آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

ترفيع إيران إلى مرتبة عدو أمريكا الأول


د. عصام نعمان
 
أطلق ترامب أخيراً عاصفته المجنونة الموعودة: إيران وحرسها الثوري هي الخطر الداهم.

إيران كانت دائماً، في رأيه، خصماً مؤذياً. ترامب قرر ترفيعها إلى مرتبة العدو الأول والأفعل. خطرها ليس نابعاً من كونها قوة نووية، بل من كونها ذات قدرات متنوّعة ومتعاظمة، وإنها مقتدرة وقادرة على تحجيم نفوذ أمريكا وإجلائه عن البرزخ الممتد من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى شواطئ الخليج.

الاتفاق النووي ليس سبباً للعداوة، بل ذريعة لتعظيمها. ثمة تحريض إسرائيلي متوقّد، وكذلك خليجي، لكنهما ليسا الدافع الأول لترفيع إيران إلى مرتبة العدو الأول. الدافع الأول اقتناعُ ترامب والمنظومة السياسية والعسكرية الحاكمة establishment بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ جورج بوش الأب إلى باراك أوباما، أخفقت في حربها الناعمة على إيران وقوى المقاومة المتحالفة معها. لعل المظهر الأخير للإخفاق اندحار الإرهاب المتمثل بـ»الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).

سواء كان تنظيم «داعش» صناعة أمريكية، كما يعتقد كثيرون، أم مجرد ردة فعلٍ على تغوّل الولايات المتحدة وبعض دول الغرب الأطلسي و»إسرائيل» في استباحة بلاد العرب والمسلمين، فإن ثمة حقيقة ساطعة لا سبيل إلى إنكارها هي، أن أمريكا وبعضاً من حلفائها الإقليميين استعملوا «داعش» وأخواته من اجل ترسيم خريطة جيوسياسية جديدة لبلدان غرب آسيا، ولمواجهة قوى المقاومة البازغة فيها.

انهزام الإرهاب ومن هم وراءه هو الدافع الرئيس للولايات المتحدة، في ظل ترامب، إلى تأكيد وتعزيز وتظهير قرار مواجهة إيران وقوى المقاومة المتحالفة معها.

لا بدَّ من التوضيح أن قوى المقاومة العربية عموماُ متحالفة مع إيران وليست أداةً لها. صحيح أن إيران تموّل وتسلّح وتدرّب العديد من فصائلها، وان لها في صفوفها تأييداً ونفوذاً، لكن قياداتها ليست بالتأكيد أداةً لإيران.

إدارة ترامب والمنظومة السياسية والعسكرية والاستخباراتية الأمريكية حريصة على إضفاء صفة التبعية على قوى المقاومة العربية المتحالفة مع ايران. التبعية تهمة ملفّقة. قيادات حزب الله اللبناني، والجهاد الإسلامي و»حماس» الفلسطينيتين وغيرها من التنظيمات والفصائل ليست بالتأكيد أدوات لإيران ولا وكيلة لها. العلاقة بين تلك القوى المجاهدة وإيران ليست علاقة تبعية أو ارتزاق، بل علاقة تعاهد وتحالف وتعاون في مواجهة أعداء مشتركين. هذا ما يبدو سائداً حتى الآن.

هل من متغيرات لافتة في الوسائل والغايات بعد إعلان ترامب استراتيجيته تستوجب انتباهاً وتركيزاً خاصاً من طرف قوى المقاومة؟

من الواضح أن إدارة ترامب تعتمد مقاربة مغايرة لسابقاتها في العراق وسوريا من جهة، وفي فلسطين من جهة أخرى. في العراق، تدعم واشنطن مداورةً مسعود بارزاني على تثبيت وضع انفصالي عن حكومة بغداد المركزية يرمي إلى تمكين الكرد من إقامة دولة مستقلة في كردستان العراق. في السياق، تحبّذ واشنطن نشوء حالة اشتباك بين قوات «البيشمركه» وقوات الجيش العراقي لتوليد حاجة لدى حكومة بغداد لاستبقاء القوات الأمريكية المتواجدة حالياً في الشمال، كما من أجل إطالة أمد عدم الاستقرار في البلاد.

في سوريا، تدعم واشنطن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» لإقامة سلطة منفصلة عن حكومة دمشق يُراد لها، في المدى الطويل، أن تشكّل الجناح السوري لدولة الكرد المستقلة في شمال العراق وشمال سوريا، وهو مخطط يحتمل واحداً من تفسيرين: إما إقامة دولة كردية بالتفاهم مع تركيا تقتصر على أجزاء من العراق وسوريا وتعويض أنقرة بدعم جهودها للسيطرة على الكرد الأتراك في شمال شرق البلاد، وإما غضّ واشنطن النظر عن قيام تركيا بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال سوريا بغية تحقيق غرضين: حصر دولة الكرد المستقلة في شمال العراق، وإبقاء شمال سوريا رهينة في أيدي الأتراك لحمل حكومة دمشق وفصائل المعارضة السورية على التسليم بإقامة نظام فيدرالي ضعيف يراعي أمريكا وتركيا ولا يشكّل خطراً على «إسرائيل».

في فلسطين المحتلة، ثمة مؤشرات إلى أن ترامب يحلم بتحقيق ما يسمّيه «صفقة القرن» بين «إسرائيل» والفلسطينيين. مضمون «الصفقة» لم يتضح بعد، إلاّ أن القليل مما تيّسرت معرفته يشير إلى تسويق تسويةٍ بين الطرفين تعطي الفلسطينيين كياناً سياسياً يقتصر على أمكنة كثافتهم السكانية في الضفة الغربية، على أن يصار إلى ربطه بالأردن من خلال نظام كونفيدرالي يرعى شؤون القدس الشرقية والحرم الشريف.

إلى ذلك، تأمل إدارة ترامب بأن تساعد التسوية المرتجاة على تسهيل وتسريع عملية التطبيع بين «إسرائيل» والدول العربية «المعتدلة»، وفي مقدمها السعودية ودول الخليج، على أن ترافق هذه العملية مبادرات اعتراف متبادل، إذا كانت أوضاعها الداخلية تحتمل «خطوة جريئة» في هذا المجال.

كل هذه السيناريوهات والتطلعات يراد لها أن تصبّ تدريجياً في هدف استراتيجي رئيس هو بناء جدار سياسي وعسكري فاصل بين عالم العرب وعالم الفرس. لذلك تحرص إدارة ترامب على إبقاء قواتها، ومن ثم تعزيزها، في العراق وسوريا لمنع تواصلهما جغرافياً وسياسياً وعسكرياً والحؤول دون إقامة جسر بري استراتيجي يمتد من طهران وبيروت عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام.

باختصار، ممنوع على إيران أن تصل إلى البحر المتوسط، أو أن تكون لها قواعد ومرتكزات في سوريا ولبنان. هذا الأمر هو مطمع ومطلب أمريكيان وإسرائيليان. من هنا يمكن تفسير تبرّم ترامب (ونتنياهو) بالاتفاق النووي. ذلك أن إقراره في مجلس الأمن أعطاه بُعداً دولياً وأدى إلى رفع العقوبات عن إيران مكّنها من توظيف المزيد من الموارد والطاقات في صناعتها الصاروخية، وبالتالي في إنتاج صواريخ متقدمة يتجاوز مداها «إسرائيل» ويطاول جميع القواعد الأمريكية في منطقة غرب آسيا.

أمريكا، كما «إسرائيل»، تعرفان أن ليس لدى إيران قنابل ذرية، وإنها ليست جادة في امتلاكها، وأن لا سبيل أصلاً إلى استعمال السلاح النووي نظراً لخطره الكارثي المدمّر على الأطراف التي تستعمله، رغم التفاوت الكمّي لصالح بعضها في هذا المجال. لكن أمريكا و»إسرائيل» تعرفان أيضاً أن إيران قادرة على تعويض نقصها في الأسلحة النووية بكمية الصواريخ الضخمة التي تمتلكها، للمدى المتوسط وللمدى البعيد، وبالقوة النارية الهائلة التي يمكن أن تتولد عن استعمالها، ولاسيما إذا ما تمكّنت طهران، بالتفاهم مع دمشق، من إقامة قواعد معدَّة لإطلاقها غير بعيدة من «إسرائيل».

هكذا تتضح أسباب نزوع ترامب والمنظومة السياسية والعسكرية الأمريكية إلى ترفيع إيران وقوى المقاومة إلى مرتبة العدو الأول والأفعل لأمريكا و»إسرائيل».

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/10/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد