آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

هل بدأت الحرب الأميركية على الرئيس عون؟


د. وفيق إبراهيم

ما أعلنه الرئيس اللبناني ميشال عون على منبر الأمم المتحدة من رفض بلاده المطلق للسياسات الأميركية إزاء قضية فلسطين وأزمة سورية وموضوع الإرهاب ومشروعية حزب الله في المقاومة لم يسبقه إليه أي رئيس عربي باستثناء الرئيس بشار الأسد الذين حاولوا معاقبته بتدمير بلاده.

وهناك أيضاً المقاومات اللبنانية المتمردة على الموقف الأميركي إنما من خارج أنصبة الدول الرسمية وتؤدي دوراً جهادياً منذ 1982 بقيادة حزب الله، إن أهمية مواقف الرئيس ميشال عون تتجسّد في هذه الجرأة الاستثنائية التي عكس فيها ما يتهدّد لبنان من مخاطر خارجية تستهدف السيادة اللبناني والكيان السياسي نفسه، وبالحد الأدنى تذهب نحو ضرب الاستقرارين السياسي الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي الوطني. وهو كلام يصدر عن رئيس دولة صغيرة مرتبطة تاريخياً بالإقليم والعامل الدولي، لكن عون يستشعر خطراً بنيوياً على المعادلة التاريخية اللبنانية التي قامت عليها الدولة متخوّفاً من إمكانية وضع الكيان السياسي اللبناني في خدمة الحلول الإقليمية ولا شك في أن الرئيس عون أعلن رفضه للمواقف الأميركية بخلفية قول شهير لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر اعتبر فيه أن «لبنان خطأ تاريخي». وهذا يعني أن بالإمكان تفتيته لحل الأزمات الخارجية وإرضاء أطراف الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة توطين الفلسطينيين فيه وربما في أماكن أخرى إضافية.

لذلك تجب الإضاءة السياسية على مواقف الرئيس عون بتداعياتها الدولية والعربية والداخلية اللبنانية، فهي من الوضوح، بحيث إنها لن تمرّ كسحابة عابرة على قاعدة أن لبنان بلد معني ٌ يستضيف مئات آلاف الفلسطينيين اللاجئين وأكثر من مليون سوري نازح ومهدّد بتسلل آلاف الإرهابيين إلى قراه وبلداته من مناطق خَسِر فيها هذا الإرهاب في سورية والعراق، ولبنان معنيّ أيضاً بالتداعيات الاقتصادية التي يَتسبّبُ بها ملايين النازحين واللاجئين المربوطة بإقفال الحدود الاقتصادية بين لبنان وسورية والخليج وانهيار السياحة والترانزيت.

للملاحظة هنا، فإن أوروبا وأميركا والخليج لا يقدّمون مساعدات كافية لدعم لبنان في مواجهة أزمات اللجوء والنزوح. هذه هي الاعتبارات التي دفعت العماد عون على رفض الموقف الأميركي بتهويد فلسطين وإيقاف مساعدات واشنطن للأونروا ونقل السفارة الأميركية إلى القدس ودعم «إسرائيل» أكثر مما تقدّمه الدولة الأميركية لولاية من ولاياتها، حتى أن لبنان بدا في كلمة عون الدولة العربية الوحيدة باستثناء سورية التي تجرأت على رفض كل قرارات الرئيس ترامب بالنسبة لقضية فلسطين والإعلان عن عدم الالتزام بها لبنانياً.

المسألة الثانية التي تثير غضباً غربياً هو رفض عون القرار الأميركي الأوروبي الخليجي الذي يقضي بإرجاء عودة النازحين السوريين إلى ما بعد إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، فتساءل الرئيس اللبناني عن الأسباب التي تقف وراء هذا الموقف الرافض لإعادة النازحين لا سيما أن 60 في المئة من مساحة سورية أصبح آمناً.

هناك أيضاً موقف للرئيس عون من ضرورة إنهاء الإرهاب في الدول المجاورة لبلاده ومنع تسللها إلى لبنان، لأن هناك بيئات جاهزة لاستقبالها واستعمالها في تدمير الاستقرار اللبناني الهشّ أصلاً.

إن تشريع الرئيس عون لمقاومة حزب الله للعدو الإسرائيلي وإصراره على انه هو الذي حارب الإرهاب إلى جانب الجيش والشعب، معتبراً أن الاندماج المستقبلي للمقاومة في إطار الجيش اللبناني هو من الآليات القابلة للاعتماد في لبنان، فيأتي هذا الموقف الشجاع في وقت يَشنُ فيها الحلف الأميركي الخليجي الإسرائيلي أعنف حرب على إيران وتحالفاتها في المنطقة، خصوصاً حزب الله الذي يُتوقّع صدور عقوبات أميركية صارمة بحقه في الأيام المقبلة.

فيأتي الموقف الشجاع للرئيس اللبناني متناقضاً بشكل كامل مع السياسة الأميركية والخليجية والإسرائيلية.

فهل تؤدي هذه المواقف العونية إلى إثارة «حرب على الرئيس» على مستويات ثلاثة: خارجية تقودها واشنطن وإقليمية عربية تستند إلى السعودية والإمارات و»إسرائيل» وداخلية تمنع تشكيل حكومة جديدة وتدعم فلول الإرهاب برفع وتيرة الفتنة السنية الشيعية وبإمكانها تحقيق تعطيل داخلي طويل الأمد يستند إلى حق الرئيس المكلف بالامتناع عن تشكيل الحكومة إلى الوقت الذي يراه مناسباً. وهذا يؤدي بشكل طبيعي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي والتعجيل بالانهيار الاقتصادي.

عربياً، قد تدفع الولايات المتحدة الأميركية كلاً من السعودية والإمارات إلى دعم تلكؤ الحريري في التشكيل وقطع العلاقات الاقتصادية والتمويلية مع لبنان والاتجاه إلى طرد المزيد من اللبنانيين العاملين في الخليج.

لجهة واشنطن، فبالإضافة إلى عقوباتها المرتقب الإعلان عنها ضد حزب الله، يمكن لها توقيع عقوبات اقتصادية إضافية على قطاعات خاصة ورسمية لن ينجو منها حتى مصرف لبنان.

ويتبقى الدور الإسرائيلي، فهل يَدفعهُ الحلف الأميركي – الخليجي لشن اعتداء على لبنان في هذه المرحلة بالذات، ولأن «إسرائيل» ليست دولة عربية تؤدي دور الدمية التي لا تتحرّك إلا برغبة أصحابها، فإنها بصدد درس كل المعطيات التي تترتب على اعتداءاتها ولن تُغامر بالتأسيس لحرب مع حزب الله. وهي العارفة بعجزها عن استخدام قوات برية، وهذا أسلوب لجأت إليه وأدى إلى خسارتها حربين متتاليتين.

أما الإغارات فَستستتبع رشقات صواريخ من حزب الله نحو فلسطين المحتلة، بوسعها أن تترك أثراً في زعزعة الاستقرار في فلسطين المحتلة.

إذا كانت مواقف عون الباسلة تؤدي إلى كل هذه النتائج، فلماذا يعلنها الرئيس منذ أيام عدة على منبر أممي وبثقة عالية بالنفس؟

يستشعر «العماد» بخلفيته الوطنية التاريخية أن البلاد تمر بأسوأ أزمة في تاريخها، ولها صفة التأثير على الكيان السياسي اللبناني، وليس على الاقتصاد وفقط.

واعتبر أن المدقق بتصريحات ترامب حول التأييد الأميركي ليهودية فلسطين، ومشروع إلغاء صفة اللجوء عن فلسطينيي لبنان وسورية والأردن ومصر إنما هو مشروع لإلغاء القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة. وهذا لا يعني إلا توطينهم في دول اللجوء ومنها لبنان الذي يستضيف أكثر من نصف مليون فلسطيني على مساحة ضيقة تجعل الكثافة السكانية تقترب من الـ 600 شخص في الكيلومتر المربع الواحد وهو معدل عالٍ جديد في بلد لا موارد فيه. وهذا يهدد أيضاً المعادلة التاريخية التي أسست لبنان في 1921.

هناك أسباب فاقمت من أزمة التوطين الفلسطيني في لبنان وتتعلق باللاجئين السوريين الذين يفوق عددهم عن المليون ونصف المليون نسمة، يضغطون عليهم وهم ضحايا إرهاب عالمي أدّى إلى نزوحهم.

بقدر ما يحمل الغرب الأميركي والأوروبي والخليج مسؤولية عدم تأمين مساعدات للبنان لتغطية قسم من نفقاتهم على منوال تركيا والأردن.

وما جعل القلق يستوطن العقل السياسي للعماد هو إصرار الأميركيين والأوروبيين والسعودية والإمارات و»إسرائيل» على الربط بين الحل السياسي في سورية وبين عودة نازحيها إليها، علماً أن معظم سورية أصبح آمناً ويوفر إمكانات عيش مقبولة، فلماذا هذا التعمد في تأخير العودة فعندما نزح عشرون ألف فلسطيني من بلادهم إلى لبنان في 1948 قالوا للبنان إنها مسألة أيام وأشهر ويعودون. وهكذا أصبح الفلسطينيون أكثر من نصف مليون في لبنان ومضى على وجودهم فيه سبعين عاماً.. فقط.

ضمن هذه المعطيات يجب فهم بسالة العماد ميشال عون وإصراره على التصدي لمحاولات تدمير الكيان السياسي اللبناني، مهما زاد أعداؤه الدوليون والعرب، فلبنان بالنسبة إليه أكثر أهمية من الإغراءات السياسية الواردة إليه من كل حدب وصوب. والعماد الرابض على مساحات شعبية واسعة في كل الطوائف لن يدع مسألة تشكيل الحكومة في خدمة المصرّين على استرقاق لبنان واستتباعه.

لا بد هنا من الإشارة إلى حيازة الرئيس عون على تحالفات داخلية لم يمتلكها رئيس لبناني منذ الاستقلال وتأييد إقليمي وأوروبي ودولي على رأسه روسيا والصين وفرنسا. وهي من القوة بحيث إنها قادرة على صون لبنان وحماية عهد يُقدمُ للمرة الأولى منذ ستة عقود صورة رئيس يضع مصالح بلاده في مقدمة القطار.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/09/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد