آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مأزق إسرائيل يتفاقم بعد الرد الصاروخي السوري..


عبد الباري عطوان ..

الرد الصاروخي السوري على غارة شنتها أربع طائرات إسرائيلية قرب مدينة تدمر، ولأول مرة منذ سنوات، خلط الأوراق، وغير المعادلات العسكرية والإستراتيجية في المنطقة ولو جزئيا، وثبّت وقائع جديدة على الأرض.

هناك عدة نقاط رئيسية يمكن استخلاصها من خلال قراءة ردود الفعل العربية والإسرائيلية والدولية التي تبلورت بفعل هذا الرد الصاروخي المفاجيء وغير المتوقع:

أولا: القيادة العسكرية الإسرائيلية باتت تعيش حالة مزدوجة من الخوف والقلق، من جراء هذه الجرأة العسكرية السورية التي تبدو ليست عفوية، وإنما محسوبة بعناية فائقة، ومقدمة لخطوات أخرى.

ثانيا: الرد الصاروخي السوري ليس قرار القيادة في دمشق وحدها، وإنما قرار “محور” يضمها إلى جانب روسيا وإيران وحزب الله، وربما العراق أيضا، فهذه القيادة لا يمكن أن تقدم على عمل كهذا له تبعات خطيرة، من بينها إشعال حرب إقليمية في المنطقة دون التنسيق مع حلفائها، وأخذ موافقتهم مبكرا ومسبقا، وفي إطار إستراتيجية متفق عليها.

ثالثا: استدعاء الخارجية الروسية للسفير الإسرائيلي في موسكو، وللمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين لم يأت، إلا لشعورها بالغضب والقلق معا، ورغبتها في وضع حد لهذه العربدة الإسرائيلية في سورية التي تعتبرها منطقة نفوذ عسكرية لها.

رابعا: النجاحات الميدانية التي حققها الجيش السوري في الأشهر الأخيرة، وبدعم روسي إيراني وحزب الله، وتتمثل في استعادة كل من حلب وتدمر، وحي الوعر في حمص، بحيث باتت كلها تحت سيطرته، هذه النجاحات منحته الثقة، وأعطته جرعة كبيرة من الأمل.

خامسا: نحن على حافة تدهور عسكري متصاعد على الأرض السورية، بعد أن حقق الرد السوري خطوة كبيرة على طريق تحقيق “الردع″ جزئيا أو كليا على هذه الجبهة، وباتت دولة الاحتلال الإسرائيلي محصورة في زاوية ضيقة، وخياراتها محدودة، وخطرة جدا في الوقت نفسه.
***
تصريحات أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، التي ادلى بها لراديو إسرائيل اليوم (الأحد)، وتوعد فيها بتدمير الطيران الإسرائيلي لأنظمة الدفاع الجوية السورية في حال أطلق الجيش السوري مرة أخرى صواريخه باتجاه الطائرات الإسرائيلية، وشاركه بنيامين نتنياهو، رئيسه في إطلاق التهديدات نفسها، تعكس مأزقا إسرائيليا حقيقيا، وصعودا على شجرة عالية لا يمكن البقاء فوقها طويلا، فنقل أسلحة وصواريخ وعتاد عسكري متقدم إلى “حزب الله” لن يتوقف، وأي محاولة لقصف القوافل ستواجه بالرد بالصواريخ، سواء باتجاه الطائرات المغيرة أو في العمق الإسرائيلي، فالرد السوري الأخير لن يكون لمرة واحدة، وإلا لما جرى الإقدام عليه، لأن عدم الرد في المرة المقبلة سيلحق ضررا معنويا وسياسيا وعسكريا كبيرا بالقيادة السورية، والإسرائيليون يعرفون هذه الحقيقة جيدا.

“حزب الله” لم يعد موجودا في لبنان فقط، وإنما في مختلف أنحاء سورية، ويتمركز في قواعد ثابتة ومتحركة معا، ويحيط دولة الاحتلال من الشمال اللبناني والجنوب السوري، ومن غير المستبعد أنه عززها بصواريخ متقدمة جدا، والأهم من ذلك أن الجيش اللبناني، في ظل رئاسة الجنرال ميشال عون، سيكون حليفا له في أي مواجهة، أو عدوان إسرائيلي مقبل، فهو داعم رئيسي للمقاومة، وعقيدة الجيش اللبناني تغيرت، وباتت تصب في مصلحة هذا الخيار.

سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت دولة مواجهة، وفي حال حرب مع إسرائيل، بعد توقيع الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية معاهدات سلام مع تل أبيب، وباتت مدعومة من إيران وحزب الله، وتتمتع بمظلة روسية قوية، وهناك تقارير تؤكد أن إيران أقامت قاعدة بحرية في طرطوس، وأن حزب الله بات يملك مصانع صواريخ في لبنان، ولم الاستغراب فإذا كان التحالف “الحوثي الصالحي” في اليمن بات يملكها، وكذلك حركة “حماس″ في قطاع غزة، فلماذا لا يملكها “حزب الله”؟
***
الحلف الروسي الشرق أوسطي يتمدد، والتقارير التي أكدت أن موسكو أرسلت وحدات كوماندوز إلى قواعد في غرب مصر لمساعدة الجنرال حفتر (النفي المصري لم يكن مقنعا)، وباتت سفنها تتمتع بتسهيلات بحرية في الموانيء الليبية والمصرية الغربية أيضا، وكل هذه التطورات تؤكد أن هذا الحلف في حال من الصعود.

السنوات الست الماضية أثبتت أن روسيا لا تخذل حلفاءها، فعندما استغاثت بها القيادة السورية طلبا للنجدة قبل عامين تدخلت بقوة ومنعت إسقاط النظام، وعندما لجأ إليها الجنرال الليبي خليفة حفتر، لبت النداء اللانتقام من خديعة الأمريكان لها في ليبيا، ومن غير المعتقد أنها ستقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي جديد على سورية، التي باتت نقطة ارتكاز عسكري رئيسية في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليها.

زمن الغطرسة الإسرائيلية ربما يقترب من نهايته، والغارة الجوية الأخيرة قرب تدمر قد تكون الأخيرة فعلا، إلا إذا أرادت القيادة الإسرائيلية إشعال فتيل حرب تؤدي إلى هطول مئات الآلاف من الصواريخ فوق رؤوس مستوطنيها من الناقورة حتى إيلات، ومن الشمال والجنوب والشرق أيضا.

فليهدد ليبرمان كيفما يشاء.. وليتوعد نتنياهو مثلما يريد.. ففلسطين كانت وستظل بوصلة الكرامة والشهامة، والاختبار الحقيقي للشجاعة والوطنية، والموحد الأقوى للأمتين العربية والإسلامية، لأنها قضية شرف عابرة للطوائف، والأعراق، والحدود.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد