آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

حروب ترامب العالمية: جمركية ضد أوروبا ونفطية ضد إيران وتجارية ضد الصين


د. عصام نعمان

يشنّ دونالد ترامب ثلاث حروب اقتصادية عالمية في آن: الأولى جمركية ضد أوروبا، والثانية نفطية ضد إيران، والثالثة تجارية ضد الصين. الحروب الثلاث تتداخل وتتكامل وتُشكّل، في الواقع، ركيزة سياسة «أمريكا أولاً» المفضية، عاجلاً أو آجلاً، إلى بناء نظام عالمي مغاير للنظام الحالي المترهل والآيل إلى الانهيار.

الحرب الجمركية الأمريكية ضد أوروبا تمثّلت بالرسوم التي فرضتها إدارة ترامب على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي، ما تسبّبت بنسف اجتماع قمة الدول الصناعية السبع في يونيو الماضي في كندا. لم يكتفِ ترامب بذلك بل صعّد حملته على شركائه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي مطالباً إياهم، ولاسيما ألمانيا، بزيادة مساهمتها في نفقاته بحيث لا تقل عن 2 في المئة من دخلها القومي.

الحرب النفطية الأمريكية ضد إيران تمثّلت بدعوة ترامب دول العالم إلى الامتناع عن استيراد النفط من إيران عقاباً لها على عدم موافقتها على تعديل الاتفاق النووي الذي كان الرئيس الأمريكي قد أعلن اَلانسحاب منه خلال شهر مايو الماضي. الرئيس الإيراني حسن روحاني وكبار قادته العسكريين ردّوا ملوّحين بمنع مرور شحنات النفط من دول الخليج، إذا ما حاولت واشنطن وقف صادرات النفط الإيرانية. قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أعلن أن قواته مستعدة لإقفال مضيق هرمز، محذراً من أنه إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأمريكية، فلن يُسمح لأي دولة أخرى في المنطقة بأن تفعل. إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز وإما لا أحداً. القيادة المركزية الأمريكية ردّت على تصريحات جعفري بإبداء استعداد البحرية الأمريكية لضمان حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة عبر المضيق نفسه.

الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين تمثّلت بفرض رسوم جمركية على منتجات صينية تقدّر بعشرات مليارات الدولارات، الأمر الذي حمل الصين على الرد فوراً بفرض رسوم على منتجات أمريكية بالقيمة ذاتها تقريباً، لكن مع تركيز اكبر على المنتجات الزراعية.

حروب ترامب الاقتصادية العالمية هزّت وستهزّ بقوة الاقتصاد العالمي، ما يهدد النظام الدولي السائد بمزيد من الترهل والتفكك. المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فينغ قال إن الولايات المتحدة هي التي تسببت بأكبر حرب تجارية في التاريخ، وأنه ضمن قائمة المنتجات المدرجة على القائمة الأمريكية بضائع بقيمة 20 مليار دولار من صنع شركات استثمارية أجنبية، تمثل الشركات الأمريكية قسماً مهماً منها، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة تطلق النار على كل العالم، وتطلق النار على نفسها كذلك»!

بدورها حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد من الدخول في دوامة الإجراءات الإنتقامية، مشيرةً إلى أنها لن تخلق سوى «خاسرين من الطرفين».

صحيح ما قاله المسؤول الصيني بأن الولايات المتحدة «تطلق النار على كل العالم، وتطلق النار على نفسها كذلك». ذلك ما حمل القادة العسكريين الإيرانيين على إطلاق تحذيرات وتهديدات قوية. ولن يمضي وقت طويل قبل أن يعلن الإيرانيون، وربما غيرهم أيضاً، أن ترامب بأفعاله المتهورة النكراء سيتسبب، مباشرةً أو مداورةً، بإطلاق النار على شركائه وحلفائه المميزين في الخليج، كما في شرق المتوسط. كيف ؟

كلام الجنرال جعفري واضح: «إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأمريكية، فلن يُسمح لأي دولة أخرى في المنطقة بأن تفعل». معنى ذلك أنه إذا امتثلت دول صديقة لأمريكا أو متواطئة معها على عدم استيراد النفط الإيراني، فإن طهران قد لا تكتفي بإغلاق مضيق هرمز بل تلجأ – إذا ما قام الأسطول الأمريكي بفتحه بالقوة – إلى تدمير منشآت نفطية للدول الخليجية المتحالفة مع أمريكا ضد إيران. أكثر من ذلك، قد تقوم إيران بقصف منشآت إسرائيل النفطية في البحر المتوسط لمنعها من المشاركة، شأن السعودية، في تعويض النقص الناجم عن حرمان إيران من تصدير نفطها. أما إذا قامت إسرائيل، بالتواطؤ مع أمريكا، بقصف منشآت النفط وغيرها من المرافق الحيوية الإيرانية، فإن إيران (وحلفاءها ) لن تتأخر في قصف وتدمير مرافق إسرائيل الحيوية، النووية والصناعية والعسكرية، كما موانئها ومطاراتها ومعاملها الكهربائية.

أي مشهد كابوسي سيسود كوكبنا الأرضي إذا ما تدحرجت ردود الأفعال إلى انزلاق دول كبرى نووية إلى معمعة حربٍ كونية قد يعرف العالم متى تبدأ لكنه لا يعرف متى تنتهي وما ستخلّف من كوارث بشرية وعمرانية سيريالية.

هل يمكن تدارك المخاطر والزلازل القيامية المحدقة؟

تسعى الصين إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي من إجل إصدار بيان مشترك قوي خلال القمة المرتقبة بينهما في بكين يومي 16 و17 الشهر الجاري للتنديد بتدابير ترامب العقابية ولحمله على التراجع عن حروبه التجارية. لكن لا يبدو أن الأمر سيكون سهلاً حتى لو عرضت الصين فتح قطاعات واسعة أمام الإستثمارات الأوروبية، ذلك لأن الأوروبيين يخشون التدابير العقابية الأمريكية بالقوة نفسها التي يخشون تداعيات التوسع التجاري الصيني الكاسح في كل أرجاء العالم.

على حافة انهيار نظام دولي قديم وبوادر نشوء آخر مغاير تماماً، يمكن أن تتفجر في أيّ وقت أقسى التحديات والمخاطر، وأن تنزلق دول وكيانات إلى حروب كونية.
جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/07/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد