آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله راقدي
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية جامعة باتنة

الديمقراطية العربية إلى فجر العصور الجليدية


عبدالله راقدي

رامت شعوب المنطقة العربية منذ عقود من أجل  الاستفادة من فرص الديمقراطية والتحرر كما حصل في عديد مناطق العالم في آسيا وأوربا الشرقية وفي بعض بلدان إفريقيا.  غير أنها فشلت حيث نجح الآخرون ولم تتمكن من التكيف ومسايرة موجات الديمقراطية الثلاثة التي بشر بها هنتغتون في بداية تسعينيات القرن العشرين، فهل السبب يعود ذلك لطبيعة نشوء الدولة العربية المختلف عن دولة واست فاليا الأورويبة؟ أم أن المقدس وريع البترول والغاز حال دون حصول ذلك؟ وهل بتحييد المقدس من التوظيف السياسي مع نضوب البترول والغاز كفيلة بإقامة نظام حكم حر تناوبي؟ وهل سيسهم اللجوء للطاقات البديلة كالطاقة الشمسية في منع حصول ذلك؟ وإن كان الأمر هكذا، هل ننتظر الخلاص مع بزوغ عصر جليدي جديد؟ وتساهم الإجابة على مثل هذه الأسئلة  بإزالة اللبس على ما يكتنف المشهد الدامي على طول المنطقة العربية حيث العنف والإرهاب من أجل التأسيس للديمقراطية. ولعل من عوامل ذلك طبيعة تكوين الدولة في المنطقة العربية فهي:

ليس بدعا جاء بها نظام واست فاليا

   فإذا كان ظهور الدولة القومية نتاج حركة التطور السياسي  والثقافي المجتمعي الأوروبي،  وقد استندت في تأسيسها على فكرة العقد الاجتماعي، حيث توكل مهام إدارة شأن الحكم لجماعة تتولي إدارة شؤون الناس وتسهر على تطوير الحريات والدفاع عن الحقوق العامة.  مقابل حصولها على الطاعة والتاييد والدعم ، من ذلك القيام بواجب تسديد الضرائب لتمويل مختلف السياسات التي تسهر الدولة على وضعها .

          وهو سياق مختلف عن مسار  وسياق ميلاد الدولة في المنطقة العربية، فهده الأخيرة،  من جهة تعتبر وريثة بيئة وتاريخ يحكمه المنطق والفكر والإدراكي الإمبراطوري ( الأموي، العباسي، الفارسي، العثماني)، ومن جهة ثانية يمكن النظر إليها كما لو أنها غنيمة حرب، لأنها جاءت نتيجة تضحيات ثورات تحررية ونضال، ولاعتبارات اجتماعية ثقافية، وضعت سياسات حكومية استندت إلى فكرة توفير الخدمات الاجتماعية  للشعب ( التعليم والرعاية الصحية المجانية بل وحتى السكن للمواطن على غرار  ماهو قائم في الجزائر) ودونما مقابل يؤديه هذا المواطن، وقد ساعدها في ذلك، توفرها على موارد الطاقة مكنتها من إقامة اقتصاد ريعي، علاوة على هذا الوضع، تظل مسالة علاقة الدين بالحكم في المنطقة العربية من أخطر المسائل واكبر التحديات التي تواجه مسألة إقامة أنظمة ديمقراطية حرة تداولية.

فهل فصل المقدس ونضوب البترول شرط التأسيس للديموقراطية؟

      يجدر تصور ما يدور في خلد من بيدهم السلطة والقرار فيما يتعلق بموضوع  توسيع دائرة الحكم في إتجاه إقامة نظام ديموقراطي، فهم يقولون هل يحق لمثل هؤلاء حيث يستفيدون من كل الخدمات مجانا و لا يسددون الضرائب المطالبة بالمشاركة في إدارة شؤون الدولة. وتكون الإجابة طبعا، ليس من حقهم المطالبة بذلك، بل أن مسعاهم في ذلك خطر على كينونة الدولة في حد ذاتها.

     علاوة على ذلك، يلعب الدين دورا حاسما في حياة المجتمعات، بل حتى الحكومات على اختلافها تعمل على  توظيف الدين في إطار  مسعى إصباغ حكمها بالطابع الشرعي. فمعظم دساتيرها تنص على أن مبدأ أن “دين الدولة هو  الإسلام،” وهو وضع يختلف عن العلمانية الأوروبية التي ظهرت  نتيجة لتسويات جاءت لحل صراع طويل مدمر على السلطة بين الملوك ورجال الدين، وتيارات الفكر التنويري الحر الرافضة لوصاية المؤسسة الكنسية التي لم تكن ترى الحق والحقيقة إلا بمنظارها.  في المجتمعات العربية، يعتبر مسعى تحييد الدين وإبعاده عن التوظيف السياسي السلطوي في المجتمعات العربية كما لو أنها ظاهرة طبيعية (شروق الشمس وغروبها) بتعبير المدرسة اليسارية، فهو يتطلب مجهود فكري تنويري عظيم من قبل العلماء والمفكرين  على غرار ما حصل في أوروبا. وهنا يمكن طرح تساؤل مفاده ، بنجاح الإصلاح الديني في الدول العربية على غرار أوروبا، ونضبت موارد الطاقة هل يمكن القول بأن الظروف تهيأت لإيجاد أرضية يتأسس عليها  نظام ديمقراطي تداولي، أم أن إيجاد الطاقة الشمسية كبديل عن ريع النفط، واستمرار  وجود الظروف  التي أوجدت الدولة العربية بداية  قد لا يساعد على تهيئة الظروف لبعث نظام ديموقراطي؟

الطاقة الشمسية مصدر جديد لاقتصاد الريع

    على اعتبار أن المنطقة العربية تقع في منطقة الحزام الشمسي، وحيث تسطع الشمس على الكثير من بلدانها طوال السنة، وهي بذلك تتوفر على أكبر كمية من أشعة الشمس تشكل مصدراً كبيراً للطاقة الشمسية، بما يسمح بالابتعاد عن مصادر الطاقة التقليدية المسببة للتدهور المناخي. ويفيد الخبراء بأنه قد يصبح بمقدور الدول العربية توفير ثلث حجم الطاقة الشمسية في العالم.

;في ظل وجود دولة عربية غنائمية، حتى وإن سلمنا بإمكانية الوصول إلى مرحلة إبعاد الدين عن التوظيف السياسي، فستظل الطاقة الشمسية المستدامة البديلة تلعب نفس دور موارد الطاقة، أي تعطي الفرصة للحكومات العربية بتوظيف مداخليها في قضايا الرعاية الاجتماعية، الامر الذي سيجعل أي مطلب بالمشاركة في الحكم بمثابة جحود بعطاء وسخاء هذه  الدول. وإذا كان الوضع  بهذه الحالة، أليس من حق شعوب المنطقة أن تحلم  في يوم ما بالعيش في كنف مجتمع يحتكم إلى مبدأ الفصل بين السلطات، والتداول السلمي على السلطة، وحرية الرأي والإعلام. أم قدرهم المزيد من الانتظار، واي  انتظار،  بزوغ فجر عصر جليدي جديد.

العصور الجليدية أمل تحقيق الانتقال الديمقراطي.

   يجمع العلماء أن الأرض ستدخل عصراً جليدياً جديداً، بحيث ستنخفض درجة الحرارة على الأرض إلى درجة انتشار الغطاء الجليدي على مناطق كثيرة، وفي ظل حلم وأمل سكان هذه المنطقة بتحول صحراء شبه الجزيرة على جنات خضراء تغطيها المروج ، والأنهار, في آخر الزمان.  وحيث أقتنع الناس بإبعاد المقدس عن التوظيف السياسي، وفي ظل نضوب موارد الطاقة من بترول وغاز ، وفي ظل تحول المنطقة العربية إلى مروج وأنهار  ومراعي، مما يعني تحول في مناخها حيث تتقلص كمية الشمس الساطعة أهم مصدر قوة من يمارسون الحكم، ويكون الشعب حينذاك مطالبا بالمساهمة في توفير مدا خيل لدولته  عبر تسديد الضرائب، ومقابل ذلك يكون له الحق في المشاركة في حكم ديموقراطي حر تداولي. ويبدو أن مرحلة الوصول لوضع السياسات الاجتماعية إلى ذلك لا تزال طويلة جدا، وقد تتدخل فيها متغيرات أخرى قد تزيد من تعقيد المشهد إلى حد الإستحالة حتى مع عصر  جليدي جديد.


صحيفة رأي اليومش

أضيف بتاريخ :2017/07/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد