آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

العراق يتوسل تدفّق السلاح الأمريكي… من كربلاء أكتب لكم

 
إسماعيل القاسمي الحسني

ما يحدث في الشرق الأوسط، و لكونه تجاوز حدود المنطق و العقل، قد يصح وصفه بلوغاريتمات ميتافيزيقية بالغة التعقيد لا يفكّ طلاسمها حتى مردة الجن التي وضعتها و طرّزت منحنياتها بدماء ملايين الناس و وشّحت إطارها بأشد المآسي بؤسا.

بداية العراق ليس استثناء من بين البلاد العربية، الفارق نسبي لا أكثر، فحالة الإفلاس و التبعية العمياء و الارتهان للعدو ظاهرة تكشّفت عوراتها القبيحة عام 1979، و مذاك بدأت أوراق التوت اليابسة تتهاوى تباعا،و لعلني لا أبالغ إن قلت: إن الأمة العربية بعد أن تعرّت شجرتها من الأوراق، ها نحن في مرحلة ناعين فيها، أنواعا من حشرة الأرضة تنخر أغصانها و جذعها.

يعيب بعض عباقرة السياسة لدينا النفوذ الإيراني في العراق، و الحال أن إيران دولة جارة و تنتمي للعالم الإسلامي، و لا يلتفت هؤلاء النقّاد للاحتلال الأمريكي الذي أول ما أعلن عنه زعيمه بوش وصفه بعظمة لسانه أنه “حملة صليبية” و أن “الرب أوحى له بأمر احتلال العراق”، نعم قالها بلسانه لا تورية و لا لمزا و لا غمزا، فضلا عن البعد الجغرافي و انعدام أي فضاء يجمع بين العراق و أمريكا. هذا الواقع المجسّد أمامنا ينظر إليه القوم إن نظروا كلا شيء، بل منهم من شجعه و دعمه و دعا له، أن تحتل أمريكا العراق و تسحقه سحقا و تدمره تدميرا، أمر لا يستدعي أي مراجعة أو تأمل في الموقف منه؛ إنما إيران  فألف لا و لا.

و هنا و من العراق حيث نزلت بأرضه أول أمس، لست أدافع عن نفوذ إيران بالمنطقة و لا أبرّره، و إنما أتساءل كمواطن ينتمي لهذه الأمة: هل كان لإيران من خيار؟ الطبيعة ترفض الفراغ كما هو معلوم، و كان أول أمر قام به الاحتلال الأمريكي للعراق هو “خلق الفراغ”، هل ملأه قادة من أبنائه؟ أم ملأته أنظمة عربية دعت لتسطير هذا الواقع؟ لا أعتقد أن إيران كان لها خيار غير هذا؛ هذه القراءة للواقع الاستراتيجي التي دعوت لها في مقال سابق، القيادتين في الجزائر و مصر بخصوص الحالة الليبية، لا يعقل أن يترك الفراغ بحجة عدم التدخل في شأن دول أخرى، و هل بقيت دولة في ليبيا لنقول ذلك و نعتمده في تقدير الموقف؟ ما خلّفه حلف الناتو بقيادة أمريكية و تغطية سياسية و مالية خليجية، ليس غير “الفوضى”، و هذه الأخيرة ما لم تملأ، تتمدّد بطبيعتها و ليس هناك خيار ثالث.

بالنسبة للعراق، ما أدهشني ليس النفوذ الإيراني و إنما هذه التبعية المذهلة لراعي البقر، حالة المغلوب مع الغالب التي أشار لها بن خلدون، فمن جهة تعتبر الولايات المتحدة محتلا ظالما للعراق، مسؤولة عن قتل حوالي مليوني مواطن مدني عراقي، من أطفال و نساء و شيوخ و عجزة،و هي المسؤولة عن تفكيك مؤسسات الدولة و تدمير البنية التحتية، و من جهة هي الحليف الاستراتيجي الأول، كيف يستقيم ذلك في عقل عاقل؟ الله أعلم. يوم أمس تعالت أصوات المسؤولين العراقيين تستجدي تواصل تدفق السلاح الأمريكي للجيش العراقي، و السؤال: هل بقي في العراق من يعتقد بأن الولايات المتحدة جمعية خيرية؟ و هل سمع أحدهم تصريح دونالد ترامب الذي أنكر فيه و بلغة ملؤها السخرية و الازدراء وجود دولة عراقية، حين برّر أحقية الولايات المتحدة المطلقة في أبار النفط العراقي !!!؟.

  الدول التي تصنّع السلاح لا تكاد تعد، من روسيا إلى الصين إلى جنوب أفريقيا فضلا عن كوريا الشمالية و إيران و دولتان عربيتان و غيرها كثير؛ أليس حريا بالمسؤول العراقي أن ينوّع مصادر السلاح حتى يمتلك هامشا من الحرية؟

يبدو أن ما ذهب إليه علي الصراف في كتابه جمهورية الموت ليس بعيدا عن واقع العراق، خاصة ما تعلق بأمراء الحرب و أثرياء المآسي.

هي تساؤلات فرضت نفسها علي في أول يوم لي بالعراق،و لكم أتمنى أن أجد بين أهله من أجوبة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/05/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد