آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

نعم.. سورية ستعود قوية موحدة وأجمل مما كانت عليه..


عبد الباري عطوان ..

في كل مكان في العالم أذهب إليه، بحكم مهامي الصحافية والأكاديمية، وآخرها في الهند، أجد الأشقاء السوريين، والغالبية الساحقة منهم مبدعون في مجالاتهم، ومتفوقون في أعمالهم، ولا ينافسهم أحد في النجاح.

السؤال الذي يتكرر على ألسنتهم بعد السلام، والتحية، والمجاملات التقليدية، هو: “هل ستهدأ الأوضاع في سورية يا أستاذ عطوان؟ هل تعود سورية إلينا مثلما عهدناها، واحة للأمان والاستقرار والعيش المشترك.. والله تعبنا يا أستاذ، وطالت غربتنا ومعاناتنا.. ليس هناك في العالم أجمل من بلادنا”.

لا أملك بلورة سحرية، ولا اقرأ الطالع، ولست من عشاق القهوة العربية، ولا أقول التركية، فنحن الذين صدرناها إلى العالم (اليمن)، ولكني استطيع أن أقول، ودون أي تردد، أن سورية ستعود قوية موحدة متألقة يتعايش الجميع تحت مظلتها، وأن هذه الغيوم السوداء التي تخيم على أجوائها ستنقشع حتما، ويبزغ فجر جديد مختلف وحافل بالأمل، فصبرا آل ياسر.
***
هذه الثقة تأتي من الشعب السوري نفسه، ومن تجارب التاريخ، فهذا الشعب على درجة كبيرة من الثقافة والوعي والقدرة على التمييز بين من يقف معه، ومن يتآمر عليه، ويريد تدمير بلاده وتفتيتها، ونزع كل أسباب قوتها وعزتها وكرامتها، متذرعا بالأكاذيب على غرار ما حدث لشعوب اليمن والعراق وليبيا.

من يتأمل تطورات الأزمة السورية على مدى السنوات الست الماضية، ويختلط بالشعب السوري هذه الأيام، بعيدا عن الغوغائية، وكتائب التضليل، يدرك ما نقول، مثلما يدرك في الوقت نفسه حجم التغيير المتسارع في المشهد السوري.

كتبنا مئات المقالات التي ترصد الوقائع على الأرض، وفي ميادين القتال، وأدلينا، والكثيرون مثلنا برأيهم، لصالح هذا الجانب أو ذاك، بعضنا كان ينطلق من تمنياته، ويعكس وجهة نظر الخندق الذي يقف فيه، والبعض الآخر يقف على نقيضه وللمعايير نفسها، وكان الموضوعيون الذين يحبون سورية كلها، ويرون السوريين جميعا بغض النظر عن عقائدهم ومذاهبهم، ومواقفهم السياسية وولاءاتهم.. أشقاء أعزاء، ولكن هؤلاء كانوا وما زالوا قلة، ولكنها القلة المؤمنة بسورية ذات الجذور الحضارية التي تمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام.

ربما يتهمنا البعض بالعاطفية، والكتابة الإنشائية، ونحن الذين درسنا وحاضرنا في أعرق الجامعات العالمية، وليكن.. فهناك أناس كثيرون للأسف لا يريدون أن يسمعوا كلمة إيجابية تبعث الأمل في نفوس السوريين “المجروحين” وتشحذ عزائمهم، وتبدد ولو قليلا من سحب تشاؤمهم.

ذهبت إلى إسطنبول فوجدت المطاعم السورية تزدحم بالزبائن، وكذلك البقالات، مثلما وجدتها أيضا تطفح بالمكاتب لرجال الأعمال والحرفيين، يتفوقون بمراحل على زملائهم الأتراك، وعرجت على مدينة السادس من أكتوبر على حافة العاصمة المصرية القاهرة، فوجدت أرقى المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية، وأصحابها السوريون الذين حولوها إلى جنة، يستقبلونك بإبتسامة عريضة، ويشعرونك أنك تعرفهم منذ ألف عام، حتى في الهند التي تزدحم بأكثر من مليار وثلت المليار إنسان تجد قصصا لنجاحاتهم، أما عن دبي وبرلين ومالمو ولندن وباريس، فحدث ولا حرج.

هذا الإنسان السوري العظيم المبدع سيعيد إعمار بلاده بسواعده الجبارة في أقل من خمس سنوات، فور أن يعود الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية، ستعود حلب إلى أبهى صورها، وكذلك حمص وحماة، وتدمر والرقة، وكل المدن الأخرى، وسيعود المهاجرون أيضا، ولكن محملين بالأموال والأمل والعزيمة والتسامح أيضا.
***
لا ننسى مطلقا الشهداء الذين سقطوا ضحايا هذه الفتنة، وهذه المؤامرة، ونصر على توصيفنا هذا، وليس هنا مجال تكرار شرح الأسباب، فعندما تجلس المعارضة مع وفد الحكومة ودون حواجز أو اتهامات، فهذا يعني أن الوفاق ممكن، والمصالحة باتت غير بعيدة، وأن كل المحرمات، أو معظمها قد سقط، والمستقبل يعد بالكثير.

نعم ستعود سورية جديدة قوية عزيزة مهابة.. نعم ستعود وسيقود شعبها العربي الأصيل عملية البناء وإعادة الإعمار.. الإعمار المادي المعماري، والإعمار البشري أيضا.. إعمار النفوس وإزالة الأدران والأحقاد.. والانطلاق نحو مستقبل مشرق.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد