آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حميد عقبي
عن الكاتب :
كاتب وسينمائي يمني مقيم في فرنسا

إلى متى يغيب التضامن الأدبي والفني العربي مع الشعب اليمني في محنته الحالية؟


حميد عقبي

نجد تفاعلات سريعة من الكثير من الفنانين والأدباء العرب وكذلك التعاطف مع ضحايا العواصف والكوارث الطبيعية وضحايا الإرهاب عندما تكون في مدن الغرب ويترجم التعاطف في أعمالهم وحواراتهم الصحفية وتغريداتهم وقد يذهب أبعد من ذلك أي يترجم التضامن إلى فعل ملموس وإيجابي بكونه شعورا إنسانيا عفويا لا يستحق الشكر ويذهب الكثير منهم جماعات وفرادا إلى مقرات السفارات لتقديم التضامن والتعازي وهنالك من يشد الرحال إلى مكان هذه الحوادث ليتظاهر ويظهر تضامنه كفعل وليس مجرد كلام، تسعدني كثيرا هكذا مواقف وهي جيدة ومهمة وأتضامن مع كل ضحية للتطرف بغض النظر عن جنسه ودينه، لكن أيكون المتضامن صادقا وإنسانيا عندما يتعاطف مع ضحايا بقعة واحدة ويتجاهل بقية الأماكن القريبة منه؟ أليس هذا النفاق بعينه عند يكون التضامن لجني شهرة أو سمعة أو مصلحة؟

مع دخول الحرب اليمنية عامها الرابع وما ينتج عنها من فجائع مدمرة وجوع وأمراض وأوبئة وحوادث إرهابية وتضخم شبح المجاعة التي تحذر منها جميع المنظمات والهيئات الدولية كون هذه المجاعة أصبحت معاشة ويعاني منها أغلب أبناء الشعب اليمني من شماله إلى جنوبه أي حتى المدن التي يقال أنها محررة فهي تتقاسم الجوع والمرض والخلل الأمني وتقلقها السيارات المفخخة ويضاف لذلك قوة شوكة الجماعات المتطرفة والإرهابية.

كل هذا يحدث ولكن صوت التضامن والتعاطف من الأدباء والفنانين يكاد شبه معدوم، هناك قلة قليلة جدا من تتعاطف وتتحدث عن الشعب اليمني الكريم والطيب وما يعانيه من حصار ومحارق ويتألم أو يُحسّ بما يعانيه الناس الذين يريدون السلام والأمان.

لا أريد أن أقول يوجد نكران جميل رغم أن اليمن كان مضيافا للكثير من الفعاليات الأدبية فعلى سبيل المثال الجميع يعرف أديب اليمن الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي استضاف المئات من الكتاب والأدباء عندما كان رئيسا لجامعة صنعاء وإلى ما قبل الحرب ظل المقالح يقدم الدعم لكل من يستنجد به وأعرف عشرات حملتهم ظروف سياسية في بلادهم إلى اليمن فساعدهم أديبنا المقالح وفعلا مكثوا هم وعوائلهم عدة أعوام وحصلوا على الجواز اليمني بطرق ملتوية ثم غادروا إلى أمريكا أو أوروبا وطلبوا اللجوء وتحسنت ظروفهم وهؤلاء بالمئات كان اليمن حضنهم الدافئ ولو أن نصفهم أو ربعهم كتب وتضامن منذ بداية الحرب أو بعد عامها الأول أو الثاني فربما كانت أصواتهم ستشكل ورقة ضغط ولكن أغلبهم أختار الصمت المهين.

يمكن أن أضرب مثالا ثانيا بمناسبة فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية حج إلى صنعاء مئات الأدباء والكتاب والفنانين والصحفيين العرب وكان الوزير المثقف خالد الرويشان يدعو الجميع وتحملت الوزارة ديونا ضخمة بسبب الضيافات وتسببت بعزل الرجل لكن أغلب فعاليات العاصمة تحققت وليت عشرة بالمئة من هؤلاء كان لهم مواقف مشرفة في التضامن الجاد مع شعب عرفة وحضارة لمس عبق عطرها الإنساني.

أنا لا أدعو لموقف ينتصر لأي طرف من أطراف الحرب فقد اتضح أن جميعهم تجار حرب ولكن ما ذنب هذا الشعب المقهور وإلى متى ستظل القنابل المدمرة تنهال عليه بالأطنان بشكل يومي؟

 وهذه ليست حلوى ولا أرغفة خبز فهي تغتال الأطفال والنساء والمسالمين وكم مرة تم قصف أسواق ومدارس ومستشفيات وسرادق للأفراح ومواكب جنائز ومصانع وملاعب ومقابر وطرق ومناطق تاريخية ..كل شيء يتم تدميره دون توقف وينفذ ما يسمى تحالف دعم الشرعية ضربات السجاجيد المحروقة في صعدة وصنعاء دون أن يرتفع صوت الأدباء وفنانين العرب.

البعض يتحجج أنه لا يريد تسجيل مواقف سياسية لذا يصمت، والبعض يخاف أن يُحرم من الدعوات للمهرجانات والفعاليات الخليجية أو المدعومة منها، البعض يظهر على قنوات خليجية ليعكس ما تردده قيادة التحالف دون أن يناقش ضميره وهو يدلي بشهادة الزور، لست هنا لمناقشة أسباب الحرب ولا نصرة طرف فهذه الأطراف مصلحتها في بقاء الحرب وبكل حزن أقول القيادات السياسية اليمنية والأحزاب ورجال الدين باعوا وطنهم إلى هذا وذاك وبثمن بخس وهؤلاء إلى مزبلة التاريخ.

الحرب المدمرة مستمرة والموت يحصد البسطاء والصور والمعلومات أصبحت متوفرة فهل سيستمر صمتكم أيها الأدباء ويا أهل الفن والصحافة والفكر؟

أي كارثة إنسانية أبشع مما يعيشه يمنكم وأصل عروبتكم ومستودع حضارة تمتد لأكثر من عشرة ألف عام، على كل حجر ذكرى إنسانية وتعلمون أن اليمن كله أشبه بمتحف إنساني، فكيف تصمتون، نوجه الدعوة لضمائركم فالصمت خيانة للإنسانية وليس لليمن وحده.

ألا تستحق منا المحنة اليمنية توثيقها وتصوير المتضرر الأكبر وهو الشعب اليمني؟
ألا تشعرون بعويل الأمهات ورائحة الجثث المحترقة؟
ألا تستحق صنعاء وعدن وحضرموت وزبيد وكل ذرة من تراب التاريخ أن نخلد مآسي هذه المدن؟
أن التنكر بالصمت أو بشهادة الزور عار سيلاحقكم إلى الأبد.
نحن شعب مسالم ولا نكره جيراننا ولم يتم أخذ موافقتنا في هذه الحرب ونرفضها ونحلم بحياة بسيطة وهادئة.

باريس
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد