آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مُطالبة “الجزيرة” بفَصْل الحَرمين الشّريفين عن السّياسة أخطر حَلقات الأزمة الخليجيّة..

 

عبد الباري عطوان

في تزامنٍ لافتٍ مع بدء اجتماع وزراء خارجية الدّول الأربع المُقاطعين لقطر في المَنامة غدًا الأحد، لوحظ أن قناة “الجزيرة” بدأت تستخدم تعبيرًا لم تستخدمه أي دولة، أو وسيلة إعلام خليجيّة من قبل، وهو “فصل الحرمين الشريفين عن السّياسة”، في إشارةٍ إلى الأماكن المُقدّسة في مكّة المُكرّمة والمدينة المُنوّرة.

 

لا نُجادل بأن هُناك أزمة قطرية سعوديّة مُتفاقمة انعكست سلبًا على قضيّة أداء الحُجّاج القطريين لفريضتهم هذا المَوسم بطريقةٍ أو بأخرى، حيث مَنعت السّلطات السعوديّة هؤلاء الحُجّاج من الطيران مُباشرة على خُطوط بلادهم إلى مدينة جدّة، وجعلت من حجيجهم عبر مَعبر سلوى الحدودي البرّي الوحيد مع السعوديّة ودُول الخليج الأخرى، مثلما جرت العادة لقُرون، مسألة غير مُمكنة بسبب إغلاق هذا المَعبر، ولكن أن تذهب دولة قطر، وعبر ذِراعها الإعلامي الأقوى، قناة “الجزيرة”، إلى درجة المُطالبة بفَصْل الحرمين عن السّياسة، أي إلغاء تحكّم السلطات السعوديّة بموسم الحج، وحركة الحُجّاج، بطريقةٍ مُلتوية، ومَنع بعض الجنسيات المُعيّنة، أو تضييق الخِناق عليها بطريقةٍ أو بأخرى، فهذا ربّما يَرتقي إلى درجة “إعلان الحرب” بالنّسبة إلى المسؤولين السعوديين، وسيُصنّف بأنّه أخطر مظاهر التدخّل في شُؤونهم الداخليّة الأكثر حساسيّة، بالقياس إلى رُدود فعلهم السّابقة.

*

السلطات السعوديّة قالت في حَملتها المُضادّة، أنّها لم تَمنع الحُجّاج القطريين من أداء فريضتهم، وأكّدت أنّه باستطاعتهم القُدوم من مُختلف دُول العالم، وعلى مَتن أي طائرة يُريدون، ومُباشرةً إلى مطار جدّة، أما بالنسبة إلى الحُجّاج القادمين من دولة قطر، فبإمكانهم القُدوم، ولكن “ترانزيت”، أي ليس بطريقةٍ مُباشرةٍ، وعبر محطّات أخرى، وعلى غير الخُطوط القطرية.

 

السيد علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحُقوق الإنسان في قطر، تحدّث أمس عن وجود مُضايقات وعراقيل تُوضع أمام الحُجّاج القطريين، في إطار تركيز دولة قطر وإعلامها المُكثّف على هذه المسألة، لإدراك المسؤولين فيها مدى حساسيتها بالنّسبة إلى خُصومهم السعوديين، وفي حَربٍ سياسيّة وإعلاميّة جرى كسر كل المُحرّمات فيها، بما في ذلك الخَوض في الأعراض ونشر الفضائح، والأسرار الأمنيّة والسياسيّة، لتشويه “الآخر”، وإلحاق الضرر به، خاصّةً تلك المُتعلّقة بدعم الإرهاب.

 

المُطالبة بفَصْل الحرمين الشريفين عن السياسة، هي مُقدّمة، أو إيحاء، بما هو أخطر، أي التشكيك بأهليّة الدّولة السعوديّة في إدارة هذه الأماكن المقدسة، ومحاولة نزع سيادتها عنها، وحقها في إدارتها، وتنظيم مواسم الحج والعمرة بالتالي، وهذه خطوة، إذا ما تمت، وتصاعدت، ووجدت أصداء في العالم الإسلامي، تشكل في رأينا، أخطر مئات المرات من إغلاق الحدود، وفرض الحصار، وإغلاق السفارات.

 

دول قليلة تجرأت على هذه الخطوة في ذروة خلافها مع السلطات السعودية، كان أبرزها ليبيا في زمن العقيد معمر القذافي، وكذلك إيران، وبعض الكتاب والصحافيين المحسوبين عليها، الذين طالبوا بقيام هيئة  مستقلة تشرف على الأماكن المقدسة مكونة من ممثلين عن دول إسلامية عديدة على غرار “الفاتيكان” في روما، ولكن هذه الصيغ قوبلت بردود فعل رافضة عنيفة من قبل القيادة السعودية.

 

لا نعرف ما إذا كانت مطالبة “الجزيرة” بفصل الحرمين الشريفين عن السياسة، هي قمة جبل الثلج في إستراتيجية قطرية جديدة، أم أنها “زلة لسان” عابرة، أم رسالة تحذير للمسؤولين السعوديين تقول بأن القادم أعظم، ولكن ما نعرفه جيدا أنها ستؤدي حتما إلى صب المزيد من الزيت إلى نار الصراع المحتدم، المرشح للتصعيد بعد اجتماع المنامة الرباعي، وفي ظل فشل جميع الوساطات لإيجاد حلول ومخارج لهذه الأزمة، والإصرار على إغلاق القناة، أي “الجزيرة” وأخواتها.

 

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عما إذا كانت السلطات القطرية قد أجرت حساباتها جيدا، وهل نسقت هذه الخطوة، أي التلميح غير المباشر لنزع السيادة السعودية عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، مع حلفائها الأتراك “القدامى”، والإيرانيين “الجدد”، قبل الدخول في حقل الألغام شديد الانفجار هذا؟

*

نطرح هذا السؤال لسببين: الأول لإدراكنا مدى خطورة هذا التوجه وتبعاته، واحتمالات تعقيده للازمة الخليجية، وربما نقلها إلى مرحلة المواجهة العسكرية، لأن الأتراك والإيرانيين يؤيدون مثل هذا التوجه، ويطالبون به، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، منذ عقود وربما قرون، ويطربون لمجيئه على لسان دولة عربية وخليجية على وجه الخصوص، في ظل تنافس المرجعيات السنية والشيعية حول إدارة الأماكن المقدسة، وزعامة العالم الإسلامي.

 

قطر التي تعيش حالة حصار شديد، وعزلة من نصف دول الخليج تقريبا، ألقت صخرة ضخمة في بركة الأزمة الخليجية التي هدأت قليلا، وصعدت من جرعة الهجوم، بعد أن “تخندقت” في الأسابيع الأخيرة في خندق الدفاع، وركزت على استخدام الأسلحة الدبلوماسية، ونعتقد أن هناك شعورا لديها، وربما معلومات، بأن الدول الأربع تستعد لخطوات مفاجئة، وغير مسبوقة، يتم التنسيق وتوزيع الأدوار حولها في مؤتمر المنامة.. وقررت الإقدام على هذه “الضربة الاستباقية” التحذيرية.. والله أعلم.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد