آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الابتزاز القضائي الأمريكي للسعودية يبدأ فور انتهاء زيارة الأمير بن سلمان لواشنطن

 
عبد الباري عطوان ..

بعد يومين من اختتام زيارة وصفت بأنها تاريخية للأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه مع مسؤولين في الإدارة على رأسهم دونالد ترامب، رفعت مجموعة مكونة من 800 شخص من أقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، دعوى قضائية أمام محكمة اتحادية في منهاتن (نيويورك) ضد المملكة العربية السعودية بتهمة تمويل تنظيم “القاعدة” والمطالبة بتعويضات مالية ضخمة مقابل ما لحق بهم من اضرار.

وثيقة الادعاء التي تقدمت بها شركة محاماة كبرى نيابة عن أسر الضحايا، وتمثلت في 135 صفحة، اتهمت جمعيات خيرية، وجهات حكومية سعودية، “بإقامة علاقات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وعلم الحكومة بانتماء ثلاثة من خاطفي الطائرات للتنظيم”.

الفقرة الأخطر في هذه الوثيقة تقول “المملكة العربية السعودية كانت بوجهين، الوجه الأول عندما قدمت نفسها علنا للولايات المتحدة والغرب على أنها بلد يقاتل تنظيم “القاعدة” والإرهاب، والوجه الآخر، مثلما هو مفصل في الوثيقة، تقديم مسؤولين سعوديين دعما ماليا كبيرا للتنظيم”.
***
هذه الدعوى القضائية التي تعتبر الأولى في سلسلة قضايا لاحقة، تأتي في إطار قانون أقره الكونغرس الأمريكي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، بأغلبية ساحقة، تحت اسم “العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب” أو “جاستا”، وتعتمد في أدلتها على تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي (F B I)، وأبرزها دعم مسؤولين في السفارة السعودية في ألمانيا لقائد الهجمات محمد عطا، وتمويل زملاء له في سفارة السعودية في واشنطن، وخاصة سالم الحازمي، وخالد المحضار اللذين شاركا في العملية.

الانطباع السائد في المملكة يفيد بأن تعاقد الحكومة السعودية مع أكثر من 12 شركة علاقات عامة، ورصد عشرات الملايين من الدولارات في هذا الصدد، علاوة على تفرغ السيد عادل الجبير، وزير الخارجية الحالي والسفير السابق لبلاده في واشنطن، لمدة شهرين لإجراء اتصالات بأعضاء الكونغرس على أمل شرح وجهة نظر بلاده، ووصول ترامب إلى البيت الأبيض، كلها عوامل نجحت في تعطيل هذا القانون، أو تهيئة الأرضية اللازمة لإدخال تعديلات عليه، لكن هذه الدعوى القضائية أثبتت فشل كل هذه الجهود حتى الآن على الأقل.

السلطة القضائية في الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا، تتمتع باستقلالية كاملة عن نظيرتها السياسية، وأثبتت هذه الاستقلالية بكل وضوح عندما تحدت الرئيس ترامب، وأبطلت مرتين مراسيمه التي أصدرها بمنع مواطنين من سبع دول إسلامية من زيارة الولايات المتحدة، الأصلية منها والمعدلة.

في أمريكا، ودول أوروبية عديدة، هناك شركات محاماة كبرى، تتخصص في رفع دعاوى أمام المحاكم نيابة عن “ضحايا”، على أساس قاعدة قانونية تقول (لا ربح للقضية.. لا رسوم” (NO Win.. No FEES)، أي أنها تحصل على أتعابها بعد الفوز في القضية والحصول على تعويضات من الجهات المتهمة، ومن المؤكد أن شركة محاماة “كريندلر اند كريندلر” العملاقة تتبع هذه القاعدة القانونية، لأن معظم أهالي الضحايا لا يملكون الإمكانيات المالية التي تؤهلهم لتحمل نفقات قضية بهذه الضخامة، وتصل تكاليفها عدة ملايين من الدولارات.

الشركة المذكورة لم تحدد أي سقف للمبالغ التي تطالب بها كتعويضات لموكليها، ولكن يكفي الإشارة إلى أن ولاية نيويورك وحدها تقدر خسائرها المادية الناجمة عن تدمير مركز التجارة العالمي، ومبان أخرى، ومصالح تجارية تضررت، بحوالي مئة مليار دولار، وهناك تقديرات غير رسمية تؤكد أن الحجم الكلي للتعويضات قد يصل إلى أربعة تريليون دولار، أن لم يكن أكثر.

لا نعرف ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان ناقش هذه القضية مع الرئيس ترامب عندما ألتقاه في البيت الأبيض، ووصف في الإعلام السعودي اللقاء بأنه “تاريخي”، أسس لعلاقة إستراتيجية، ولكن ما نعرفه أن ترامب لا يملك أي قدرة قانونية تؤهله للتدخل في الشؤون القضائية الأمريكية، تماما مثلما عجز توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، ومن قبله سلفه جون ميجور، عن ترحيل المعارضين السعوديين الدكتورين سعد الفقيه ومحمد المسعري، بطلب سعودي مقرون بتهديد بإلغاء صفقة اليمامة للأسلحة التي تقدر قيمتها في حينها بحوالي 70 مليار دولار.
***
المملكة العربية السعودية تقف حاليا على أبواب عملية “ابتزاز″ مالية مزدوجة، الأولى من الرئيس ترامب الذي يريدها أن تمول مشاريع إعادة بناء البنى التحتية الأمريكية، أو جزءا منها مقابل مظلة الحماية الأمريكية التي تمتعت بها لعقود، والثانية من المؤسسة القضائية الأمريكية، على شكل تعويضات مالية ضخمة.

من أين ستسدد المملكة هذه الفواتير في ظل خواء الميزانية، وتبخر معظم الاحتياطات المالية، وتراجع أسعار النفط، وحرب استنزاف في اليمن وسورية؟

الحل قد يكون بيع أصول الدولة وعلى رأسها شركة أرامكو، وربما ما تحت الأرض من احتياطات نفطية.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد