آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

المُواجهة القادِمة مع الإسرائيليين قد تَكون شَرارَتْها “بَحريَّةً” أكثر مِنها “بَريَّةً” و”حزب الله” هو رأس الحِربة..


عبد الباري عطوان

تتعرّض حُكومة بنيامين نتنياهو لضُغوطٍ داخليّةٍ وخارجيّةٍ مُتعاظِمة لتَخفيف حِدّة التّصعيد الكَلامي والتهديدات لـ”حزب الله”، وبَذْل جُهود جِديّة للتوصُّل إلى تَسويةٍ للنِّزاع البَحري حَول آبار النِّفط والغاز مع لبنان، تجنُّبًا لحَربٍ قد تَكون مُدمِّرة.

تأتي هذهِ الضُّغوط بعد حالة الاحتفال التي أظهرها نتنياهو بعد الإعلان عن “صَفقة غاز القَرن” مع مِصر التي بَلغت قيمَتها 15 مِليار دولار، وتَهديدات السيد حسن نصر الله في آخر خِطاباتِه عن استعدادِه لضَرب مِنصّات الغاز الإسرائيليّة في البَحر المُتوسّط إذا مَنحه مجلس الدِّفاع اللبناني الأَعلى الضّوء الأخضر في هذا المِضمار.

الإسرائيليون يَعيشون حالةَ قَلقٍ غَير مَسبوقةٍ من احتمالات نُشوب حَربٍ ستكون مُختلفة عن كُل ما سَبقها على صَعيد الدَّمار والخسائِر الماديّة والبَشريّة، وقد تَأتي الشَّرارة من لُبنان، والخِلاف حول احتياطات الغاز في “المُربّع رقم 9” القَريب من حُدود فِلسطين المُحتلّة.

السيد نصر الله كان واضِحًا عندما قال في الخِطاب نفسه أن الهَدف الرئيسي للمُواجهة المُقبلة، ليس الحُدود البريّة، وإنّما البحريّة “مُلمِّحًا” أن مُستقبل لبنان الاقتصادي، الذي يُمكِن أن يُشكِّل حلاًّ نِهائيًّا لمُعظَم، إن لم يَكن كل أزماتِه الماليّة، يَكمُن في احتياطات الغاز، والمَسألة باتت مَسألة “حياة أو موت” بالنِّسبة إلى جميع اللبنانيين بمُختلف طوائِفهم وانتمائاتِهم.
***
إذا كانت الحُكومة الإسرائيليّة تدّعي أن المُربّع “رقم 9” يَقع داخِل حُدودها جُزئيًّا، فإنّ هذه الادعاءات لا تَستند إلى أيِّ قاعِدةٍ قانونيّةٍ، فالحُدود البحريّة بين لبنان وفِلسطين المُحتلّة لم يَتم ترسيمها مُطلقًا من أيِّ جِهة مُستقلّة مُتخصّصة، ناهيك عن التَّصديق عليها من الأُمم المتحدة أو أي مُنظّمةٍ دوليّةٍ أُخرى.

حتى الحُدود البريّة، أو ما يُسمّى بالخَط الأزرق الذي رَسمته الأُمم المتحدة عام 2000، أي بَعد انسحاب الجيش الإسرائيلي مَهزومًا من جنوب لبنان، لم يَحظَ بأيِّ قُبولٍ رسميٍّ من قِبل السُّلطات اللبنانيّة، ولذلك لا يُمكِن الاستناد إليه لتَرسيم الحُدود اللبنانيّة البحريّة، أو هكذا يُؤكِّد “حزب الله” الذي يَمْلُك الصواريخ وإرادة إطلاقها.

نفتالي بينت، وزير التعليم، وعُضو المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر، الضَّابط في الجيش، وَصف أثناء مُشاركته في مُناورة بأحد المدارس الإسرائيليّة لاختبار مَدى استعداد الجبهة الداخليّة، مُستوى الخَطر بأنّه مُرتفع، وقال أن التنبؤات تقول أن أيَّ حَربٍ جديدة سَتُؤدّي إلى أضرارٍ على مُستوى لم نَعهده، فإسرائيل لم تَعد تَملُك زِمام المُبادرة مُنذ عام 1967، مُشيرًا إلى أن زَمن خوضها الحُروب على أرض الجِوار العَربي، ودون أيِّ مَساسٍ بالعُمق الإسرائيلي قد ولّى وربّما إلى غير رجعة.

إفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي، قال الشيء نفسه تقريبًا في تَصريحات أدْلى بِها قبل أيّامٍ مَعدودة، قال فيها إن اسرائيل لم تنتصر في أيِّ حربٍ خاضتها مُنذ حرب الأيّام السِّتة، وباتت استراتيجيّتها الحاليّة دِفاعيّة.

أكثر ما يُقلِق القِيادة الإسرائيليّة هو النُّفوذ الإيراني المُتمدّد في المِنطقة، وأذرعته العَسكريّة الضَّاربة، وخاصَّةً “حزب الله” وعَبّر عن ذلك بِكُل وضوح، نتنياهو نفسه، خاصَّة أمام مُؤتمر ميونخ الأمني يوم الأحد الماضي، وأيّده اتش. ار. ماكمستر، مُستشار الأمن القَومي الأمريكي في كَلمته أمام المُؤتَمر نَفسه.

قائِد سِلاح الجَو الإسرائيلي السَّابق قال “مَزوهًا” بأن طائِراته أغارت مِئة مرّة على العُمق السوري في السَّنوات الخمس الماضية، ولكنّه لم يَقُل أن هذهِ الغارات لم تَمنع وصول مِئة وخمسين ألف صاروخ إلى “حزب الله” في جنوب لبنان، وتَطوير صواريخ “سام 5” التي نَجحت في إسقاط طائرة “إف 16” الإسرائيليّة لأوّل مرّة مُنذ دُخولها الخِدمة العَسكريّة عام 2000.
***
نتنياهو ما زال يُواصِل الاحتفال بصَفقة تَصدير الغاز إلى مِصر التي حَلّت له مُشكلة فائِض ضَخم لم يَعرِف كيف يُسوّقه إلى العالم، ولكن ربّما يكون هذا الاحتفال مُؤقّتًا إذا ما انْدلعت الحَرب، وانّهالت صواريخ “حزب الله” على مِنصّات الغاز وحَوّلتها إلى كُتلة لهب، فالسيد نصر الله مُتأهِّب، ويَنتظِر هذهِ اللحظة التاريخيّة، إذا ما فُرِضَت عليه، والرَّجل، ونَقولها مرّةً أُخرى، “إذا هدَّد نَفّذْ، وإذا قال فَعَل”.

غاز شَرقْ البَحر المُتوسِّط عَربيٌّ لُبنانيٌّ فِلسطينيٌّ سُوريٌّ مِصريّ، ولا مانِع لدينا أن نُضيف تعبير إسلامي أيضًا، بالنَّظر إلى الحَق التُّركي، وهو غاز سَريع الاشْتعال خاصّةً إذا لَعِبت بِه الأصابِع الإسرائيليّة، فعَرب اليَوْمْ، أو نِسبة مُحترمة مِنهم، ليست مِثل عَرب الأمس، ولم تَعُد تُرهِبهُم الطَّائِرات الحَربيّة الإسرائيليّة الأمريكيّة الصُّنع، فقَواعِد اللُّعبة تتغيَّر.. والأيَّام بَينَنا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/02/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد