آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

أستاذنا معن الشعب الجزائري لم ينتظر يوما و ليس لديه أموات


إسماعيل القاسمي الحسني

“قرأت بالأمس لمدون على الفايس بوك قولاً استفزني بعض الشيء: سنموت ونحن نسمع عن الوحدة العربية وتحرير فلسطين…أجبته على الفور: لقد مات جزائريون كثر على مدى 130 عاماَ وهم ينتظرون استقلال بلدهم وقد كان لهم ذلك قبل 55 عاما…..” (مقال: حكايتان من وحي ثورة الجزائر- معن باشور 12/07/2017 رأي اليوم).

إذا كان قول لمدوّن على الفايس بوك قد استفز الأستاذ معن باشور، فرأى أن من حقه و واجبه نقل الموضوع من مستوى الفايس بوك، إلى عالم صحيفة بحجم “رأي اليوم”، فلا محالة أنه بذلك قد سلّمنا الحجة للتعبير عن درجة الاستفزاز العالية التي أصابتنا من جواب الأستاذ نفسه، و هو المعروف اسما و قدرا و ليس مجرد مدوّن مجهول، و أن رده الذي نقله حرفيا على صحيفة تتميز بمقروئية واسعة منها الجزائريون أنفسهم، و لا حاجة للقول أني واحد منهم لما نكنّه لهذا الرجل من احترام و تقدير، مدعاة أكثر من قول المدوّن للتوقف عنده و الرد عليه.

و الاستفزاز مرده في المفردات التي اعتمدها الأستاذ معن و التعبير في حد ذاته، تعليلا و تبريرا لحالة طول انتظار تحرير فلسطين و طول انتظار الوحدة العربية، فحين يقول: “لقد مات جزائريون كثر”؛ فهذا توصيف أقل ما يقال عنه أنه مجانب لواقع التاريخ، ذلك أنه لم يمت جزائريون كثر، و إنما “استشهد” جزائريون، و لا أعتقد بأن رجلا بقامة الأستاذ يغيب عنه علم بوقائع المواجهة العسكرية من لحظة وطأ المحتل أرض الجزائر بسيدي فرج.

ثم أن يعطف وصف موت الجزائريين بحالة “الانتظار” 130 عاما، أمر يدعو للصدمة و الاستغراب فضلا عن الاستفزاز.

كيف يمكن وصف حالة ثورة شعب اشتعلت من لحظة المواجهة 1830 إلى 1962، لم تنقطع يوما و لم يكتم لها نفس و لم تنطفئ لها جذوة، جيلا بعد جيل، كانت فاتحتها بقيادة الأمير عبد القادر مشرعة على سبعة عشر عاما تقريبا، خيضت فيها معارك طاحنة، ينحني لها المؤرخون العسكريون إجلالا لمهابتها، و استمرت أساطير المقاومة الجزائرية حلقة متصلة عراها بحلقات أضاءت سماء الأمة بالأمجاد، بل أذهب أبعد من ذلك لأقول ضربت أمثلة لا نظير لها في الأمة حينها، و منها مقاومة السيدة لالة فاطمة نسومر التي واجهت الاحتلال الفرنسي عام 1854 أي قرنا قبل ثورة 1954 التي يعتقد الأشقاء أنها ثورة يتيمة، و ما كان العدو إلا أن يحشد لمواجهتها 45 ألفا من جنوده، نعم خمسة و أربعين ألف جندي فرنسي لمواجهة امرأة جزائرية كانت على رأس رجال أشاوس. أين مثلها على امتداد عالمنا العربي من الماء إلى الماء في تاريخنا المعاصر !!! و لم تنقطع حلقات المقاومة و الاستشهاد إلى غاية 1962. أقول: كيف لسلسة الملاحم البطولية هذه أن توصف بحالة “انتظار الاستقلال” !!!؟.

لا و ألف لا، الشعب الجزائري و منذ 1830 لم ينتظر لحظة، و هذا ما يجب أن يعرفه القارئ و خاصة الفلسطيني المعني بذلكم التبرير، بل نهض مقاتلا مستبسلا مضحيا بشراسة منقطعة النظير، و مع أنه تعرض لانتكاسات و هزائم لأسباب عديدة و على رأسها عدم تكافئ ميزان القوى، لكنه لم ييأس يوما، و لم يستسلم لحظة و لم يغمد السلاح و لم يترك الساح. و كل الذين قضوا منذ 1830 إلى 1962 إنما قضوا شهداء دفاعا عن الجزائر، و لم يموتوا في حالة انتظار للاستقلال.

أخيرا، و على جري العادة مع الأشقاء، أذكرهم بكل محبة و احترام، لا نطلب أبدا أن تجعلوا من الشعب الجزائري مثلا يحتذى لنيل الحرية بالتضحيات الجسام، و إنما كل ما نطلبه تحري الدقة في التعبير عن حقائق حالة الشعب الجزائري …أكتفي بهذا و لن أخوض في تحفظات أخرى حول صياغة الدعم العربي بدلالات تشي بأن لولاه لما نال الشعب الجزائري حريته و لا انتصر في معركته…. و هذا الإيحاء المبطن مغالطة تاريخية نتمنى ألا يقع فيها الكبار، ذلك أنها تصاغ كتبرير لحالة الشعب الفلسطيني اليوم، و هذا الإيحاء ليس صحيحا بالمرة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد