آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مكسب عسكري ومعنوي كبير للجيش السوري..

 

عبد الباري عطوان ..

نجاح الجيش السوري في استعادة مدينة تدمر الأثرية من تنظيم “الدولة الإسلامية”، بغطاء جوي روسي، يشكل إنجازا كبيرا، عسكريا وسياسيا، علاوة على كونه دعما معنويا كانت القيادة السورية في حاجة إليه.

فمن الواضح أن هذه الخطوة جاءت رسالة لجهات عديدة، تؤكد أن التحالف الروسي السوري في الميادين العسكرية ما زال في ذروته، مثلما تؤكد جاهزية الجيش السوري لخوض معارك لاستعادة مدن أخرى على رأسها مدينة الرقة، عاصمة “الدولة الإسلامية”، وأنه لم يفقد زخمة وقوته رغم ست سنوات من المعارك.

بمعنى آخر يأتي توقيت استعادة مدينة الموصل ليحسم الجدل الدائر حاليا حول الجهة التي ستخوض الحرب ضد “الدولة الإسلامية” في الرقة، هل هي قوات سورية الديمقراطية الكردية المدعومة أمريكيا، أما قوات “درع الفرات” المدعومة تركيا، والجواب ربما يكون لا هذه ولا تلك، وإنما قوات الجيش السوري، أو هكذا نعتقد، فهذه مدينة سورية في جميع الأحوال.
***
لا نعتقد أن استعادة الجيش السوري للمدينة كان يشكل صعوبة كبيرة بالنسبة إليه، فالمدينة التي خسرها لتنظيم الدولة، ثم عاد وسيطر عليها ليخسرها ثانية، وها هو يستعيدها مجددا، لا تشكل قيمة إستراتيجية حقيقية، كونها مجرد واحة أثرية في قلب الصحراء تضم آثارا رومانية تعود إلى ألفي عام، وأبرز معالمها قصر أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي بناه وأثثه في ذروة صداقته للرئيس السوري بشار الأسد، وقبلها والده.

لغط كثير أثير حول المدينة وسقوطها واستعادتها أكثر من مرة، ومن بين الروايات التي روجت لها المعارضة السورية، أن الجيش السوري انسحب منها دون قتال وسلمها لمقاتلي “الدولة الإسلامية”، مما يؤكد التحالف بين الطرفين، وربما يكون الانسحاب غير مستبعد، لأنه، أي الجيش السوري، كان يريد تركيز كل قواته لاستعادة مدينة حلب، وريف دمشق، التي يعطيها الأولوية القصوى على سلم مخططاته العسكرية، وعندما نجح في استعادة حلب، العاصمة الاقتصادية، وأجزاء عديدة من الغوطة الدمشقية، حان وقت الرقة، ولا نستغرب أن تكون المعركة المقبلة باتجاه مدينة إدلب التي باتت نقطة تجمع للفصائل السورية المتشددة مثل “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا)، و”أحرار الشام”، و”جيش الفتح”، وفصائل الجيش السوري الحر المنضوية تحت لوائها، أو نحو مدينة الباب التي سيطرت عليها قوات “درع الفرات” التركية، وتعتبر السلطات السورية هذه السيطرة احتلالا، وانتهاكا للسيادة السورية.

ربما لم يكن من قبيل الصدفة إعلان قيادة الجيش السوري لهذا الانتصار في وقت تنعقد فيه مفاوضات “جنيف 4″، بين وفد النظام وثلاثة وفود تمثل المعارضة، ولم تحقق أي تقدم ملموس للتوصل إلى حل سياسي للازمة مثل سابقاتها.

الانطباع السائد أن التحالف الروسي السوري الإيراني يتبنى إستراتيجية من شقين، الأول تركز على مواصلة تطبيق المخطط العسكري لاستعادة الأراضي السورية تحت عنوان محاربة الإرهاب، لأن معظمها تسيطر عليه قوى إسلامية موضوعة على قائمة الإرهاب، والثاني إطالة أمد المفاوضات إلى أطول فترة ممكنة على أمل نفاذ صبر وفد المعارضة المفاوض والانسحاب، مثلما جرت العادة في الجولات السابقة.
***
ما يؤكد هذه الإستراتيجية، والشق الثاني منها على وجه الخصوص، اتهام ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الهيئة العليا للمفاوضات التي تحظى بدعم السعودية، بتخريب محادثات السلام في جنيف، وذلك بعد يوم من اجتماع مسؤولين في الخارجية الروسية مع ممثلين للمعارضة، لتضييق هوة الخلافات حول جدول أعمال المفاوضات.

ووجهت السيدة زاخاروفا رصاصة قاتلة لوفد المعارضة عندما قالت “لسوء الحظ نلاحظ، وبناء على نتائج الأيام القليلة الماضية من المحادثات بات لدينا شكوك بشأن قدرة ممثلي المعارضة على إبرام اتفاق”.

نقطة الخلاف أن المعارضة القادمة من الرياض تريد مناقشة المرحلة الانتقالية، ولا يمانع الروس هذا الطلب، ولكنهم يشترطون توحيد المعارضة بمنصاتها الثلاث، الرياض، موسكو، القاهرة، في وفد واحد، وهو ما ترفضه معارضة الرياض، لأنها تكره ممثلي منصة القاهرة وموسكو أكثر من كرهها لبشار الجعفري، رئيس وفد دمشق.

الحكومة السورية ستحتفل باستعادة تدمر الأثرية، وتعيد التذكير بأنها الأقدر على هزيمة الإرهاب، حسب تصريحات مسؤوليها اليوم، بينما وفدها في جنيف يتفرج على خلافات المعارضة والانتقادات الموجهة لها من الجانب الروسي، ومن ممثل الأمم المتحدة ستيفان دي مستور بعرقلة المفاوضات.

الدب الروسي يمسك بكل خيوط اللعبة، ويوجهها حسب النتائج التي يريد وحلفاؤه، من يقول غير ذلك عليه الشرب من مياه بحيرة جنيف شديدة العذوبة والبرودة معا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد