آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عثمان الخويطر
عن الكاتب :
نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً، وكاتب في صحيفة الإقتصادية السعودية

مفاوضات تخفيض إنتاج النفط .. لماذا؟


عثمان الخويطر

تزخر الساحة البترولية بالمواضيع التي دوما تستحق منا المتابعة والاهتمام. فتذبذب الأسعار المتكرر، صعودا وهبوطا، وهو من الأمور التي نسمع عنها ونشاهدها تقريبا يوميا، لا تزال كما كانت عليه منذ عقود طويلة. حتى أصبح التذبذب سمة من سمات حركة أسعار البترول. والرابح الخاسر فيها في الأغلب هم المضاربون في أسواق البترول. وعودة ارتفاع إنتاج البترول الصخري الأمريكي إلى الواجهة، بعد أن ظهر تحسن طفيف على الأسعار خلال الأشهر الماضية، احتلت مكانة بارزة في المجال الإعلامي، وذلك بدفع قوي من بعض وسائل الإعلام الغربية، التي ما فتئت تدغدغ به مشاعرنا، على الرغم من ترحيبنا به كرافد لبترولنا التقليدي.

ولعل موضوع الساعة، كما هو ظاهر اليوم، هو مفاوضات تجديد فترة تخفيض الإنتاج لتمديد المدة المتفق عليها سابقا، الذي كان قد تم قبل ستة أشهر بين معظم الدول المصدرة للبترول. والموضوع إجمالا في تصوري غريب؛ فهو غريب كون ربط الاتفاق أصلا بزمن محدود، وليس مستداما، كما كان يتطلب الموقف آنذاك، ما دام أنه كان في خدمة مصالح المنتجين، وغريب أن يكون تمديده أيضا بحاجة إلى مجهود كبير من الإقناع المضني. رغم أن الجميع حسبما يظهر لنا من الشواهد العينية متفقون على فكرة التمديد وإبقاء مضمون الاتفاق ساري المفعول. إذن، فقد كان بالإمكان الاكتفاء بتصريح رسمي من المسؤولين بالموافقة أو على الأقل السكوت، وهو من علامات الرضا. فيوفر المسؤولون على أنفسهم مشقة السفر ومصروفات الذهاب والإياب والإقامة، ما دمنا نعرف النتيجة سلفا، أو هكذا كنا نظن.

ولكن الأغرب من ذلك حقيقة، هو السماح من الأساس بتكون فائض إنتاج في السوق البترولية من مصدر الكل يعلم أنه قابل للنضوب، وهذا تناقض صريح. فمن المفترض أن تكون كميات إنتاج البترول دائما وأبدا في حدود الطلب العالمي المعتاد، وهو ما لم نشاهد ممارسته بعد على أرض الواقع منذ عرفنا البترول، وأصبح سلعة متداولة ذات قيمة إستراتيجية مهمة.
ونسأل أنفسنا: لماذا يخسر الجميع مع إمكانية توافق السياسات من أجل المصلحة العامة؟ ومن الذي يتحكم في سياسة المنتجين ويبث الخلاف بينهم لتكون النتيجة كما نراها اليوم، لا تخدم المصالح؟ أسئلة كثيرة ومهمة لا نجد لها جوابا.

هناك على الساحة من يريد الإضرار بالآخر ومنهم من يحسد هذا أو ذاك. ولا مانع لدى بعض الدول من التضحية المالية من أجل الإضرار بمصالح طرف ما. ومعروف أن اللعب بالبترول هو سلاح ذو حدين..

ولعل أكثر ما يلفت النظر بوجه عام حول موضوع إنتاج البترول في معظم الدول هو النظرة غير الطبيعية التي تجعل منه سلعة ليست ذات أهمية، على الرغم من مفهوم سرعة نضوبها؛ إذ يتم إنتاجها بإسراف مذهل كما هي عليه الحال اليوم.

وكان من الممكن للدول المنتجة البحث عن مصادر جديدة للطاقة لتكون رافدا للبترول. لو حدث ذلك، لما امتنع مصدرون خلال السنوات الأخيرة عن تخفيض الإنتاج لرفع السعر حتى وقت الحاجة الملحة لذلك، بل الأغرب في الأمر أنهم أصبحوا يعتبرون التخفيض خسارة إنتاج. مع أن التخفيض في حد ذاته يجلب لهم سعرا أفضل ويحفظ كميات كبيرة من البترول تحت الأرض وذخرا للمستقبل. ونتعجب من قول البعض إن بلادهم خسرت بسبب تخفيض الإنتاج كذا مليارات من الدولارات، ونسوا أن التخفيض الطوعي الذي يتحدثون عنه قد منع السعر من التدهور إلى مستويات قياسية. وفي الوقت نفسه، وفر لهم ملايين البراميل لمستقبل أولادهم وأحفادهم، الذي لا يظهر أن له أهمية كبيرة عند بعض الدول مع الأسف. والتخوف يكمن في أن تكون هناك أدوار تلعب بشكل فاعل في توجيه الخطط الإنتاجية لبعض دول التصدير، وإلا لكان الأمر طبيعيا، يرفع الإنتاج من له قدرة على ذلك وقت ارتفاع الطلب، وتخفيضه تلقائيا عندما تظهر بوادر تخمة، ليظل السعر يتناسب مع القيمة الحقيقية لهذه السلعة الإستراتيجية النافقة. ونحن نعلم أننا نتحدث عن الوضع المثالي للسوق البترولية، وهو أمر قد لا يتحقق للأسباب التي ذكرناها آنفا.
 
صحيفة الاقتصادية

أضيف بتاريخ :2017/05/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد