آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الأردن يعيش حالةَ غليانٍ رسمي وشعبي..


عبد الباري عطوان

تَشهد العلاقات الإسرائيلية الأردنية حالةً من التوتّر غير مسبوقة على الصّعيدين الشعبي والرّسمي، ناجمةً عن الاستفزازات والجرائم التي تُمارسها قوّات الاحتلال ضد المُصلّين في المسجد الأقصى أولًا، وإقدام حارس في السّفارة الإسرائيلية في عمّان على قتل مُواطنين أردنيين اثنين بدمٍ بارد خارج نطاق حَرم السّفارة.

الشهيدان محمد جواودة، والدكتور بشار الحمارنة، سقطا برصاص حارس أمني إسرائيلي، بالطّريقة نفسها، التي يسقط فيها أشقاؤهم شُهداء الأراضي العربية المُحتلّة برصاص القوّات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى وجِواره الجُغرافي.

حالة الغليان، وطلب الثأر، وإغلاق السفارة الإسرائيلية، كلها باتت القاسم المُشترك لكُل المُواطنين الأردنيين من مُختلف المنابت والأصول والانتماءات العشائرية دون أي استثناء، وهذا ليس غريبًا على “النّشامى” الأردنيين الذين ينضحون رجولةً ووطنية، ويعتبرون إسرائيل عَدوًّا يجب مُقاومته، وتحرير كل الأرض الفِلسطينية ومُقدّساتها، في وقتٍ يتسابق بعض العرب على التطبيع، ويديرون وجههم إلى الناحية الأخرى، تجاهلًا للانتهاكات الإسرائيلية في القُدس المُحتلّة، وإهاناتهم المُستمرّة للمُصلّين، والمضي قُدمًا في عمليات التهويد والإذلال دون رادع.
***
الإسرائيليون لا يَعرفون الشّعب الأردني، ولا الشّعوب العربية الأخرى، وأعمتهم غطرسة القوّة عن فهم مشاعره الرّجولية الوطنية في رفض الاحتلال، وكراهيته، وكل المُستوطنين الذين يُدنّسون الأراضي العربية المُحتلّة، وإلا لما أقدموا على هذه الاستفزازات، وأطلقوا النّار على مُواطنين أردُنيين أعزلين، وعلى الأرض الأردنية، فالسّفارة، ووجودها غير شرعي، وغير مُرحّب بها شعبيًا، في الأساس ليس لها حُرمة، عندما يقتل حُرّاسها المُواطنين.

لقد بَلغت الوقاحة بالإسرائيليين، ورئيس كنيستهم، درجة التّطاول على رئيس مجلس النوّاب الأردني السيّد عاطف الطراونة، هذا الرّجل الوطني الشّجاع، وزُملائه النوّاب الشجعان الذين انحازوا لشُهداء الأقصى، ودِمائهم الطّاهرة التي سقت الأرض المُقدّسة، ووقفوا حِدادًا وقرأوا الفاتحة على أرواح هؤلاء الشّهداء، ماذا كان يُريدهم رئيس الكنيست أن يفعلوا، يَرقصون طربًا مثلًا، ويُبرّرون للقاتل جريمته؟ ويّذهبون لتقديم واجبات العزاء لذوي الجُنود الإسرائيليين القتلى، الذين تفنّنوا في إذلال المُصلّين؟

السيّد الطراونة كان شريفًا وطنيًّا مُعبّرًا عن كل الأردنيين عندما أكّد دون تردّد مُواصلة نُصرة مجلسه (البرلمان) للقضية الفِلسطينية وصُمود أهلها، مُشدّدًا على “أن صاحب الحق لن يصمت على ظُلم لحق به، ومن حقّه الدّفاع عن الأرض والعِرض المُقدّس″.. ما أبلغ هذه اللّغة وأقواها.

الإسرائيليون اعتقدوا أن الأمّتين العربية والإسلامية استسلمتا، وركعتا عند أقدامهم، ومن يلومهم في ظل تقاطر المُطبّعين العرب، كأصدقاء إلى تل أبيب، وفتح عواصمهم في المُقابل أمام رِجال أعمالهم، ورجال مُخابراتهم أيضًا.

ما يجري في الأردن حاليًّا، تذكير قوي وصريح بأن الثّوابت العربية الرّافضة للاحتلال، ما زالت صامدةً وشامخةً مثل جِبال الأردن، وأن هناك رجالًا يصونونها ويدافعون عنها، بدمائهم وأرواحهم، وقائمة الشّهداء طويلة.

صحيح أن الأردن بلدٌ فقير، وحُكومته مُثقلة بالدّيون والعجوزات الماليّة، ولكن يظل الأغنى بجينات الكرامة والعزّة والشهامة التي تجري في عُروق أبنائه جميعًا، وهذه الوقفة الجبّارة، الدّاعمة للمُنتفضين في القدس المُحتلّة ضد الاحتلال، والغطرسة، هي أحد المُؤشّرات في هذا الصّدد، فالفقر ليس عيبًا، لكن العيب والعار هو تخلّي الأثرياء المُتخمين عن واجباتهم في الدّفاع عن المُقدّسات، والصّمت على انتهاكات حرماتها، وقتل المُدافعين عنها.

هذا الحارس الإسرائيلي، الذي اعتقد أنه في القُدس المحتلّة، أو تخوم رام الله، وجنين، وخليل الرحمن، يستطيع أن يقتل مثلما يشاء، فضح هذه الغطرسة الإسرائيليّة خارج حُدود الأرض المُحتلّة، وصبّ الزّيت على نار الغضب الأردني المُلتهبة أساسًا، وأثبت برصاصة القاتل الغادر، وهم السلام والتعايش مع هذا العدو، وقدّم الذخيرة الحيّة لكل الذين يُطالبون بإغلاق سفارته وطرده وسفيرته، من الأرض الأردنية، كمُقدّمة لطرد كل الإسرائيليين من الأراضي المُحتلّة.
***
نعم.. نكتب بنغمة عاطفية، لأنّنا أهل الشّهداء، في الأردن، وفي القُدس المُحتلّة، لأننا أهل الرّباط، وأبناء وأحفاد المُرابطين فيها، ولأن الغطرسة الإسرائيلية ومُخطّطات التهويد، واستمرار الإهانة والإذلال لكل ما هو عربي ومُسلم، لا تحتاج إلى تحليل، مثلما لا تحتاج إلى الكلمات الدبلوماسية المُنمّقة، في وقت يهرع أهلنا في الأرض المُحتلّة لتحويل سجاجيد صلواتهم التي يتأبطونها وهم في طريقهم لحماية الأقصى، إلى أكفانٍ لهم، وأمضى أسلحتهم الإيمانيّة.

الرّحمة لشُهداء الأردن.. الرّحمة لشُهداء أرض الرّباط، والخُلود لهم جميعًا في دار البقاء.. وأمّة تُنجب هؤلاء الرّجال الرّجال لن تُهزم أبدًا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد