آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر قنديل
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي لبناني

الأيام الفاصلة بين مشروعيْنِ كبيرَيْنِ


ناصر قنديل

– مهما تلوّنت الصراعات وتبدّلت وجوهها وتموضعت في ضفافها قوى ملتبسة الهوية، تبدو المنطقة في مواجهة مفتوحة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران ورفع إمامها لشعار اليوم إيران وغداً فلسطين، فيما كانت «إسرائيل» تفوز بإخراج أكبر دولة عربية هي مصر، من خارطة الصراع عبر بوابة كامب ديفيد، لتصير هذه المواجهة منذ عام 1979 بين مشروع عنوانه مقاومة «إسرائيل» ومشروع مقابل اسمه تشريع اغتصاب «إسرائيل» لفلسطين والتطبيع معها، ومثلما تقف إيران كقاعدة استراتيجية لمشروع المقاومة الذي يضمّ إليها سورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، تقف أميركا كقاعدة استراتيجية لمشروع تشريع «إسرائيل» والتطبيع معها، ومعها عرب تتقدّمهم علناً دول الخليج وفي طليعتها السعودية، وتقف «إسرائيل» طبعاً، ومعها دول الغرب ودول إقليمية وعربية.

– مثلما كانت الحرب التي خاضها النظام العراقي السابق على إيران بتمويل خليجي ودعم أميركي غربي حلقة من حلقات هذه المواجهة وانتهت بالفشل، كان اجتياح «إسرائيل» للبنان حلقة من حلقات هذه المواجهة، وكانت أميركا حاضرة بقواتها المتعددة الجنسيات ومعها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ورعايتها لاتفاق السابع عشر من أيار، وكانت السعودية حاضرة باحتضانها الاتفاق بالقمة العربية في الدار البيضاء. وجاءت الحصيلة تباعاً من انتفاضة السادس من شباط عام 1984 وصولاً لتحرير الجنوب في العام 2000 لتتكرّس هزيمة هذه الحلقة الفاصلة المشروع الأميركي. كذلك كانت حرب العراق واحتلاله مقدمة لإخضاع سورية وإيران حلقة من حلقات هذه المواجهة. وجاءت أميركا مباشرة هذه المرة لتأديب قوى مشروع المقاومة. وجاءت الحصيلة بالفشل الأميركي في تحقيق الهدف فصمدت سورية وصمدت إيران. والأهم صار العراق نفسه مشكلة لأميركا.

– الحرب على سورية بقدر ما كانت حرباً على سورية بذاتها، كانت حرباً بين هذين المشروعين ومكانة سورية بينهما. وها هي الحرب ترسم مساراً ثابتاً للاحق تطوّراتها باتجاه لم يعُد ممكناً تغييره. وهو اتجاه خروج سورية معافاة من محنتها، وقيامة دولتها أشدّ قوة وأكثر التزاماً بثوابتها وخياراتها، وموقعها في خيار المقاومة، ومثلها الحرب على اليمن حرب بين هذين المشروعَيْن. وقد قال وزير خارجية الحكم المدعوم سعودياً في اليوم الأول للحرب أن «إسرائيل» تستطيع الاطمئنان بأن صواريخ الحديدة التي تهدّد أمن «إسرائيل» في إيلات سيتمّ تدميرها، وها هي الصواريخ تتحوّل أداة ردع تهدّد العاصمة السعودية.

– الملف النووي الإيراني مفردة من مفردات هذه المواجهة، فلو لم تكن إيران قاعدة لمشروع المقاومة لما كان امتلاكها للطاقة النووية ولا حتى لسلاح نووي أسوة بباكستان والهند مشكلة. ويوم توقفت المفاوضات حول هذا الملف في آب 2012 بعد جولة بغداد، معلوم أن واشنطن كانت قد عرضت تشريع الملف النووي الإيراني مقابل تعديل الموقف الإيراني في سورية وما يرمز إليه من تموضعها كقاعدة لمشروع المقاومة. ومثل الملف النووي الإيراني المواجهة مع روسيا تدور في قلب هذه المواجهة التي يشكل مشروع المقاومة عنوانها، فقد عرض على روسيا الكثير من المكاسب والمصالح كدولة عظمى في سورية وغير سورية مقابل إخراج إيران وقوى المقاومة، وتعرّضت روسيا لمخاطر وتهديدات وعقوبات لدفعها للتخلّي عن تموضعها مع إيران وسورية والمقاومة في المنطقة. وهي ترى في هذا التموضع تعبيراً عن تمسكها بكسر الهيمنة الأميركية وحماية خيار الاستقلال الوطني لدولتها وللدول التي تشبهها في هذا التمسك.

– نقل السفارة الأميركية إلى القدس إحدى خطوات قلب هذه المواجهة تحت عنوان التشريع والتطبيع، وصفقة القرن مثلها، والغارات الإسرائيلية والعدوان الأميركي كذلك، وما تشهده الانتخابات النيابية في لبنان والعراق مفردات إقليمية دولية بلباس محلي في قلب هذه المواجهة. فتُصرَف الأموال وتنظم الحملات الإعلامية لخدمة إنتاج موازين قوى في لبنان تحاصر المقاومة، وفي العراق موازين تشرّع بقاء الاحتلال الأميركي، وبالمقابل مواصلة الجيش السوري لحرب التحرير ومسيرات العودة الفلسطينية مفردات في هذه المواجهة، ومثلهما صمود اليمن ونجاحه في إنتاج توازن الردع والرعب رغم الآلام والجراح والحصار والمرض والجوع.

– الأيام المقبلة فاصلة في هذه المواجهة، والواضح أن واشنطن تستعدّ لملاقاتها بالابتعاد عن قلب الطاولة الذي كانت تهدّد به وتبحث عن مخارج حفظ ماء الوجه والتفرّغ للملف الكوري الشمالي، فيما تعيش «إسرائيل» والسعودية على نار القلق والخوف، وتنتظر إيران وسورية والمقاومة ملاقاة الاستحقاقات بثقة واطمئنان. وفي حزيران سيظهر المطمئن بأسه ويظهر الخائف والقلق ضعفه، وما يبدو تصعيداً واستفزازاً من جهة لقلب الطاولة قبل حزيران، سيفشل عبر ملاقاته ببرود أعصاب يخطئ مَن يقرأه ضعفاً، لأنه سيرى في حزيران وما بعده صورة القوة الحقيقية والضعف الحقيقي. فمشروع المقاومة الذي حقّق خلال أربعة عقود تراكماً من الانتصارات يعرف كيف يصونها، ويعرف أنها علامات تغييرات جوهرية في الموازين لا تحتاج الاستعراض لإثباتها بل الثبات الهادئ للحفاظ عليها.
 
جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/05/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد