها أطفالنا وأحفادنا في طوابير الصباح المدرسية، وإلا فإن قصف التحالف الرباعي أو الخماسي الجديد، الذي تريد إدارة ترامب تشكيله من أربع دول عربية وإسرائيل، جاهزة للقصف السجادي لتدميرنا كليا.

إيران رددت شعار “الموت لأمريكا” لأكثر من ثلاثين عاما، أن لم يكن أكثر، وحولت العلم الأمريكي إلى مداس لأحذية الإيرانيين، في مداخل فنادقها، ولكن هذا السلوك مسموح فيه، وربما يصنف في قائمة “حرية التعبير”، أما شعار “الموت لإسرائيل” فأن من يردده هو الذي يستحق الموت.

السيد جاويش أوغلو، وزير خارجية تركيا الذي طار إلى طهران قبل ستة أشهر بحثا عن حلول لإنقاذ اقتصاد بلاده من الانهيار، بعد فرض روسيا عقوبات اقتصادية قاسية كرد على إسقاط طائراتها فوق الحدود السورية بصاروخ تركي، وتمهيدا لزيارة رئيسه رجب طيب أردوغان الذي رحب به الإيرانيين، ووقعوا اتفاق معه برفع التبادل التجاري بين البلدين من عشرة مليارات إلى ثلاثين مليارا سنويا، السيد أوغلو قال من على منبر المؤتمر نفسه “إن الدور الإيراني في المنطقة يزعزع الاستقرار، خاصة أن إيران تسعى لنشر التشيع في العراق وسورية”.

غريب أمر السيد أوغلو وتصريحاته هذه، فكيف تفاجأ بإقدام إيران على زعزعة استقرار المنطقة، ونشر التشيع الآن، وليس قبل ستة أشهر عندما زارها طالبا الدعم والمساندة ومتحدثا عن التعاون بين دول الجوار الإسلامية الشقيقة؟ وهل بدأت إيران تنشر التشيع فور وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أي قبل ثلاثة أسابيع فقط؟
***
ختاما نقول إنه إذا كان كتابة شعار الموت لإسرائيل سيؤدي إلى فرض عقوبات وتحريك الأساطيل، فكيف سيكون رد فعل إسرائيل وإدارة ترامب على المؤتمر الدولي السادس الذي تستضيفه إيران اليوم بمشاركة 80 دولة، وسيتحدث من فوق منصته جميع “إرهابيي” العالم الإسلامي، حسب التوصيفات الإسرائيلية والأمريكية والعربية أيضا، ويطالبون بتحرير كل الأراضي العربية المحتلة، وتدمير دولة إسرائيل؟
من يقودون هذه الحملة ضد إيران من العرب والإسرائيليين والأمريكيين، ويقدمون خدمة لم تحلم بها إيران، وهي تعاطف نسبة كبيرة من العرب والمسلمين معها، وضد الأنظمة التي تعاديها وتتآمر ضدها، ففلسطين ورغم الخذلان العربي من قبل بعض أدوات أمريكا في المنطقة، تظل عنصر توحيد للعرب والمسلمين أو الغالبية الساحقة منهم.

أمريكا خسرت خمسة تريليونات دولار، وخمسة آلاف جندي وثلاثين إلف جريح، ترى كم ستخسر هي وإسرائيل إذا تورطت في حرب في إيران التي تزيد مساحتها عن ضعفي مساحة العراق، أن لم يكن أكثر، وهل تكفي الأموال الخليجية لتسديد قيمة هذه الخسائر ماديا؟

لا نعتقد ذلك حتى لو باعت السعودية كل شركاتها ابتداء من “سابك” وانتهاء بأرامكو، وما بينهما من حقول نفطية، ومناجم معدنية.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/02/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد