آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله راقدي
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية جامعة باتنة

الصراع القطري السعودي ورجع الصدى المصري

 

عبدالله راقدي

أثارت التصريحات المسربة مؤخرا والمنسوبة إلى أمير قطر التي دعا من خلالها إلى إعادة النظر في العلاقات مع إيران باعتبارها قوة إقليمية إسلامية، أو ما تعلق بمنظمتي حماس وحزب الله، حالة من عدم الرضا والاستياء والرفض في الرياض والقاهرة وأبوظبي. ترجمت بشن هجوم قوي من قبل وسائل الإعلام المرئية عبر كبريات القنوات التلفزيونية ومقالات الجرائد. حيث أجمعت كلها على شيطنة قطر بل والتعاطي معها على أنها المهدد للأمن والاستقرار في منطقة الخليج. مما أفرز جدلا سياسيا واسعا وتساؤلات عديدة من قبيل: هل الصراع بين بعض دول الخليج مؤشر على تدشين مسعى جديد لإعادة هندسة نظام إقليمي خليجي؟ وهل المستهدف من هذا التجاذب إيران وقوى المقاومة أم أن للصراع رجع صداه الاستهدافي هناك في مصر؟ وإلى أي مدى يمكن الرهان على قدرة السعودية في قيادة قاطرة المنظومة الخليجية الشرق أوسطية الجديدة؟ وهل الصراع مع قطر هو تحصيل لترتيبات ما بعد العولمة؟

 

        ويكاد مسعى  إعادة ترتيب منطقة الخليج في ظل توكيل السعودية بقيادة المنطقة العنوان الأبرز  المتزامن مع وصول دونالد ترمب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة والذي يحمل رؤية جديدة للعالم تختلف عما كان قائما خلال الثلاث عقود الأخيرة. فإستنادا إلى شعار”أمريكا أولا”، تبنت إدارته مقاربة التفوق الأمريكي على حساب القيادة العالمية. ويستدعي المنظور العمل باستمرار على حماية مصالحها حيث ما وجدت، وهذا عبر المراقبة والتحكم والسيطرة على مناطق النفوذ. وتأتي زيارة دونالد ترامب إلى السعودية وإبرامه صفقات ومعاهدات بلغت 34 بقيمة 380 مليار دولار، كخطوة تهدف إلى تحصيل ماتراه القيادة الجديدة حقوق أمريكا جراء قيامها بحماية حلفائها ( تسديد الفاتورة مقابل الحماية)، من الإرهاب الذي تمثله “حركة حماس، حزب الله وإيران”، علاوة على مسعى الحد من النفوذ الروسي في المنطقة.

 

       ويبدو أن ترتيب المنطقة بما يضمن خلق نوع من التجانس والتوافق داخل البيت الخليجي وبما يسمح بجعل القيادة عند السعوديين كفيلة بضمان الشروط الإبتدائية قبل الدخول في المواجهة المحتملة مع الخصوم والأعداء المتأهبين، أو المستقبليين. ففي هذا السياق، كتبت الواشنطن بوسط، “يبدو أن هناك عوامل حولت المشهد الجيوبولتيكي في الخليج. وأشارت إلى أن إدارة ترامب تعتزم تبني مجموعة من السياسات الإقليمية التي تتماشى إلى حد بعيد مع الرؤية في أبوظبي والرياض من تلك التي الموجودة في الدوحة.” لكن هل تدرك إدارة ترامب كما كتبت “اندي سليم” بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، “أن الخطوة التي أقدمت عليها دول الخليج أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة ترامب على دراية بتبعات إطلاق العنان للسعوديين في المنطقة. وهل هو مسعى إلى إنهاء ما يسمى بالظاهرة القطرية؟ أم كونه لا يعدوا أن يكون مساومة رفعت فيها السعودية وحلفائها سقف مطالبهم من أجل إعادة قطر إلى لعب دورها الطبيعي بما يتناسب وقدراتها.

 

إنها نهاية العولمة السياسية: فأي دور بقي لقطر؟

 

      ففي سياق العولمة السياسية حيث تسفيه ظاهرة الدولة ذات التراث الواستفالي وعبر تقليص وظائفها وفي إطار حالة الإرباك التصورية التي تعاني منها، تنامى دور قطر ذات الإمكانيات البسيطة لتلعب دور مالئ  الفراغ الجيوبولتيكي. وفرت للولايات المتحدة القاعدة العسكرية العيديد التي كانت المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق عام  2003 وعلى الطالبان في أفغانستان، فضلا على قيامها بدور الوساطة واحتضانها لمعاهدة الصلح بين حركة فتح وحماس الفلسطينيتين. علاوة على حصولها على حق احتضان فعاليات كأس العالم 2022. وبحسب صحيفة فاينانشل تايمز“غضبت السعودية لأن البلد الصغير القريب منها يرفض أداء دور ثانوي، وطور سياسة خارجية مختلفة مستقلة، ولهذا فلا يوجد ما هو جديد في النزاع الذي تراكم بين الرياض وقطر، الذي وصل ذروته يوم الإثنين، عندما تحركت السعودية ودول خليجية وعربية أخرى وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها.

 

      وسطع نجمها لأن المنظور الأمريكي العولمي يدعم الإسلام “المعتدل” بعد نهاية الحرب الباردة، في ظل اتهام للوهابية السلفية بالتطرف والإرهاب، وباعتباره أيديولوجية العنف، مستشهدين بما يحصل من عنف في أفغانستان وباكستان ومناطق أخرى من العالم. وتكرس الأمر مع تفجيرات الحادي عشر سبتمبر على اعتبار أن 15 من 17 الخليجيين كانوا سعوديين.

 

وازداد التحرك القطري في مصر إبان فترة حكم الإخوان المسلمين ما أشعر السعوديين. أن ثمة إمكانية للتعامل مع الإسلام المعتدل الممثل من قبل الإخوان المسلمون”، فأوعز لقطر لتكون داعمتهم وحاضنتهم لاسيما بعد عزل حكومة مرسي من قبل مؤسسة الجيش. ففي ظل المراجعات الحاصلة بما فيها إعادة التشكيل والضبط الجيوستراتيجي، هل حسمت إدارة ترامب موقفها من قطر باعتبارها جزء من الماضي العولمي في اتجاه السعودية؟ إذن المستهدف إيران ورجع صداه هناك في مصر لطالما كان للسعودية نزعة للقيادة الإقليمية حيث ظلت باستمرار غير مستعدة أن تتقاسم الريادة والدور الرئيس في مجلس التعاون الخليجي، بل وفي العالم العربي في فترة مصر عبدالناصر أو العراق صدام أو الجزائر بومدين. ففي ظل التوازنات الدولية الجديدة لم يعد ممكنا أو مقبولا من الدوحة أن تلعب هذا الدور المتحكم أو المساهم في أداء المنظومة الإقليمية الخليجية. فتبعا لما مخطط له في المنطقة، تعمل السعودية على تلافي أي تهديد جدي لمكانتها ولما هي مكلفة به في المرحلة القادمة، لاسيما في ظل غياب العراق وانشغاله بمسعى إعادة ترتيب أوضاعه، ومصر المثقلة بمشاكلها السياسية والاقتصادية، سوريا التي تواجه حرب متعددة الأطراف والمستويات، وانكفاء الجزائر على إعادة ضبط وترتيب أمورها بعد فترة من الحرب على الإرهاب. يبقى السؤال المطروح هل قطر هي المستهدفة ومن ثم قوى المقاومة في المنطقة أم قوى أخرى سيكون رجع صدى هذه الأحداث تأثيرا عليها.

 

        قطر لم تخطئ عندما سعت إلى تبني تيار الإخوان ومن ثم فكرهم كإيدولوجية وإنما أخطأت في عدم تقدير خطوات دعم الإخوان سواء أثناء فترة حكمهم أو بعده.  كان عليها أن تدفع بالإخوان إلى إحداث مصالحة مع تراث حكم يمتد لأكثر من قرن من الزمان، أو بلغة السياسة التصالح مع الدولة العميقة والذهاب بخطوات محسوبة من أجل مصر الأمة والقيادة. أخطأت لأن الفكر الإخواني في عمقه يكرس المركزية والتفوق المصري. ونفس الشيء حصل بعد إسقاط حكم الرئيس مرسي، فعوض أن تتوسط بين الإخوان والمؤسسة العسكري  لأحداث المصالحة وتدعم مصر ماليا بعد بما يؤدي إلى نهضة مصر ويعيد لها مكانتها كقوة إقليمية موازنة، اندفعت في اتجاه تسخير وسائل الإعلام المختلفة والمنابر الدولية من أجل محاربة نظام السيسي ووصفه باللاشرعي والانقلابي. مقابل ذلك ومنذ 2013 إلى غاية إعلان السعودية تشكيل التحالف الإسلامي العسكري قدمت السعودية والإمارات والكويت للنظام المصري مساعدات قدرت قيمتها بأكثر من 33 مليار دولار, كما ساهمت في توفير حاجات مصر من البترول والغاز لمدة خمس سنوات. وساندوا الحكومة مصر في حربها ضد حركة الإخوان،  بل اعتبروها حركة إرهابية تماشيا مع التوصيف المصري.

 

         إجراءات ساهمت في تعميق سوء التفاهم القطري المصري، بل والحيلولة دون حصول أي مسعى تعاوني أو تنسيق لقيام محور قطري -مصري يكون مهددا لمكانة السعودية كقوة أولى إقليمية. ومثل هذه الإجراءات كفيلة بتجاوز التفسير المباشر الذي يرى في  السلوك السعودي استهدافا لإيران وحركات المقاومة، للقول أن رجع صدى التعبئة السعودية هناك في القاهرة وفي مركزية مصر كدولة محورية.

 

       وكون مسار التحول العالمي لايزال في بداياته ستظل المنطقة مسرحا لتجاذب الكثير من جيوستراتجيات مختلف القوى العالمية والإقليمية، وبحيث لن يقتصر الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، بل ستعمل روسيا وإيران وتركيا وقوى أخرى على الحضور المباشر،      وإبقاء الشرخ قائما بين أعضاء مجلس التعاون بل وأكثر من ذلك ستسعى لتقديم نفسها كبديل عن لبلدان خليجية من بعضها الأخر،  ولعل تغريدة وزير الخارجية الإيراني ظريف عبر حسابه في “تويتر تصب في هذا الاتجاه قائلا”: “الإكراه ليس حلا أبدا، الحوار أمر حتمي، خاصة، في شهر رمضان الكريم”، مشيرا إلى أن “الجيران دائمون ولا يمكن تغيير الجغرافيا”، ومصادقة البرلمان التركي على نشر قوات تركية بقطر بناء على إتفاقية الدفاع المشترك الموقعة في 2014.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد