آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل أنهى صد هجوم دمشق عملية جنيف التفاوضية..

 

عبد الباري عطوان ..

عندما تؤكد البيانات الرسمية للجيش السوري أن هذا الجيش نجح في استعادة كل المواقع التي سيطر عليها المسلحون من مقاتلي “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا)، والفصائل المتحالفة معها، مثل فيلق الرحمن، بين حيي جوبر والقابون في شرق دمشق، و”يعزز خطوط الصد مع المجموعات الإرهابية في ريف حماة”، ويوقع خسائر كبيرة جدا في صفوف المهاجمين، فهذا يثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى “الحكمة” من شن هذا الهجوم، وقبل أيام معدودة من بدء مفاوضات جنيف في نسختها الخامسة.

فإذا كان الهدف من هذا الهجوم المفاجيء الذي استهدف العاصمة هو الثأر من هزيمة حلب، وتعديل ميزان القوى العسكرية في ميادين القتال لمصلحة المعارضة المسلحة وفصائلها، وبإيعاز من الدول الداعمة مثل المملكة العربية السعودية وقطر، حسب ما تفيد بيانات الحكومة السورية وإعلامها، وبما يعزز موقفها التفاوضي في جنيف، فأن النتائج جاءت عكسية تماما، لأنها صبت في مصلحة الوفد الحكومي، وأعطت مصداقية لمطالبه في إعطاء الأولوية لبحث بند الإرهاب وتقديمه على جميع البنود الثلاثة الأخرى مثل الحكومة الانتقالية، والدستور، والانتخابات.
***
الحكومة السورية خرجت قوية من هذا الهجوم المفاجيء، ليس لأنها نجحت في إحباطه، والقضاء عليه في أيام معدودة، وإنما لأنها ظهرت بمظهر الحريص على التمسك أيضا باتفاق وقف إطلاق النار، وترسيخه أكثر والبناء عليه، من خلال مشاركتها في مفاوضات الآستانة الذي قاطعتها الفصائل المسلحة المعارضة، وإرسال وفدها إلى جنيف للتأكيد على نواياها، التي يشكك في جديتها الكثير من المعارضين، بإعطاء الأولوية للحل السياسي.

استهداف دمشق فجأة، وبعد فترة من الهدوء امتدت لبضعة سنوات، وحصر المواجهات في المدن الأخرى، أربك الحكومة السورية دون أدنى شك، وربما كان هذا الإرباك سيكون أضخم حجما لو أن الهجوم حقق تقدما متسارعا، لسبب بسيط، وهو أن مدينتين ظلتا بعيدتين عن الانخراط في “الثورة” منذ بدايتها، الأولى دمشق العاصمة، والثانية حلب، بسبب طبيعة الأولى المختلطة والمتعايشة اجتماعيا، ووجود المؤسسة الأمنية القوية فيها، وكون الثانية تشكل العاصمة الاقتصادية، والعمود الفقري للمجتمع المدني في الشمال السوري، ولذلك تميل طبقتها الوسطى إلى الاستقرار، ومهادنة الدولة، باعتبارها أحد أعمدته الرئيسية.

عدم انخراط المدينتين في الثورة في أيامها الأولى كان مصدر إحباط للقوى الداعمة لها، وفي منطقة الخليج على وجه التحديد، الأمر الذي دفعها إلى التحريض على تأليب الأرياف والطبقات المحرومة المهمشة للتحرك باتجاهها، وهو توجه أيده البعض وعارضه البعض الآخر، وجاء صمود النظام وجيشه في الأولى لست سنوات، واستعادة الثانية بدعم إيراني وغطاء جوي روسي، وتواطؤ تركي، ليصلب من عود النظام، ويفشل كل الرهانات على سقوطه في المستقبل المنظور.

في ظل إحباط الهجوم على العاصمة وبسرعة فاجأت القوى التي أرادت أن تخلط الأوراق من خلاله، بات من الصعب توقع حدوث أي اختراق جدي في مفاوضات جنيف الحالية، خاصة أن القوى العظمى باتت منشغلة حاليا بجبهات أخرى، جبهتي الموصل والرقة، فالقوات العراقية المدعومة أرضا بالبشمرغة الكردية وقوات الحشد الشعبي، وجوا بالغطاء الأمريكي، تتقدم في الأولى، وأن ببطيء، في ظل دفاع مستميت عن أحيائها الغربية القديمة، بينما تشير كل الدلائل على أن معركة الثانية، أي الرقة، باتت وشيكة بعد الدعم الأمريكي الضخم لقوات سورية الديمقراطية الكردية، وجيش العشائر الذي يتزعمه السيد أحمد الجربا.

استقالة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا كانت متوقعة، ليس لأنه فشل في مهمته، وإنما بسبب “الفيتو” الرسمي السوري الذي جاء على أرضية اتهامات له بتحريض المعارضة المسلحة على الأقدام على هجمات عسكرية مباغته تعدّل موازين القوى لصالحها في مفاوضات جنيف.
***
مفاوضات جنيف فقدت زخمها، والعملية التي أنجبتها عادت، أو أعيدت، إلى بيات صيفي قد يطول، فاختيار مبعوث دولي جديد سيحتاج إلى وقت طويل، وحتى يستوعب هذا المبعوث قواعد الأزمة وأبجدياتها وآلياتها، سيضطر للبدء من المربع الأول، والقيام بجولات استطلاعية مكوكية عديدة.

طبيعة المهمة التي وصلت من أجل انجازها الوفود المشاركة في مفاوضات جنيف ستتغير جذريا في الأيام المقبلة، وستتحول من سياسية إلى سياحية، وسيتقدم الحل العسكري على الحل السياسي، ومن غير المستبعد أن نرى ردا انتقاميا للتحالف الروسي السوري الإيراني في إدلب في الأيام المقبلة، على أرضية تحميل الفصائل المشاركة في هجوم دمشق مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في مدينة الآستانة.

الصمت الروسي على هجومي دمشق وحماة مريب جدا، ويوحي بخيبة أمل مكتومة، قد تتبلور في خطوات عسكرية في ميادين القتال.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد