آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

مر شهر على العقوبات ولم يهتز الشعب ولا الاقتصاد الإيراني

 

صالح القزويني

في يوم الأربعاء القادم 5 ديسمبر تكون العقوبات التي تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عنها كثيرا قد أكملت شهرا كاملا، وكل من تابع تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين وخاصة تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون سيتصور أن الحياة ستصاب بشلل تام في إيران جراء العقوبات.

الصورة القاتمة التي رسمها ترامب وبولتون وبومبيو عن إيران بعد الخامس من نوفمبر الماضي تجعل الكثيرين يتصورون أن سقوط النظام الإيراني قاب قوسين أو أدنى، فمجرد دخول العقوبات حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر فإن الاقتصاد الإيراني سينهار وأن الشعب سينتفض ضد حكومته، وتنتهي حقبة الجمهورية الإسلامية.

وجاء الخامس من نوفمبر ويوم الأربعاء سيمضى شهر على مجيئه ولكن ما أصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل ولم ينتفض الشعب الإيراني ضد نظامه، فهل يا ترى أن قوة الاقتصاد الإيراني بلغت حدا لا يستطيع ترامب ولا غيره التأثير عليها، أم أن ولاء الشعب الإيراني لنظامه بلغ مستوى حتى أنه يقدم الولاء على أي شيء آخر بما في ذلك معيشته، فلا يستجيب معه لأية دعوة بالتحرك ضده؟

بغض النظر عن الأسباب والعوامل التي أحبطت مساعي الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها من العقوبات التي فرضتها على إيران، فإن فشل العقوبات في تحقيق الأهداف المرجوة يعكس حقيقة هامة وهي أن ترامب وفريقه لا يدركون واقع إيران، إذ أنهم تصوروا أنهم سيتمكنون من تغيير النظام الإيراني أو في أدنى الحالات التأثير على مواقفه من خلال العقوبات الاقتصادية، ولا يعلمون أن طهران لن تغير مواقفها تجاه القضايا الرئيسية، وهي إسرائيل وبرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، حتى  لو نجحت الإدارة الأميركية في إطباق الحصار الاقتصادي عليها فما بالك بوجود العديد من الثغرات في هذا الحصار؟

لا أزعم أن العقوبات الأميركية لم تؤثر بتاتا على الشعب والاقتصاد والنظام الإيراني، بل شهدت الأسواق الإيرانية ارتفاعا في كافة الأسعار، كما أن الإيرانيين متذمرون من هذا الارتفاع، أضف إلى ذلك فإن العقوبات أدت إلى ظهور بعض الخلافات بين المسؤولين الإيرانيين ويكاد لا يمض يوم إلا وتنشر وسائل الإعلام الإيرانية انتقادا لمسؤول أو نائب في البرلمان ضد أداء الحكومة تجاه العقوبات، غير أن كل ذلك لم يرق إلى مستوى الأهداف التي كانت الإدارة الأميركية ترجوها من العقوبات، وهي انهيار الاقتصاد والنظام وتحرك الشعب ضد الحكومة.

من أبرز الأسباب التي أفشلت المساعي الأميركية في تحقيق غاياتها، هي تنوع الاقتصاد الإيراني وعدم اقتصاره على جانب دون آخر، فكما هو واضح أن العقوبات تستهدف بالدرجة الأولى النفط وعائداته بينما إيران لا تعتمد بشكل كامل على النفط بل أن إيران لديها قائمة طويلة من المنتجات المحلية بما فيها الصناعية واليدوية إضافة إلى الزراعية والمعادن، وهناك منتجات إيرانية كالزعفران والسجاد قلما تجد لها منافس عالمي.

من الأسباب أيضا أن الشعب والنظام الإيراني سبق أن واجها مثل هذه العقوبات وأقسى منها ولم تستطع تغييرهما، وبالتالي فان الشعب والنظام الإيراني يمتلكان تجارب سابقة يمكن توظيفها لتجاوز العقوبات الحالية.

من الأسباب كذلك هو الموقف العالمي وخاصة الأوروبي من العقوبات وعموم الاتفاق النووي، وبالرغم من أوروبا لم تقدم على أية خطوة كبيرة للحؤول دون توقف صادرات النفط الإيرانية إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي بحد ذاته أدى إلى تضعيف العقوبات الأميركية، والى حد ما فانه منح الثقة للاقتصاد الإيراني.

بطبيعة الحال أن الحكومة أقدمت على العديد من الخطوات للحفاظ على الاقتصاد، من بينها التحركات الدبلوماسية وفي مقدمتها جولات وزير الخارجية وندواته ومقابلاته الإعلامية، وإجراءات دعم العملة المحلية وضبط سعرها أمام العملات الأجنبية، ودعم الإنتاج المحلي والسلع الإيرانية، وبيع النفط في البورصة الإيرانية الخاصة به.

لاشك أن ترامب يعول في الوقت الراهن على تأثير العقوبات تدريجيا على الاقتصاد والشعب الإيراني لتصل إلى مستوى عدم قدرتها على بيع برميل واحد من نفطها للخارج وفي نفس الوقت عدم قدرة طهران على الحصول على  عائدات السلع التي تصدرها، ولكن اتساع رقعة إيران وتعدد جيرانها والعلاقة الوثيقة التي تربطها ببعضهم وكذلك إعلان الرئيس الإيراني بشكل صريح بأن بلاده ستلتف على العقوبات لأنها غير شرعية، واحتمال بدء أوروبا بتنفيذ آلية التبادل المالي، واحتمال اتفاق إيران مع بعض الدول على المقايضة والتعامل بالعملة المحلية، كل هذه الأمور ستشكل عقبات أمام تحقيق العقوبات الأميركية غاياتها.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/12/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد