آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الجيش السوري يرد.. وصفارات الإنذار “تلعلع″ في مستوطنات الاغوار والقدس المحتلة..

 

عبد الباري عطوان ..

أن تنطلق صفارات الإنذار في القدس المحتلة ومستوطنات أغوار نهر الأردن فجر اليوم، وتتلوها دوي انفجارات ناجمة عن صواريخ سورية، فهذه مفاجأة أثلجت صدور الكثيرين، وأصابت آخرين كثيرين أيضا بصدمة نفسية لم يتوقعونها، ونحن لا نتحدث عن الإسرائيليين فقط، وإنما عن عرب ومسلمين أيضا.

دولة الاحتلال الإسرائيلي شنت غارات عديدة في عمق الأراضي السورية طوال السنوات الماضية، تحت ذرائع متعددة، أبرزها ضرب قوافل أسلحة سورية وإيرانية تتضمن صواريخ بعيدة المدى ومعدات عسكرية إلى حزب الله اللبناني، وكانت تعود دائما إلى قواعدها سالمة دون أن يعترضها أحد، لتنطلق حملات “الشماتة” بسورية وجيشها العربي، ومعها الاتهامات “بالجبن”، وتكرار الجملة “المقيتة” التي تقول “سيردون في الزمن والمكان المناسبين”، كتأكيد على السخرية، والإشادة المبطنة بالعدو الإسرائيلي وطائراته.

اليوم اختلفت الصورة، وتصدت الدفاعات الجوية السورية لأربع طائرات إسرائيلية مغيرة، وأسقطت واحدة منها وأصابت أخرى، حسب البيان الصادر عن الجيش العربي السوري، كما وصلت صواريخ أرضية أخرى إلى أجواء القدس المحتلة وغور نهر الأردن، أي أن الرد لم يقتصر على الطائرات فقط، وإنما على أهداف أخرى أرضية أيضا، وإلا لماذا انطلقت صفارات الإنذار في العمق الإسرائيلي؟

قد يجادل البعض من الذين يقفون في الخندق الإسرائيلي بأن تل أبيب نفت إسقاط أي من طائراتها، وليكن.. فالحدث هو التصدي لهذه الطائرات، والاستعداد لتحمل نتائج هذه الخطوة، والمعاني السياسية والعسكرية التي تحتويها لأصحاب الشأن في دولة الاحتلال أو حلفائها العرب والأمريكان معا.
***
هذا التطور، أي التصدي للطائرات الإسرائيلية، الذي يحدث للمرة الأولى منذ ست سنوات، وربما أكثر، لا يمكن أن يكون وليد الصدفة وغير مدروس بدقة وعناية، وإنما في إطار إستراتيجية عسكرية سورية جديدة تعكس نهاية مرحلة وبداية أخرى، وهذا ما يفسر أقوال أكثر من محلل عسكري إسرائيلي تؤكد أن حكومته لا تريد تصعيدا لأنه ليس من مصلحتها، سبحان الله يغيرون منذ ست سنوات وينتهكون الأجواء، وفي “استفزاز″ متعمد لحدوث رد سوري، والآن يقولون لا يريدون التصعيد؟

الأمر المؤكد أن القيادة السورية قررت التصدي لأي عدوان إسرائيلي، وأنها في الوقت نفسه مستعدة لتحمل كل النتائج، والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، وفي إطار خطط مدروسة بعناية فائقة، ويبدو واضحا أن الإسرائيليين التقطوا هذه الرسالة بسرعة، واعترفوا لأول مرة بالإغارة على الأراضي السورية، وأطلقوا العنان لصفارات الإنذار تحسبا للأسوأ، وصمتوا وكأن على رؤوسهم الطير من هول الصدمة.

الصواريخ السورية، وحسب المحللين العسكريين الإسرائيليين، ومعظمهم من الجنرالات المتقاعدين، أكدوا أنها متقدمة جدا، دفعت بالقيادة العسكرية الإسرائيلية إلى التصدي لها بصواريخ “حيتس″، الأكثر تطورا في ترسانتها العسكرية، ومع ذلك لم تنجح إلا في اعتراض صاروخ واحد فقط، حسب التقارير الصحافية الإسرائيلية، فكيف سيكون الحال لو أن الصواريخ المستخدمة في المرات القادمة من طراز “اس 300″ أو “اس 400″؟

البيان الرسمي للجيش السوري الذي قال “إن هذا الاعتداء السافر يأتي إمعانا من العدو الصهيوني في دعم عصابات داعش الإرهابية ومحاولة يائسة لرفع معنوياتها المنهارة والتشويش على انتصارات الجيش العربي السوري في مواجهة التنظيمات الإرهابية”، لم يشر، أي البيان، إلى نوعية هذه الصواريخ لكنه أراد الإيحاء بأن هذه الغارة التي استهدفت مركزا عسكريا قرب مدينة تدمر الأثرية جاءت تدخلا في الأزمة السورية لمصلحة هذه التنظيمات.

لا نعتقد بأنه القيادة السورية تقدم على قرار استراتيجي على هذه الدرجة من الأهمية في التصدي لطائرات إسرائيلية، دون التنسيق المسبق مع حلفائها الروس والإيرانيين، والحصول على الضوء الأخضر للرد وبقوة، وكأن هؤلاء الحلفاء يوجهون رسالة تحذير إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي حل ضيفا على الرئيس فلاديمير بوتين، وبهدف التعبير عن القلق من الوجود الإيراني في سورية والمطالبة بإنهائه.

الرسالة تقول بأوضح العبارات أن عربدتكم هي التي غير مقبول، وأن اختراقكم للأجواء السورية الذي أدمنتم عليه طوال السنوات السابقة هو الخطر الأكبر الذي سيتم التصدي له، والحيلولة دون تكراره.
***
الرد السوري الذي جاء قويا ومفاجئا، وفي وقت تتطابق وجهات نظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ضيفه السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد، حول ضرورة التصدي للخطر الإيراني، سيخلط كل الأوراق حتما، وسيؤشر إلى مرحلة جديدة من التصعيد العسكري قبل السياسي، ولا نستغرب أن تكون هذه الخطوة السورية هي الرد على هذا التطابق، وما أسفر عنه من خطط تصعيدية.

الجيش السوري وبعد ست سنوات من المعارك الطاحنة ما زال متماسكا، قويا، صلبا، والأهم من ذلك، لم تضل بوصلته الطريق التي كانت، وما تزال، تعتبر الاحتلال الإسرائيلي هو العدو الأكبر للأمة والعقيدة.

احد أبناء القدس الاصلاء هاتفنا معلقا على أصوات صافرات الإنذار التي انطلقت فجرا.. “أنها أجمل لحن موسيقى سمعته منذ عام 1067.. أنا لا اصدق ما يحدث”.

نفهم هذا الشعور من أحد أبناء أمة طفح كيلها من الإهانات والإذلال والعربدة الإسرائيلية والخنوع الرسمي العربي.

معلومات وصلتنا من مصادر نثق في صحتها، أن ما نراه هو بداية البداية وأن القادم أعظم، وأن هناك مفاجآت قادمة، والسنوات العجاف توشك على نهايتها.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد