آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد آل عباس
عن الكاتب :
كاتب سعودي بصحيفة الاقتصادية

يا هيئة السوق المالية: «نمو» ليست حلا بل مشكلة جديدة


د. محمد آل عباس ..

 لعل أهم حدث اقتصادي خلال هذا الأسبوع كان تدشين السوق الموازية "نمو"، وكما هي الحال دائما، تفاجئنا هيئة السوق المالية بمسار غير الذي توقعناه، وبلا مبرر كاف، ومع الأسف أجدني مضطرا إلى التحذير من مغبة المجازفة في "نمو"، وأحذر الجميع من مغبة تكرار كارثة 2006. لقد كنت من أشد المؤيدين لإنشاء سوق موازية، ونافحت عن هذا الموضوع كثيرا في مقالات عديدة، وسعدت جدا بقرار إنشاء السوق لكن اليوم تأتي هيئة السوق المالية لتعلن عن سوق لا معنى لها سوى إعادة سيناريو 2006 تماما.

شخصيا أتفهم أن هيئة السوق المالية تحت سيطرة وهيمنة فكر وثقافة مؤسسة النقد، التي تظن أنها حين تحمي نفسها والمصارف أكثر من أن تحمي المواطن والمستهلك للخدمات فهي تحمي الاقتصاد، في مقابل لامبالاة بمعاناة المواطن من هذه المؤسسات وحقوقه. هذه هي الثقافة التي انتقلت إلى هيئة السوق المالية مع الأسف فهي تحمي نفسها أكثر من حماية المتداولين في السوق، وتظن بذلك أنها تحمي الاقتصاد، وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث من اختزال الاقتصاد كله في هيئة أو مؤسسة وموظفيها.

لكن لماذا أنا قلق من "نمو"؟ لأنها سوق خطرة، عالية المخاطر، ولكن هيئة السوق لا تخبرنا عن هذا؟ فهي سوق عالية التذبذب (20 في المائة)، والشركات صغيرة جدا، والأسعار مبالغ فيها، والحوكمة فيها غير مكتملة الأركان، فهل كانت السوق المالية الرئيسة عام 2006 أفضل من هذا؟ فلقد كانت بعدد قليل من الشركات (66 شركة تقريبا)، وكانت السيولة مرتفعة ونسبة التذبذب 10 في المائة والإفصاح في أقل مستوى ولا توجد حوكمة، ولا مسؤوليات واضحة وعلاوات إصدار مضخمة بلا سبب والإدراج سهل، وتحميل المواطن مسؤولية الاستثمار وحيدا، فهل هناك اليوم فرق بين هذه "نمو" وبين السوق الرئيسة قبل عام 2006؟

فكرة السوق الموازية فكرة سديدة، لكن (كالعادة) تنفيذ هيئة السوق المالية لها هو المشكلة، فهي سوق خطرة (وهذا مقبول نظريا) فلا بد أن تكون المخاطر فيها أعلى من السوق الرئيسة، لأننا (نظريا) نريد أن نصل بالسوق الرئيسة إلى مستوى استثماري حقيقي وآمن إلى حد بعيد، وهذا لن يتحقق إذا كنا في الوقت نفسه نريد أن نشجع دخول الشركات للسوق مهما كان حجمها وأن تقوم السوق المالية بدورها في تمويل رجال الأعمال والنمو الاقتصادي ككل. لحل هذا التعارض يأتي دور السوق الموازية أن تحمي السوق الرئيسة باستقطابها لكل أنواع الشركات الراغبة في التمويل من السوق، لكن ستبقى السوق الرئيسة تتميز بالشركات الأفضل في البلاد، بل تستقطب الشركات الأفضل من العالم ككل.

لقد كانت السوق الرئيسة (ولم تزل) تعج بشركات لا تستحق التداول الاستثماري، فهي إما خاسرة وإما غير قادرة على  النمو، أو أنها فاشلة إداريا وغير قادرة على تحقيق توزيعات نقدية مجزية، وهذا كله يعطل ماكينة الاستثمار في البلاد ويشوه السوق وسمعتها، ويمنع الناس من الادخار لعدم وجود ميزة في الاستثمار، مثل هذه الشركات يجب أن تخرج من السوق الرئيسة حالا، ولكن هذا الخروج سيمنع عنها حق تداول الأسهم المكفول نظاما، ويمنع المستثمرين من حق شراء أسهم مثل هذه الشركات وحق المخاطرة فيها لمن يتوقع تحسن وضعها، لهذا كان يجب بناء سوق موازية لمثل هذه الشركات يتم التداول فيها للتي فشلت في تحقيق مستوى استثماري حتى تصحح وضعها، وبهذا نحمي السوق الرئيسة فلا تبقى فيها إلا الشركات المتميزة التي توزع أرباحا نقدية وصالحة للاستثمار، بينما تبقى السوق الموازية تمثل حق الشركات والأفراد في تداول الأسهم حتى لو كانت خطرة، وبمعنى أكثر دقة كان يجب على هيئة السوق المالية (مع إنشاء "نمو") أن تواجه الشركات وأن تتحمل مسؤولياتها، وأن تقوم بإعادة إدراج الشركات في السوق الرئيسة وإعادة تصنيفها ومنح مهلة واضحة لكل الشركات فالتي لم تلتزم بشروط التوزيعات النقدية المجزية، والحوكمة الصارمة، والمكافآت المقننة للتنفيذيين، وخطط النمو الواضحة، والاستراتيجيات المعلنة، والإفصاح الكافي، والمراجعة الداخلية واللجان وغيرها من الشروط ومن أهمها السيطرة على التعاملات مع ذوي العلاقة وكما أشرت الربحية والتوزيعات النقدية الحقيقية فإن مثل هذه الشركات ستتم إعادة إدراجها في سوق أخرى تعطي الحق للشركة في تداول أسهمها لكنها لن تمنحها صفة الاستثمارية.

كان لا بد أن تكون "نمو" للشركات الأعلى خطورة التي لا تمثل حقيبة استثمارية أبدا ولا تظهر بهذه الصورة، وفي هذه السوق يجب أن تتحمل الإدارة مسؤولياتها تجاه المساهمين من حيث ضعف التداول وعدم التشجيع عليه، وأن يتم التأكيد على المخاطر العالية في هذه الشركات، وأن يكون التداول مقننا من حيث المدة الزمنية ومن حيث التذبذب ومن حيث المقاصة، يجب أن تكون هذه السوق الأقل وليس الأفضل في المزايا، لكن مع الأسف أعود وأكرر أن هيئة السوق المالية قلبت الموضوع (فيما أرى) من حيث إنها لا تريد مصادمة مع الشركات التي سوف تتم إعادة إدراجها كما أنها تعرف وفقا للشروط الحقيقية للاستثمار أنه لن يبقى في السوق الرئيسة سوى عدد محدود جدا، وهذا قد يتسبب في مشاكل لا تريد هيئة السوق خوض غمارها، ولهذا تعود هيئة السوق المالية بثقافة مؤسسة النقد وحماية نفسها والشركات على حساب المواطن.

إنني أحذر من التداول في "نمو"، ورغم تحذيري إلا أنني أتوقع أن هذه السوق ستشهد تجربة هائلة من حيث التداول فنسبة 20 في المائة مغرية لكل مضارب بلا شك، فالشركات صغيرة وعدد أسهمها قليل وإذا تجاوزت الأسعار 100 ريال، فكل نسبة تذبذب كاملة تمثل 20 ريالا وإذا استطعت أن تقود السهم إلى نسبة هبوط 20 في المائة ثم تعود به إلى القمة في يوم واحد فقط كسبت 40 ريالا، هل هذا فعلا ما تريده هيئة السوق المالية من "نمو"؟ هل هذا هو حل تعميق السوق الرئيسة الذي طالما انتظرناه؟ هل هذا هو حل مشكلة الاستثمار؟ وهل هذا حل لشركات التأمين العالقة، والشركات الخاسرة وإعادة الاكتتاب في زيادة رأس المال بعد تخفيضه؟ هل فعلا "نمو" حل أم مشكلة جديدة؟

جريدة الاقتصادية

أضيف بتاريخ :2017/03/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد