آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر قنديل
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي لبناني

الحريري وتجميع الثلث المعطل


ناصر قنديل

– تبلور المشهد السياسي عام 2005 على صورة تجمع ثلاثة تكتلات كبرى كانت تتقاسم المجلس النيابي والحكومات المتعاقبة، وكان التوازن بين هذه التكتلات هو الذي يحدّد صورة لبنان السياسية وهويته الإقليمية. والتكتلات هي الثامن من آذار الذي ولد من دون أن تلتقي أطرافه على نظرة موحّدة للكثير من القضايا الداخلية، لكن الجامع المشترك بين مكوناته كان التمسك بأفضل العلاقات بين لبنان والدولة السورية وخياراتها، وبالتوازي حماية سلاح المقاومة من أي استهداف، خصوصاً ما مثله القرار 1559. والثاني هو تكتل الرابع عشر من آذار الذي كان على النقيض تماماً يدعو للمواجهة مع الدولة السورية ولرفع الغطاء السياسي عن سلاح المقاومة ويجاهر بتبني القرار 1559. وبينهما تيار ثالث هو التيار الوطني الحر يتبنى تطبيع العلاقة بين لبنان والحكومة السورية بعد انسحاب قواتها من لبنان، ويدعو لحوار حول استراتيجية للدفاع الوطني ورفض التخلي عن سلاح المقاومة إلا بحدود ما ترسمه هذه الاستراتيجية عندما تولد، وجاءت انتخابات 2009 في ظل توازن سياسي وأمني أعقب حرب تموز 2006. وكان توزع المجلس النيابي على 71 مقعداً للرابع عشر من آذار و29 مقعداً للثامن من آذار، و27 مقعداً لتكتل الإصلاح والتغيير الذي يقوده التيار الوطني الحر. وجاءت الحكومات التي ولدت في ظل هذا التوازن تمنح نسباً من التمثيل تعادل هذه النسب في البرلمان، فبقي تكتل الرابع عشر من آذار يملك ضعف مقاعد الثامن من آذار في هذه الحكومات 14 مقابل 7 أو 15 مقابل 8 .

– تغيّرت المنطقة خلال سنوات التمديد للمجلس النيابي المنتخب عام 2009، وجرى تمديد ولاية المجلس دون عذر وسبب يبرر التمديد، فقط لعدم الذهاب إلى انتخابات تغير التوازنات النيابية وتنعكس على الانتخابات الرئاسية وعلى تركيبة الحكومات التي تنتهجها التوازنات البرلمانية. وهذا يعني بوضوح أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الشريك الدائم في تشكيل الحكومات المتعاقبة ورئيسها لمرات عديدة، كان يدرك جيداً معادلة التوازن بين التمثيل الحكومي والتمثيل الوزاري في أي حكومة وفاق أو وحدة وطنية. وعندما فرضت الظروف الدولية والإقليمية في ضوء متغيرات الحرب في سورية السير بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وزال الفيتو السعودي، زال التحفظ الأبرز على إجراء الانتخابات النيابية، ولكن الحريري ارتكب الخطأ القاتل بنظر السعوديين، بسبب قبوله قانون الانتخابات القائم على النسبية الذي قرأ السعوديون، كما قال الوزير السعودي ثامر السبهان إنه سيغير توازنات المجلس النيابي، فتمّ احتجاز الحريري وفرضت عليه الاستقالة ليس عقاباً فقط بل لقطع الطريق على الانتخابات، لأن السعوديين يدركون أن الحكومات التي سينتجها المجلس ستعبر عن توازناته، وإلا فبماذا يخفيهم تغيير توازنات المجلس النيابي. وعندما عاد الحريري، كان قد التزم للسعوديين بأمرين، الأول تخفيض منسوب التعاون مع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر، بعدما اتضح سقوط الرهان على جذبهما لثنائية مصلحية ترتب إبعادهما عن خيار التعاون والتحالف مع حزب الله، الذي صنفته السعودية عدواً أول. وكذلك سقوط الرهان على تخلّيهما عن أولوية عودة النازحين السوريين وما تعنيه من انفتاح وتعاون مع الدولة السورية. وهما انفتاح وتعاون تريد السعودية إبقاء مفاتيحهما بيدها. وترجم الحريري الخطوة الأولى على هذا الطريق بإبعاد مستشاره ومدير مكتبه نادر الحريري عراب هذا التعاون مع الوزير جبران باسيل. أما الأمر الثاني الذي التزمه الحريري، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية، التي حملت تراجعه وتقدّم حزب القوات اللبنانية، بإدارة تأليف الحكومة الجديدة وفقاً للرؤية القواتية.

– لم يكن من مصلحة تكتل الرابع عشر من آذار اعتماد المقياس الذي قامت باعتماده في الحكومات السابقة، وهو نسبة التمثيل النيابي فالـ 71 نائباً صاروا 44 والـ 29 في حال الثامن من آذار صاروا 45 والـ 27 في حال التيار الوطني الحر صاروا 29، والنسبية ستعني تساوي حصتي الثامن والرابع عشر من آذار وزارياً، ومقابلها حصة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية وهو الزعيم المؤسس للتيار هذه المرة، لذلك كانت الخطة هي مغادرة التمثيل النسبي لاستبدال تسمية حكومة وحدة وطنية بحكومة وفاق وطني. فتصير الثامن من آذار ممثلاً للشيعة ومعهم تيار المردة فتنال سبعة مقاعد، ويصير الحزب التقدمي الاشتراكي ممثلاً للدروز فينال ثلاثة مقاعد، ويصير تيار المستقبل ممثلا للسنة وينال ستة مقاعد، والقوات تقاسم التيار الوطني الحر المسيحيين، فيجري تذكر اتفاق معراب للمطالبة بحصة موازية لحصة التيار، ليكون الجمع دائماً ضامناً للرابع عشر من آذار ما يزيد عن الثلث المعطل للحكومة.

– لماذا الثلث المعطل؟

– يقول الرئيس المكلف للحكومة سعد الحريري إنه لن يذهب إلى دمشق ولو اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، وفي حكومة تراعي التمثيل النسبي سيضطر رئيس الحكومة الذي لا يسانده عدد من الوزراء يملك الثلث المعطل للاستقالة. وهو لا يريد الاستقالة ولا السعودية تسمح له بها بعدما أُحبطت خطتها لاستعمالها لتعطيل الانتخابات، والبديل هو تطيير نصاب أي جلسة حكومية تطرح خلالها العلاقة بسورية.

– الجواب البسيط والبديهي هو التمسك بحكومة تمثيل نسبي، وإلا فلا حكومة لأن حكومة يحكمها الثلث المعطل للرابع عشر من آذار هي حكومة لن تحلّ قضية النازحين ولن تؤمن الاقتصاد اللبناني بعائدات الفوائد التي يتيحها التعاون مع سورية عبر معابرها مع الأردن والعراق، كرئة لا غنى عنها لإنعاش الاقتصاد اللبناني، ولن تضمن مشاركة لبنان بورشة إعادة إعمار سورية. وهي مشاركة عضوية طبيعية تمنح لبنان فرصاً واسعة للانتعاش. واللبنانيون يحتاجون حكومة تنطلق من مصالحهم لا من أوامر خارجية كيدية أو مكابرات فئوية. والرئيس المكلف يعلم أن هذه مصلحة لبنان، وقد قال إنه إذا اقتضت مصلحة لبنان هذه العلاقة فتشوا عن غيري. فيكف نفتش عن غيره وهو لم يعتذر؟

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/08/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد